أنثروبولوجيا ما بعد الحداثة

اقرأ في هذا المقال


يتناول هذا الجانب من الأنثروبولوجيا وضع الأنثروبولوجيا فيما بعد الحداثة عن طريق عنصرين، الأول: الأنثروبولوجياالمعاصرة والطرح النظري والمنهجي. والثاني: الحاسب الآلي وتنامي استخدام الإحصاء.

الأنثروبولوجيا والطرح النظري والمنهجي:

تساءل العديد من الأنثروبولوجيين عن مستقبل الأنثروبولوجيا، وقد أوضح كل من بولا روبل وأبرهام روسمان في مقال صدر عام ١٩٩٤ عن ماضي ومستقبل الأنثروبولوجيا. أن أنثروبولوجيا ما بعد الحداثة خاصة بعد عام ١٩٩٠ ما زالت تركز على إحدى الدعائم الأساسية التي كانت تسيطر على ميدان البحث فيما مضى، ألا وهي فهم المعاني والظواهر الثقافية، فتهتم بجمع معلومات وبيانات تحللها بطرق مختلفة.

فقد تجمع المعلومة من باحث، وهنا تعكس النتائج الإطار التاريخي و الثقافي الذي ينتمي إليه، و يعني ذلك من وجهة نظر مانجانارو أن الأنثروبولوجيا اتجاه يذهب للخلف لوصف خبرات إثنوجرافية مدعمة بفئات ثقافية من ميدان البحث. كما تدور المناقشات الأنثروبولوجية اليوم حول مفهوم الثقافة وهذا إحياء للمناقشات القديمة التي وردت فيما مضى في بداية بلورة هذا العلم، من حيث فهم المعنى في إطار النسق العام مع الأخذ في الاعتبار تحليل الثقافية الفرعية.

فضلاً عن الاهتمام بالفئات الاجتماعية من أجل تحقيق الكلية في مفهوم الثقافة. وتهتم الأنثروبولوجيا بالثقافة الوافدة وتبحث في ذات الوقت عن العوامل التي تدعم من استمرار الثقافة التقليدية أو إعادة إنتاجها. وتتفاعل الأنثروبولوجيا المعاصرة مع الأحداث التي تعيشها مجتمعات العالم، في ظل التحولات العالمية، وتأثير العولمة على المجتمعات، واتساع نطاق المعرفة بفضل التقدم التكنولوجي.

خاصة في وسائل الاتصال لم تعد الأنثروبولوجيا تقتصر على تناول موضوعات في إطار الوحدة الجزئية تتعلق بالفاعل والنسق الاجتماعي والمقارنة بين الفئات والجماعات وغير ذلك، بل تدرس موضوعات أخرى وتحللها على مستوى الوحدة الكبرى، حيث الربط بين التحليل الجزئي والكلي أي الفرد وممارسات الحياة اليومية في إطار النسق العام وفي إطار تفسير الحيز والهوية الثقافية والتحولات العالمية.

عناصر مهمة وسائدة في الأنثروبولوجيا اليوم تجعلها رائدة بين العلوم الأخرى:

١-تركيز البحوث الأنثروبولوجية على ظواهر ما بعد الحداثة. حيث تهتم بدراسة النسق في ضوء السياسة العامة، ثم دراسته في لحظة التحول، وتنتقل بعد ذلك من دراسة الظاهرة في لحظتها الآنية لتحللها في ضوء ربطها بالتحولات العالمية أي في ضوء ما بعد الحداثة. ويمكن من خلال تلك الزاوية الكشف عن استجابة القوميات اليوم للتحولات العالمية وأساليب القوة، والعوامل الكامنة وراء تلك الاستجابات، تلك العوامل التي تعمل بشكل ظاهر وأمن بطريقة محددة أو واسعة المجال، إذ تخلق تلك الاستجابات قوميات جديدة من أجل ضبط النسق العالمي.

٢-زيادة البحوث التي تهتم بالتناول الجزئي المباشر لأجزاء النسق، فعلى الرغم من الانتقادات التي توجه للأنثروبولوجيا في اهتمامها بالجزء على اعتبار أن هذا من مواطن ضعفها أكثر منه قوة، إلا أنها تؤكد أن التناول الجزئي يعد جزءاً متأصلاً في البحوث الأنثروبولوجية، يجب أن نظل نأخذ به، فهو مهم لأنه يخلق حركة من التفكير الحر يذهب به الباحث في كل مكان أو طريق بحيث يكون شبكة من المعلومات الجزئية في تحليل الظاهرة، تترابط وتتجه في تفسيرها وتحليلها إلى الكل، بحيث ترتقي بها من مستوى الجزئيات إلى الكليات.

٣- اهتمام الأنثروبولوجيا الدائم بمفهوم الثقافة، وقد بدأ هذا الاهتمام به مع بداية القرن العشرين، كرمز وإسهام للتطبيع العقلي، فالثقافة اليوم في صراع مع الثقافات السائدة في النظم الأخرى خاصة المتعلقة بقواعد السلوك، حيث تأثير العولمة خاصة الاقتصادية والثقافية لذا تعد الثقافة محوراً مهماً في الأنثروبولوجيا، وهي ما تزال موضوعا للمناقشة سواء على المستوى النظري أم الإمبيريقي.

كما أصبحت الآن محوراً مهماً في العلوم الاجتماعية الأخرى، ومن الصعب الآن طرح أي موضوع دون التطرق إلى الثقافة، فالهدف من دراستها الآن هو البحث عن طرق تكاملها مع القواعد الثقافية الأخرى أكثر من إجراء المقارنات الثقافية ويعد هذا أحد مواطن القوة في الأنثروبولوجيا، حيث تفاعلها مع متغيرات الواقع خاصة التغيرات التكنولوجية الهائلة، والتي تؤثر على المجتمعات.

لذا يجب على الباحث الأنثروبولوجي أن يكون في حالة تأهب ويقظة لأخذ خطوات ضرورية في دراسة موضوعات ما بعد الحداثة، بدلاً من تركيزه على دراسة النسق ووظائفه، وبهذا تتسع المتغيرات وتتعدد مستويات التحليل والتفسير.

الحاسب الآلي وتنامي استخدام الإحصاء:

قد شهدت السنوات الأخيرة شيوع استخدام أجهزة الحاسب الآلى والنماذج الرياضية والإحصائية في الأنثروبولوجيا كماً وكيفاً، بحيث أصبح لدى الأنثروبولوجي اليوم طائفة عريضة من أساليب استخدام الحاسب الآلي والنماذج الرياضية، التي يمكن أن تساعد في صياغة واختبار البيانات واستنطاق مادته من أجل توليد نتائج جديدة ثرية في دلالتها، كما مكنت برامج  الحاسب الآلي الباحثين ذوى الخبرة المحدودة بالإحصاء من استخدام مناهج التحليل الأكثر تعقيداً.

مثل الانحدار المتعدد وتحليل المسار وبناء المقاييس المتعددة الأبعاد. ويستخدم الحاسب الآلي في البحوث الأنثروبولوجية في إجراء تحليلات أكثر دقة وتطوراً لمجموعة كبيرة من البيانات لاكتشاف أنماط وعلاقات الارتباط والتدخل الوظيفي. كذلك لدراسة قضايا الاختراع والانتشار والمقارنة الثقافية، واختبار فروض العموميات الثقافية أو التكرار المنظم للملامح المرتبطة وظيفياً، كما ساهم نمو استخدام الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية في تنامي الاهتمام بالتنوع داخل الثقافة الواحدة، ودراستها إحصائياً.


شارك المقالة: