اقرأ في هذا المقال
المسؤولية الدولية هي موضوع جديد في الدراسات القانونية التي أوجبتها التطورات المتسارعة في المجتمع الدولي، ولا تزال تثير جدلاً واسعاً في الفقه والعمل الدولي. ولم تتوصل لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، التي باشرت عملها منذ عام 1961، إلى نص قرار دولي بشأن المسؤولية الدولية.
المسؤولية الدولية:
تتمركز أهمية المسؤولية الدولية، في القانون الدولي العام؛ لأنها جزء مهم من كل نظام قانوني. وتعتمد جاهزية هذا النظام على نضج ونمو قواعد المسؤولية كأداة للتطوير مع الضمانات التي يضمنها ضد التعسف. وحتى أن البعض يعتقد “قواعد المسؤولية حل لكل نظام قانوني”. وهذا فيما يتعلق بعرقلة مواكبة المسؤولية الدولية هو عامل القوة في العلاقات الدولية. وخير مثال على ذلك الحروب التي نشهدها سواء في فلسطين أو في العراق.
وهناك الكثير من المفاهيم التي وُضعت حول المسؤولية الدولية وهناك قاسم موحّد يجمع هذه المفاهيم هو أنها “خرق لالتزام دولي من جانب دولة ما، مما يتوجب توجيهها المسؤولية القانونية الدولة التي تتعرض للهجوم. وللمسؤولية الدولية لها عدة بيانات ممثلة على الشكل التالي:
• تقع هذه المسؤولية على الدولة وهي وحدها المجبرة بإصلاح الضرر الناجم عن سلوكها غير القانوني.
• عدم تحديد المسؤولية الدولية إلا لمصلحة الدولة على أساس مبدأ الترصد، للتنفيذ السليم للقانون الدولي.
• تتصرف الدولة المتضررة من فعل شاذ لهذا القانون وفقاً لقواعد المسؤولية الدولية.
عناصر المسؤولية الدولية:
تنقسم عناصر المسؤولية إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:
أولاً: فعل غير مشروع أو خطأ ارتكبته دولة أخرى:
من الثابت قانونًا وبناءً عليه أن المسؤولية الدولية لا تحدث بدون فعل غير قانوني يمثل انتهاكًا لالتزام دولي مفروض على الدولة والذي هو ثابت وقابل للتنفيذ في حقها، سواء كان مصدره قاعدة عرفية اتفاقية، أو قاعدة تمثل أحد المبادئ العامة للقانون الدولي العام التي أقرتها الأمم المتحدة في ميثاقها، أو التزام نص عليه قرار، أحد القرارات التي تشكل قواعد عامة صادرة عن المنظمات الدولية وأهمها: وهي قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
تكون القرارات متساوية إذا كان خرق الالتزام فعلًا غير قانوني، أي خرقًا إيجابيًا أو مباشرًا للالتزام الدولي المفروض على الدولة مثل الامتناع عن أداء فعل يؤدي إلى تطبيق التزام دولي. ومع ذلك، فقد أثارت هذه النقطة بالذات نزاعًا فقهيًا حول ما إذا كان مجرد خرق الالتزام الدولي يثير مسؤولية الطرف الذي ارتكب الانتهاك. وهناك عدة نظريات تحدد أساس الفعل غير المشروع وهي كالتالي:
- نظرية الخطأ: تستند هذه النظرية إلى حقيقة أنه لا يكفي لظهور المسؤولية الدولية أن يكون هناك خرق لالتزام دولي، بل يجب أن يكون أساس هذا الخرق خطأً أو فعلًا خاطئًا ويكون مساويًا لذلك إذا كان الخطأ متعمدًا (أي كان هناك إرادة لارتكاب الفعل) أو لم يكن متعمدًا (سببه الإهمال أو التقصير)
- النظرية الموضوعية: هذه النظرية تتجنب مشقة البحث عن أساس الخطأ الذي تبنته النظرية السابقة في إرساء أسس المسؤولية الدولية. وتستند هذه المسؤولية (وفقًا للنظرية الموضوعية) فقط إلى مجرد تواجد مجموعة من العناصر المادية والموضوعية والتي يمثلها عمل الدولة أو الفعل غير القانوني والذي يمثل انتهاكًا لالتزام دولي دون البحث عما إذا كان هذا الفعل غير المشروع قد حدث. متعمد أو غير مقصود (كما لو كان ناتجًا عن إهمال جسيم أو تقصير).
