كيف كان علم الفلك خلال عصر النهضة؟
استعاد علم الفلك الأوروبي مستوى الإغريق القدماء فقط مع نشر (Epytoma) عام 1496 في (Almagestum Ptolemaei) خلاصة لبطليموس المجسطي الذي بدأه عالم الرياضيات والفلك جورج فون بورباخ وأكمله طالبه (Regiomontanus) وهو الاسم اللاتيني ليوهانس مولر فون كونيغسبيرغ، وساعد تعليق (Regiomontanus) فصلاً فصلاً الأجيال القادمة على تعلم بطليموس.
انتقد في بعض الأحيان بطليموس على سبيل المثال مشيراً إلى أن الاختلاف المزدوج في مسافة القمر الذي تضمنه نظرية بطليموس القمرية يتجاوز إلى حد كبير التباين في المسافة الذي ينطوي عليه تباين القمر في الحجم الظاهري، وعلى الرغم من أن هذا الاختلاف كان معروفاً في علم الفلك العربي إلا أن هذا كان أول ذكر له في الغرب اللاتيني.
ما هو دور عالم الفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكوس؟
أعلن عالم الفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكوس عن حركة الأرض في (De Revolutionibus orbium coelestium libri VI) ستة كتب تتعلق بثورات الأجرام السماوية 1543 ورسم تخطيطي مبكر لنظريته حول مركزية الشمس (Commentariolus)، وتم تداوله في مخطوطة في المجتمع الفلكي الصغير في وسط أوروبا من حوالي عام 1510، لكنه لم يُطبع حتى القرن التاسع عشر.
على الرغم من أن كوبرنيكوس قدم بعض الملاحظات الجديدة للكواكب ورسم في بعض ملاحظات أسلافه في العصور الوسطى لم تلعب الملاحظات الجديدة دوراً مهماً في اكتشافه، بدلاً من ذلك اكتشف كوبرنيكوس حركة الأرض من خلال فهم بطليموس بشكل أعمق من أي شخص آخر؛ وذلك لأن القرائن الأساسية تكمن هناك في المجسطي ليراها الجميع.
ترتبط حركة كل كوكب بحركة الشمس، والكواكب السفلية هي دائماً الرفقاء المقربون للشمس، ولا يحصل عطارد أبداً على أكثر من حوالي 22 درجة من الشمس والزهرة لا تزيد عن 48 درجة، كما يمكن تفسير ذلك ببساطة من خلال تخيل أن هذين الكوكبين يدوران حول الشمس.
أما بالنسبة للكواكب المتفوقة (المريخ والمشتري وزحل) يكون الاتصال أكثر دقة، وينتقل كل من هذه الكواكب إلى حركة رجعية عندما يكون مقابل الشمس تماماً كما يُنظر إليه من الأرض، وفي نظرية الكواكب القديمة كان هذا يتطلب من الكواكب الثلاثة أن تتحرك حول أفلاكها في نفس الوقت مع بعضها البعض وبحركة الشمس حول الأرض، في حالة المريخ على سبيل المثال يجب أن يظل الخط الدائر من مركز فلك التدوير إلى المريخ موازياً للخط الدوار من الأرض إلى الشمس.
وينطبق الشيء نفسه على كوكب المشتري وزحل، ذكر بطليموس أنه يمكن للمرء استخدام هذه الحقيقة لتجنب الحسابات المتكررة إذا أراد المرء تحديد مواقع الكواكب الثلاثة في نفس التاريخ، وكانت رؤية كوبرنيكوس العظيمة هي أن هذه الحركات الأربعة المتزامنة كانت في الحقيقة مظاهر لحركة واحدة (حركة الأرض نفسها).
كان رد الفعل المبكر على كوبرنيكوس صامتاً إلى حد ما، وكان لدى علماء الفلك عدة أنواع مختلفة من الاستجابة، ويمكن للمرء أن يعجب بقدرات كوبرنيكوس الرياضية ويظل ببساطة محايداً في مسألة حركة الأرض، حيث كان هذا على سبيل المثال هو موقف عالم الفلك الألماني إيراسموس راينهولد الذي كتب كتاباً دراسياً شهيراً عن علم الفلك البطلمي ولكنه أيضاً قام بحساب ونشر جداول (Prutenic) استناداً إلى نظرية الكواكب لكوبرنيكوس، والتي ساعدت في تعزيز سمعة كوبرنيكوس.
ربط حركة الكواكب بالشمس:
كان عالم الفلك الدنماركي تايكو براهي مثالاً جيداً لأولئك الذين أعجبوا بإنجاز كوبرنيكوس في ربط جميع حركات الكواكب بشكل أوثق بالشمس، ولكنهم لم يتمكنوا من قبول حركة الأرض، وعمل براهي على علم كوزمولوجيا بديل يُعرف باسم نظام (Tychonic).
وفي هذا المنظر يدور القمر والشمس حول الأرض لكن جميع الكواكب الأخرى تدور حول الشمس المتحركة، كان لنظام تايكو نفس المزايا التفسيرية مثل نظام كوبرنيكوس، حيث كان هذا ما سيبدو عليه النظام الكوبرنيكي إذا كانت الأرض مصنوعة لتبقى في حالة سكون.
مثل العديد من علماء الفلك الآخرين كان تايكو مفتوناً بالنجم الجديد اللامع الذي ظهر في كاسيوبيا عام 1572، وقام بأرصاد مستفيضة لتحديد ما إذا كان قد غيَّر موقعه بالنسبة للنجوم المجاورة من الليل إلى الليل، وبالنسبة لعالم الفلك أو الفيلسوف في إطار العقل الأرسطي سيكون من الصعب الاعتراف بأن نجماً جديداً يمكن أن يظهر حقاً في السماء؛ لذلك من المرجح أن يعتبرها المرء نوعاً من الظاهرة في الروافد العليا للهواء والنار.
إذا أظهر النجم الجديد اختلاف المنظر (أي إذا تحرك للأمام والخلف فيما يتعلق بالنجوم الحقيقية) فيمكن للمرء أن يتأكد من أنه قريب من الأرض وليس جزءاً من الكرة الكونية، حيث إن إثبات تايكو أن النجم الجديد ليس له اختلاف في المنظر، وأنه كان حقاً نجماً في الكرة السماوية فعل الكثير لتفكيك الفيزياء القديمة.
في عام 1577 كانت هناك هدية ثانية من السماء وهو مذنب ساطع بشكل خاص، وفي العصور القديمة والوسطى كانت المذنبات تعتبر ظواهر جوية، وهكذا لم يعاملهم أرسطو في على السماوات بل عاملهم في علم الأرصاد الجوية، بعد كل شيء تبين أنها عابرة عن أجسام تظهر فجأة تعبر بسرعة من كوكبة إلى أخرى ثم تختفي.
ومع ذلك كان تايكو قادراً على نمذجة حركة المذنب بوضعه في مدار حول الشمس، وأشار إلى أن المذنب كان في بعض الأحيان أقرب إلى الأرض وأحياناً أبعد من الزهرة وعطارد، يبدو أن هذا يعني أنها تحطمت عبر المجالات السماوية التي حملت هذه الكواكب مما أدى إلى التشكيك في هذه الإنشاءات الشاسعة.
ما هي اكتشافات علم الفلك خلال عصر النهضة؟
في عام 1609 اكتشف العالم الإيطالي جاليليو جاليلي باستخدام تلسكوبه الخاص المصمم على غرار اختراع تم إنشاؤه مؤخراً في هولندا أن القمر بعيداً عن كونه سلساً ومختلفاً تماماً عن الأرض به جبال وحفر، وباستخدام أطوال ظلالهم تمكن جاليليو حتى من قياس ارتفاعات جبال القمر، وتم حل عدد من السدم في أسراب من النجوم الصغيرة الفردية، حتى مجرة درب التبانة كانت مصنوعة من النجوم.
