مقدمة عامة عن النار
أصبحت النار جزءًا لا يتجزأ من السلوك البشري، بحيث أصبحت جزءًا من جميع التقنيات المتقدمة تقريبًا، وأثرت النار على علم الأحياء البشري، حيث ساعدت في توفير نظام غذائي عالي الجودة، لا يزال الدليل المباشر على حرائق مبكرة في علم الآثار نادرًا، تكمن أهمية النار في التدفئة والضوء والطبخ والعديد من الأمور، وشكلت تركيزًا اجتماعيًا واقتصاديًا، تُعتبر النار عالميًا أمرًا مهمًا لحياة الإنسان، مع عدد لا يحصى من التعبيرات والاستخدامات في العالم الحديث اعتبره داروين أعظم اكتشاف قامت به البشرية، باستثناء اللغة فقط على الرغم من أنّ النار تميل إلى أن تكون من التكنولوجيا الغربية، إلا أنّها تستمر في أشكال عديدة مثل النار الخفية.
كما هو الحال في محرك الاحتراق، إنّ اكتشاف النار أدّى لتطوير جميع التقنيات الحديثة، من السيراميك إلى صناعة المعادن إلى الصناعة النووية، إنّ استخدام الإنسان للنيران هو فرع أو نتاج لأنظمة حرائق طبيعية أقدم بكثير وتهدف إلى معالجة قضيتين رئيسيتين، وهما: متى وكيف يتعامل البشر مع النار؟ وما هي الآثار طويلة المدى الرئيسية التي أحدثها استخدام النيران على البيئة الطبيعية؟ في المقام الأول، كانت الأعداد الكبيرة من الصواعق ستجعل النار واضحة للبشر الأوائل في شكل حرائق الغابات، حتى بصرف النظر عن الأشكال النادرة الأخرى للاشتعال الطبيعي مثل النشاط البركاني.
كان اكتشاف النار أو بشكل أدق، التحكم في استخدام النار أحد أوائل الابتكارات العظيمة للبشرية، بحيث تسمح لنا النار بإنتاج الضوء والحرارة، وطهي النباتات والحيوانات، وإزالة الغابات للزراعة، ومعالجة الأحجار بالحرارة لصنع الأدوات الحجرية، وإبعاد الحيوانات المفترسة، وحرق الطين للأشياء الخزفية، لها أغراض اجتماعية كذلك تعمل الحرائق كأماكن للتجمع ومنارات لمن هو بعيد عن المخيم ومساحات للأنشطة الخاصة، وبصرف النظر عن تأثيرها الكبير على البيئة، فقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المجتمع.
ما هي قصة اكشاف النار؟
تُعتبر النار عملية واسعة الانتشار في نظام الأرض وتلعب دورًا رئيسيًا في تكوين النظام البيئي وتوزيعه، يتناقض هذا المنظور الجديد مع الرأي الكلاسيكي القائل بأنّ التوزيعات النباتية والحيوانية يمكن تفسيرها فقط بالمناخ والتربة، لقد تجاهل علماء البيئة والجغرافيا الحيوية وعلماء النباتات القديمة النار منذ فترة طويلة كعملية أساسية للنظام البيئي؛ يتم الآن الكشف عن أهميتها أكثر من أي وقت مضى من خلال محاولات لنمذجة تغير الغطاء النباتي العالمي، على الرغم من إجراء العديد من دراسات الحالة لتأثيرات الحرائق في النظم البيئية المعاصرة.
إلّا أنّ القليل منهم حاول عرض الأهمية التطورية للنيران طوال تاريخ الأرض أو وضع تاريخ الحرائق في سياق البشر وظهور المجتمعات البشرية، إنّ منظورًا تاريخيًا يقول بأنّهُ من أصل نباتات الأرض حتى الوقت الحاضر، تم استكشاف الأدوار المتعددة التي لعبتها النار على الأرض والطرق التي أثر بها البشر على هذه الأدوار، أمّا الافتراضات العامة هي أنّه لا يمكن فهم العالم دون التفكير في الحريق، لأنّ للنار عواقب بيئية وتطورية قوية على الكائنات الحية بما في ذلك البشر؛ وبأنّهُ منذ ظهور البشر أثر الناس بشدة على أنظمة الحرائق، غالبًا بطرق تؤثر بشكل كبير على استدامة بعض النظم البيئية.
