اقرأ في هذا المقال
أثر منصب الوزير على الوزارة العباسية:
كان لتنافس كبار رجال الدولة على تولي منصب الوزير أثر سيء على الوزارة، فقد أخذ كل وأحد من الطامحين إلى هذا المنصب يعمل بشتى السبل للوصول إليه قبل غيره، مما جعل الوزراء عُرضة للعزل والمصادرة نتيجة للمؤامرات التي كان يدبرها منافسوهم للاطاحة بهم.
وقد أحبط الأمير معز الدولة أول محاولة لتنافس كبار رجال الدولة على الوزارة، وذلك بعد وفاة وزيره أبي جعفر الصيمري في سنة (339 هجري)، حيث عرض عامل الأهواز ابو علي الطبري على الأمين معز الدولة أن يدفع له مبلغاً كبيراً من المال ليوليه وزارته، فأخذ منه معز الدولة ثلاثمائة ألف دينار، وقيل مائة وثمانين ألف دينار، كدفعة أولى من المبلغ، ثم عدل عنه واستوزر أبا محمد المهلبي.
ولمّا آلت إمارة البويهيين في العراق إلى الأمير عز الدولة بختيار بن معز الدولة أخذ كاتباه أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس يتنافسان على الوزارة، ونجح أبو الفضل الشيرازي في الحصول عليها في سنة (357 هجري)، بوساطة أحد المقربين للأمير البويهي، ويدعى شيرزاد بن سرخاب (كاتب الفارسية) مُقابل مبلغ من المال تعهد أبو الفضل بدفعه لشيرزاد في كل سنة.
وبعد عامين من تولي أبي الفضل الشيرازي للوزارة، تمكّن منافسه أبو الفرج ابن فسانيجس من انتزاع منصب الوزارة منه، وذلك بعد أن تعهد للأمير عز الدولة باستخراج مبلغ تسعة ملايين درهم من أبي الفضل الشيرازي وموظفيه وعماله في الولايات. وأخذ أبو الفضل الشيرازي يعمل وهو في السجن على استعادة منصبه، وساعده في ذلك أنصاره، ونجح في العودة إلى الوزارة بعد أن قدم للأمير البويهي مبلغ سبعة ملايين درهم.
تجدد التنافس على الوزارة بعد وفاة الصاحب بن عباد، وزير الأمير البويهي فخر الدولة بن ركن الدولة، وأخذ اثنان من كبار رجال الدولة، وهما أبو العباس أحمد ابن ابراهيم الضبي، وأبوعلي الحسن بن أحمد بن حمولة يتنافسان على الفوز بمنصب الوزارة، وكتب أبو علي بن حمولة للأمير فخر الدولة يطلب الوزارة مقابل ثمانية ملايين درهم.
وفي الوقت نفسه عرض أبو العباس الضبي أن يدفع مبلغ ستة ملايين درهم لنفس الغرض، فرأى الأمير فخر الدولة أن يستفيد مادياً من هذا التنافس، فأخذ من ابن حمولة ستة ملايين درهم وأخذ من منافسه الضبي أربعة ملايين درهم ووزع بينهما أعباء هذا المنصب.
ولا شك أنه كان لهذا التنافس على الوزارة نتائج وخيمة على الدولة والرعية فمن الطبيعي أن من يتقلد هذا المنصب بالمال، يعمل على استغلال منصبه لتحقيق أطماعه، وعلى سبيل المثال عمد الوزير أبو الفضل الشيرازي في سنة (357 هجري)، إلى مُصادرة أموال الناس ليفي بتعهداته المالية للأمير البويهي وللكاتب الذي توسط له في الوزارة، حتى أنه وضع الجواسيس والسعاة للتجسس على الناس لمعرفة من يملك مالاً لكي يُصادره.
كما نهج وزيراً فخر الدولة أبوالعباس الضبي وأبوعلي بن حمولة نفس الطريقة، فأخذا في مُصادرة أموال الرعية ليستردا ما دفعاه من مال للأمير البويهي مُقابل توليتها الوزارة، حتى قيل أنهما استخرجا من مدينة استراباذ، مبلغ عشرة ملايين درهم.
ضعف هيبة الوزارة في عهد الأمراء البويهيين:
وكان لسوء معاملة أمراء بني بويه لوزرائهم أثر كبير في اضعاف هيبة الوزارة والحط من شأن الوزراء، فالوزير أبو محمد المهلبي تعرض لنقمة الأمير معز الدولة، ففي سنة (341 هجري)، ضربه هذا الأمير ضرباً مُبرحاً، ويعلل مسكويه ذلك بهزيمة الجيش الذي قاده المهلبي لمُحاربة والي عمان يوسف بن وجيه. أما التنوخي فيزعم أن معز الدولة اتهم أبا محمد المهلبي بالتلاعب في المبلغ الذي خصصه لبناء قصرله.
وعلى الرغم من أن أبا محمد المهلبي استمر في الوزارة ثلاثة عشر سنة إلا أن الأمير معز الدولة لم يرع له ما قام به من أعمال، فصادر في سنة (352 هجري)، كل ما خلفه المهلبي لأولاده، وقبض على أفراد أسرته وحبسهم، فأثار ذلك استياء الناس واستنكارهم.