ربما كان الاكتشاف الأكثر إثارة هو اكتشاف أربعة أقمار تدور حول كوكب المشتري، وتم الإعلان عن هذه الاكتشافات في كتاب جاليليو (Sidereus Nuncius The Sidereal Messenger 1610)، وهو الكتاب الذي صنع شهرته، على الرغم من أن أياً من هذه الاكتشافات لم يدعم نظرية كوبرنيكوس بشكل مباشر إلا أنها قدمت جميعها دعماً غير مباشر؛ لأنها جعلت علم الكونيات الجديد أقل اعتراضاً.
لا يمكن لوجود أقمار صناعية للمشتري إثبات أن الأرض تدور حول الشمس لكنها أظهرت وجود مركز ثورة آخر على الأقل غير الأرض، كما أظهر أن كوكباً متحركاً يمكنه حمل أقماره معه (كما تفعل الأرض مع القمر في وجهة نظر كوبرنيكوس)، والاكتشاف اللاحق أن كوكب الزهرة مر بمجموعة كاملة من الأطوار مثل القمر استبعد بالتأكيد فكرة البطالمة بأن الزهرة تقع أسفل الكرة الشمسية، لكنه لم يستبعد نظرية مثل نظرية تايكو براهي التي تدور فيها الزهرة حول الشمس، بينما الشمس تحركت حول الأرض.
في عام 1616 وضعت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية (De Revolutionibus) لكوبرنيكوس على فهرس (Librorum Prohibitorum) وهو فهرس الكتب المحرمة)، وفي عام 1618 صدرت قائمة من 10 تصحيحات محددة بمقاطع تتناول حركة الأرض التي كان من المقرر حذفها، لكن خارج إيطاليا نادراً ما تم اتباع هذا الأمر ويمكن ذكر استثناء واحد غريب.
حمل المبشرون اليسوعيون إلى الصين في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر علم الفلك الأوروبي معهم، وكان علماء الفلك اليسوعيون مهيئين لنظام (Tychonic) الذي أبقى الأرض في مركز الكون، لكنه كان يشترك في مزايا الكوبرنيكية، بوعد إدانة الكوبرنيكية لم يكن لديهم خيار سوى الالتزام بنظام (Tychonic) واستمروا في تدريسها في الصين بعد فترة طويلة من خروجها عن الموضة في أوروبا.
قرر جاليليو على الرغم من تحذيره من عدم تدريس الكوبرنيكية على أنها صحيحة حرفياً الاستفادة من صعود مفكر أكثر ليبرالية إلى البابوية البابا أوربان السابع والمقامرة على عمل للترويج، وفي (Dialogo sopra i due massimi sistemi del mondo ،tolemaico e copernicano) حوار حول النظامين العالميين الرئيسيين بطليموس وكوبرنيكان 1639 وبين ثلاثة أصدقاء (أحد أتباع بطليموس وأرسطو وكوبرنيكان مقتنعاً ووسيطاً قاد مناقشة)، وتم مناقشة علم الكونيات وعلم الفلك.
وبطبيعة الحال فإن الكوبرنيكي يستفيد من الحجج بشكل أفضل، تمت محاكمة جاليليو وأُجبر على التراجع لكن الإدانة الرسمية للكتاب، ومحاكمة غاليليو لم تفعل شيئاً يذكر لوقف تقدم الأفكار الجديدة.
ومن المهم معرفة عالم الفلك الألماني يوهانس كبلر اعتنق الكوبرنيكية بكل إخلاص، ومع ذلك يمكن اعتباره آخر علماء الفلك وأحد أعظم علماء الفلك في التقليد القديم وأحد آخر الذين كان المجسطي بالنسبة لهم جزءاً من أدبيات البحث، بدأ كبلر باهتمامه بعلم الكونيات في محاولة لفهم بنية الله للنظام الشمسي، وبالعودة إلى التكهنات التي قدمها أفلاطون وفيثاغورس طبق كبلر أولاً هندسة المواد الصلبة العادية ثم التناغمات الموسيقية لشرح الجوانب المختلفة للكون.