عصر ما قبل الإنسان (دليل مبكر على النار)
إنّ أصل النار مرتبط بأصل النباتات المسؤولة عن عنصرين من العناصر الثلاثة الأساسية لوجود النار: الأكسجين والوقود، العنصر الثالث، مصدر الحرارة، ولربما كان متاحًا طوال تاريخ ظهور الكواكب، (بشكل رئيسي من خلال البرق، ولكن بشكل أقل توقعًا من البراكين والشرارات من سقوط الصخور أو آثار النيزك)، قبل ظهور الكائنات الحية الضوئية، كان الغلاف الجوي يفتقر إلى الأكسجين الكافي، وقبل ظهور النباتات الأرضية، كان يفتقر إلى الوقود، وهكذا لم تكن النار موجودة على كوكبنا، كان الغلاف الجوي المولد بالأكسجين كافياً لدعم الحريق، لكن نقص الوقود النباتي الأرضي حدّ من إمكانية نشوب حريق.
ومع ذلك، مع أقدم الأصول السيلورية للنباتات البرية هناك دليل على وجود الحريق، أبلغ “جلاسبول” وزملاؤه عن بقايا متفحمة للنباتات منخفضة النمو لأقدم النباتات الحاملة للثغور (440 م)، بالإضافة إلى الكوبروليتات المتفحمة، مما يشير إلى حريق سطحي منخفض الحرارة، يتميز تاريخ الحرائق اللاحقة على الأرض بفترات من النشاط المرتفع والمنخفض، والذي يبدو أنّه مرتبط بالتغيرات في مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي، وهناك دليل واضح على وجود الفحم في الرواسب الديفونية، على الرغم من أنّ رواسب الفحم واسعة النطاق لا تظهر حتى أواخر العصر الباليوزويك (345م).
ما يصاحب ذلك مع ارتفاع سريع في الأكسجين الجوي من أواخر العصر الديفوني إلى أواخر العصر الكربوني، إنّ ذروة ما يقرب من 31٪ من الأكسجين الجوي خلال العصر الكربوني، مقارنةً بنسبة 21٪ الحالية، كان من شأنها تسهيل الاحتراق إلى حد كبير، حتى لو كانت مستويات الرطوبة مرتفعة، قد يفسر الانخفاض الكبير في مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي خلال العصر البرمي والترياسي الأدلة الضئيلة للحرائق، كما يُستدل من رواسب الفحم القليلة الموجودة في هذه الفترة، ومع ذلك أثناء إعادة مايندر من الدهر الوسيط (الفترتان الجوراسية والطباشيرية)، كانت الحرائق مهمة بشكل متزايد وكانت سببًا رئيسشًا لاكتشاف النار.
النار في عالم ما قبل الصناعة
ظهر البشر الأوائل (جنس هومو) في شرق إفريقيا حوالي 2.5م، وتم دمج النار بشكل وثيق في العديد من مراحل تطورهم، من المعتقد أنّ ظهور الإنسان من أسلافه الأكثر بدائية كان مدفوعًا بالقدرة على الطهي، أي استخدام النار في الواقع، ساهمت الطاقة الغذائية المرتفعة التي يوفرها الطهي بالإضافة إلى تأثيرات التدفئة لإزالة السموم (التي زادت من تنوع الطعام المتاح) إلى ميزة اللياقة البدنية لدى هؤلاء البشر الأوائل، علاوة على ذلك فإنّ الطهي يعني تأخيرًا في استهلاك الطعام، الأمر الذي يتطلب تطوير القدرات الاجتماعية لتوزيع المهام داخل المجموعة.
على سبيل المثال، إنّ العوامل الآتية: التجميع، والتراكم، والطهي، والدفاع، بالإضافة إلى التأثير الاجتماعي للتجمع حول الليل على نيران المخيمات، يُعتقد أنّ هذه العوامل هي التي دفعت إلى تطور الأدمغة والأجسام الكبيرة، والأسنان الصغيرة، ونسب الأطراف الحديثة، وغيرها من السمات البشرية، بما في ذلك العديد من الجوانب الاجتماعية للسلوك المرتبط بالإنسان في الواقع من خلال تليين الطعام، يمكن أن يكون للنار تأثير كبير في إطالة عمر الإنسان إلى ما بعد عمر الأسنان ذات الجودة العالية، قد يكون هذا مهمًا جدًا في التنظيم الاجتماعي.