كذلك قبض الأميرمؤيد الدولة على وزيره أبي الفتح بن العميد في سنة (366 هجري)، وصادر أمواله، ونكل به، حيث فقأ احدى عينيه وجدع أنفه وجز لحيته، ثم قتله. ويرجع بعض المؤرخين ما تعرض له هذا الوزير من مهانة إلى عدة أسباب منها: حقد الأميرين عضد الدولة ومؤيد الدولة على أبي الفتح بن العميد لِمَا وصل إليه من مكانة رفيعة في عهد والدهم ركن الدولة، حتى أنه فوضه تفويضاً كاملاً في إدارة شؤون دولته.
ومنها أنَّ أبا الفتح بن العميد أتهم بعقد اتفاق سري مع الأمير عز الدولة بختيار مؤداه أن يلي أبو الفتح الوزارة ببغداد بعد وفاة الأمير ركن الدولة، وأن يحضر معه جُزءاً كبيراً من الجيش البويهي بالريّ ليكون في خدمة عز الدولة. هذا فضلاً عن طمع الأميرمؤيد الدولة في ثروة بي الفتح ابن العميد.
وفي سنة (367 هجري)، بدأ الأمير عضد الدولة حكمه في العراق، بمُعاقبة الوزير محمد بن بقية، فأمر بأن يشهر على جمل، ويطاف به على الجند ثم يطرح بين أرجل الفيلة، فقتلته شر قتله، ثم صلب على شاطىء دجلة. وكان سبب ذلك وقوف ابن بقية في وجه عضد الدولة أثناء نزاعه مع الأمير عز الدولة بختيار في سنة (364 هجري)، حيث أخذ ابن بقية يؤلب حُكام البصرة والأهواز والبطيحة ضد عضد الدولة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح اعتداء الأمراء البويهيين على وزرائهم أمراً محتوماً، فقد سارت ضحية لهذه المعاملة الجائرة كل من الوزراء البويهيين نصر بن هارون، وفخر الملك محمد بن خلف، وأبو سعد بن باكويه، وأبو محمد بن الساد، وأبو سعد بن ماكولا، وأبوالقاسم بن ماكولا، وأبوالفرج محمد بن العباس، وأبوعبد الله بن عبد الرحيم.
ثورة الجند على الوزراء:
كذلك أدى ازدياد نفوذ الجند البويهي من ديلم وأتراك إلى الحد من نفوذ الوزراء واضعاف شأن الوزارة، وقد انتهز الجند فرصة النزاع الذي نشب بين أفراد الأسرة البويهية على السلطة، واستغلوه لتحقيق مصالحهم الشخصية المتمثلة في مطالباتهم بالمزيد من الأموال، وكان من الطبيعي أن يتعرض الوزراء لاعتداءات الجند طالما أن الأمراء البويهيين أنفسهم كانوا ألعوبة في أيديهم.
وكان كلما ازداد نفوذ الجند زادت تبعاً لذلك مُطالباتهم المالية، حتى أصبح دخل الدولة لا يفي بما يطلبونه من أموال. ويذكر بعض المؤرخين أن دخل العراق في عهد الأمير البويهي مشرف الدولة كان أربعمائة ألف دينار بينا كانت مخصصات الجند فقط ستمائة ألف دينار، كما أدى إلى عجز الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي عن دفع مخصصات الجند كاملة فطلب من قوادهم أن يتعاونوا معه لايجاد حل لهذه المشكلة المالية.
وأخذ فكرة أن يتحمل هو مائة ألف دينار الناتج عن العجز، ويتنازلون هم بدورهم عن المائة ألف الأخرى، فلم يستجيبوا له، فلم يجد الوزير بُدّاً من ترك الوزارة، والخروج من بغداد خوفاً من بطش الجند.
تعرض معظم وزراء العهد البويهي الذين تولوا مهام الوزارة في أواخر القرن أردشير في سنة (381 هجري)، واعتقل بناء على طلب قواد الجند، وإلحاحهم بحجة عدم صرفه أرزاقهم، تعرض هذا الوزير لاعتداء الجند، في سنة (383 هجري)، وكان آنذاك يلي الوزارة للأمير بهاء الدولة للمرة الثانية، فهاجم الجند داره ونهبوها، ولم يوافقوا على عودته للوزارة إلا بعند أن قدم لهم ما طلبوه من أموال.
وفي سنة (412 هجري)، خرج الديلم عن طاعة الأمير مشرف الدولة وقبضوا على وزيره أبي غالب الحسن بن منصور، وكان يُرافقهم في مهمة في خوزستان، وقتلوه. وتعرضت الوزارة لأسوأ حالاتها فى عهد الأمير جلال الدولة، فولّى هذا المنصب في العشر السنوات الأولى من حكمه عدد من الوزراء، ولم يستطع مُعظمهم الإحتفاظ بمنصبه سوى بضعة أشهر بسبب ثورات الجند المتتالية، وكان عزلهم نتيجة للنزاع بين الأمير جلال الدولة وجنده.
كذلك ثار الجند الأتراك سنة (446 هجري)، على وزير الملك الرحيم، آخر أمراء البويهيين، بحجة تأخير الوزير بعض أرزاقهم، فأختفى الوزير منهم وأخذ الجند في البحث عنه، ونادوا في البلد أن من وجد الوزير في داره فقد حل دمه وماله، ومن دلَّ عليه فله مكافأة حسنة، ثم أخذوا في السلب والنهب، وإحداث الفوضى في بغداد، حتى تمَّ عزل الوزير، وصَرَفَ لهم المال المطلوب.