- نظرية المخاطر: تعتبر هذه النظرية حديثة نسبيًا وهو موضوع نزاع بين الفقهاء، حيث بموجبه يتم إنشاء المسؤولية الدولية على أساس المخاطر، أي بمعنى كل فعل ضار، حتى لو كان مشروعًا يستلزم إنشاء مؤسسة دولية.
ثانيًا: عنصر الضرر:
هذا العنصر يعني أنه يجب أن يؤدي إلى فعل غير المشروع والذي يمثل انتهاكًا لالتزام دولي وإيذاء لشخص من أشخاص القانون الدولي، بحيث يقال إن حقًا من حقوق الدولة قد انتهك أو تم انتهاك المصلحة المشروعة.
ثالثًا: نسبة الفعل غير المشروع إلى شخص القانون الدولي (رابط السببية):
وينص عنصر المسؤولية الدولية هذا على أن الفعل غير المشروع الذي يتسبب في الضرر لا يحدث فقط، بل يُنسب هذا الفعل إلى دولة. ويلاحظ أن هذا العنصر مرتبط بمبدأ سيادة الدولة داخلياً وخارجياً. ويشار إلى مسؤولية الدولة، ضمن الحدود المعقولة، عن الأضرار التي يتكبدها الأجانب المقيمون على أراضيها. والمسؤولية الدولية هي التزام الدولة التي ارتكبت الفعل الضار غير القانوني لإصلاح الأضرار الناتجة عن فعلتها.
وتتحمل المسؤولية تجاه أي شخص قانوني دولي (دولة أو منظمة) عندما يرتكب فعلًا غير قانوني يؤدي إلى إلحاق ضرر بشخص قانوني دولي آخر أو أحد رعاياه، ويتم دمج جميع القوانين والأدلة على نسبة هذا الفعل الضار إلى ذلك الشخص القانوني الدولي.
آثار المسؤولية الدولية:
إذا كانت تتحمل المسؤولية الدولية عن شخص من القانون الدولي، فإنها تفرض عليه التزامًا بإصلاح جميع الأضرار الناشئة عن فعله. وإن العرف الدولي والفقه الدولي والقضاء الدولي وما نصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمسؤولية الدولية والأعراف الدولية أكدت التزام الدولة المسؤولة بإصلاح الضرر بالشكل المناسب.
أنواع المسؤولية الدولية:
تنقسم المسؤولية الدولية الى قسمين: (المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية).
- المسؤولية التعاقدية: تنشأ المسؤولية التعاقدية من خرق الدولة لالتزاماتها التعاقدية مع دول أخرى، مثل خرق الاتفاقيات المالية أو التجارية. وعند وقوع المخالفة تلتزم الدولة المخالفة بالتعويض عن الأضرار التي ترتبت عليها ولو لم ينص عليها الالتزام الذي أخلت به.
وفيما يتعلق بمخالفة الدولة لالتزاماتها تجاه رعايا دولة أجنبية، يميز الفقه بين حالتين وهما: دولة الدولة كشخص اعتباري عادي ودولة الدولة كسلطة عامة. في الحالة الأولى، لا تتحمل الدولة المسؤولية المباشرة وكل من كان أجنبياً تعرض لبعض الضرر، فكل ما عليه فعله هو الرجوع إلى المحكمة المختصة. وفي الحالة الثانية، تبدو الأمور أكثر تعقيدًا؛ لأن التزامات الدولة تتعلق بالحق في السيادة وهو حق لا يمكن للسلطة القضائية مراجعته. والحل هو أن يلجأ الأجنبي المظلوم إلى حكومة بلده ليطلب بوسائله الخاصة الحصول على حقوقه.
كما تتحمل الدولة أيضًا المسؤولية الدولية للانضمام إلى معاهدة تحظر الحرب، ثم تخوض حربًا عدوانية، أو تخرج عن قواعد الحرب، حيث تعتبر هذه الأعمال انتهاكًا من قبل الدولة لالتزام تعاقدي يتطلب مسؤولية دولية.
- المسؤولية التقصيرية الدولية: هو التقصير الناشئ عن أفعال أو أعمال إحدى سلطات الدولة أو الهيئات العامة، التي تشكل انتهاكًا لقواعد القانون الدولي، حتى لو كانت هذه الأفعال لا تتعارض مع أحكام القانون المدني.