انتشر البشر الأوائل من إفريقيا، وقاموا بتوزيع تكنولوجيا النار المتاحة لديهم؛ في الواقع عززت النار تشتت البشر من خلال السماح لهم باستعمار البيئات الأكثر برودة وحمايتهم من الحيوانات المفترسة، هناك أدلة على استخدام النار من قبل الإنسان الابتدائي في إفريقيا (مجموعات من المواقد القديمة)، خلال العصر البليستوسيني السفلي (جيمس 1989) حوالي (1.5 م) أقرب دليل غير مثير للجدل من أفريقيا هو من الشرق الأدنى خلال العصر البليستوسيني الأوسط المبكر أنّه تم استخدام النار طوال التسلسل المهني (حوالي 100000 عام)، مما يشير إلى أنّ المعرفة التي اكتسبها هؤلاء البشر عن صنع النار مكنتهم من إشعال النار حسب الرغبة.
خلال العصر الحجري القديم والعصر الميزوليتي، تم استخدام النار على نطاق واسع لما أطلق عليه “الزراعة باستخدام عصا النار”، يشير هذا المصطلح إلى استخدام النار لعدة أسباب: إفراغ الأرض للموائل البشرية وتسهيل السفر وقتل الحشرات والصيد وتجديد مصادر الغذاء النباتي لكل من البشر والماشية، وحتى الحرب بين القبائل، كان لممارسات إدارة الأراضي آثار عميقة ليس فقط على أنظمة الحرائق ولكن أيضًا على نمط الغطاء النباتي للمناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي، كان لهذه التغييرات أيضًا تأثيرات متتالية على وظيفة النظام البيئي.
النماذج البيولوجية الرئيسية لاكتشاف النار
قد يؤدي البحث عن العلف بالنار حتماً إلى استهلاك الأطعمة المطبوخة عن طريق الخطأ، بما في ذلك “الجذور القابلة للهضم” التي ذكرها داروين، أساس فرضية الطهي كما حددها رانجهام وزملاؤه هو أنّ أشباه البشر الذين يعيشون في بيئات أكثر انفتاحًا لن يكونوا قادرين على إطعامهم خلال العام من موارد الفاكهة والأعشاب التي تدعم القردة في الغابات الاستوائية، سيحتاجون إلى تبني أطعمة أخرى، خاصة خلال المواسم الجافة، سيكون من الضروري توسيع استخدامهم للحوم وخاصة الكربوهيدرات في شكل جذور ودرنات لملء هذه الفجوة الضخمة.
تشهد المواقع الأثرية التي تربط بين الأدوات الحجرية والعظام المقطوعة، زيادة في تناول اللحوم لكن الأطعمة الجديدة يصعب هضمها، يزيد الطهي من قابليتها للهضم بشكل كبير، جزء من الأدلة المقدمة هو أنّ خطة جسم الإنسان الحديثة تظهر في هذا الوقت، على وجه الخصوص بمعنى ما تم إثبات فرضية الطهي، من حيث أنّ جميع البشر المعاصرين يحتاجون إلى طعام مطبوخ، السؤال إذن هو ما إذا كان يمكن تثبيت الفرضية في وضع ثابت في الماضي وهو تحول سريع للتكيف، لكن هذا سبب مهم أدّى بهم لاكتشاف النار.
يصعب إثبات ذلك، نظرًا لصورتنا غير الملائمة للاختلاف المبكر في أنواع أشباه البشر، وتنوع البيئات التي سكنوها، ومع ذلك كفرضية عمل فإنّ هذه المجموعة من الأفكار تجلب إلى الحياة المشكلات التي كان أشباه البشر الأوائل يعملون ضدها فيما يتعلق بمعالجة الأطعمة، والعيش جنبًا إلى جنب مع الحيوانات المفترسة الكبيرة، خلال العصر البليستوسيني، تُعتبر الأنظمة الغذائية عالية الجودة ضرورة لتغذية الدماغ الأكبر، منذ العصور المبكرة وخاصة منذ نصف مليون سنة من اكتشاف النار، يمكن النظر إلى هذه الفرضيات على أنّها تعزز “تغييرات الخطوة” في تطور أشباه البشر منذ اكتشاف النار إلى وقتنا الحالي.