الأحداث في الخلافة العباسية الثانية

اقرأ في هذا المقال


الأحداث في عهد المتوكل:

كان قتل المتوكل أول حادثة اعتداء على الخلفاء العباسيين. فلم يُقتل منهم من قبل إلا الأمين بعد هزيمته في الحرب، وأدَّت إلى تثبيت أقدام الأتراك في السلطان والنفوذ، كما كانت إنذاراً موجهاً لكل عباسي يريد أن يعتلي منصب الخلافة أن يختار أحد أمرين: إما الإذعان التام لأهوائهم، أو القتل. وقد أثارت حادثة القتل موجة من النقمة ضد تسلط الجند التركي. فحدثت في سامراء في عام (248 هجري/(862 ميلادي)، حركة غير نوعية عبَّرت عن استنكار العامة لعبثهم بالخلافة.

كان طبيعياً أن يكون المنتصر (247 – 248 هجري)/(861 – 862 ميلادي)، الذي بايعه الأتراك ونصبوه خليفة، خاضعاً لنفوذهم، ولم يكن له من شيء إلا مظهر اسميّ اقتصر على السكة والخطبة. وقد خشوا من المعتز والمؤيد ابنيّ المتوكل من أن يلي أحدهما الخلافة بعد المنتصر فيأخذاهم بدم والدهما لذلك أمروا المنتصر أن يخلعهما من ولاية العهد. لم يتجرأ الخليفة على الاعتراض وأذعن للأمر وهو كاره، وأجبر أخويّه على خلع نفسيهما.

وهكذا شعر المنتصر بحاله من الخطورة الناتج من التسلط التركي، فكرههم وحاول التخلص من زعمائهم، وكان يُسميهم (قتلة الخلفاء). وتنبه الأتراك لهذا الخطر المُحدق بهم فتخلصوا من الخليفة بواسطة الطبيب الطيفوري الذي سمَّه بمشرط حجمه به. وتعاهد الأتراك على توحيد كلمتهم في عدم اختيار أحد من أولاد المتوكل خشّية أن يقتلهم بدم أبيه واتفقوا على تنصيب أحمد بن محمد بن المعتصم ولقبوه بـ (المستعين) وتوزعوا المناصب الكبرى في الدولة.

الأحداث في عهد المستعين:

تم استكتاب الخليفة أحمد بن الخصيب، وعقد لأتامش على مصر والمغرب واتخذه وزيراً كما جعل شاهك الخادم على داره وكراعه وحرسه وخاص أموره وقدّمه وأتامش على سائر الناس. بدأ عهد المستعين (248 – 252 هجري)/(862 – 866 ميلادي)، بحدوث اضطرابات وتطاحن على السلطة. فنشبت ثورة في سامراء باسم المعتز، واصطدم العامة والأتراك في حرب شوارع، انتهت بانتصار الأتراك. وهاج الناس في بغداد نتيجة استبدادهم، فاجتمعت العامة بالصُراخ والنداء بالنفير، لكن الأتراك سيطروا على الموقف.

ويبدو أن وحدة الأتراك لم تدُّم. فقد انشقوا على أنفسهم بعد أن انتصروا على العامة، فاستغل المستعين هذه الخلافات وراح يتخلّص من زعمائهم، فنفى أحمد الخصيب إلى جزيرة كريت، وقتل أتامش وباغر. ثم فرَّ إلى بغداد للاحتماء بأهلها. عندئذٍ أعلن الأتراك خلعه وبايعوا المعتز الذي تكتل حوله معظم قادتهم، في حين ساند أهل بغداد وبعض القادة الآتراك ممن فرَّ إلى هذه المدينة، الخليفة المستعين.

ونشبت الحرب بين الطرفين فكانت بغداد وجوارها مسرحاً لها. لكن الأتراك نجحوا في استعادة وحدتهم فأضحى موقف المستعين ضعيفاً. فانفض عنه محمد بن عبد الله بن طاهر أمير بغداد بعدما أدرك حراجة موقفه، فآثر التنازل عن الخلافة، بالرغم من مساندة العامة له. وبويع للمُعتز بالخلافة (252 – 255 هجري)/(866 – 869 ميلادي). وخرج المستعين إلى منفاه بالبصرة، لكن الأتراك خشوا من بقائه حياً لذا عمدوا إلى قتله.

لم تكن ظروف الخلافة في عهد المعتز بأفضل حالاً. ذلك أن الخليفة عاد إلى سامراء ووقع تحت تأثير النفوذ التركي. ومن جهة أخرى، ازداد استبداد الأتراك، وكثرت اضطراباتهم، ومطالبتهم بالمال، وعجز الخليفة عن تلبيتها مما أدَّى إلى إقدامهم على خلعه وتنصيب أخيه المؤيد. لكن الخليفة أجبر أخاه على خلع نفسه ثم قتله، وتخلص من بعض الزعماء الأتراك مثل وصيف وبغا باعتبارهما مسؤولين عن الحرب الأهلية التي وقعت بينه وبين المستعين.

الأحداث في عهد المهتدي:

أدرك الأتراك مرامي الخليفة فتحركوا للمحافظة على حياتهم ومكتسباتهم، فأرغموه على خلع نفسه وأسندوا الخلافة إلى محمد بن الواثق ولُقِبَ بـ (المهتدي) وسلموا المعتز إلى من يُعذبه حتى مات. كان المهتدي (255 – 256 هجري)/(869 – 870 ميلادي)، ورعِاً تقياً شديد الرغبة في الإصلاح.

فبدأ بنفسه. فتجرد من أبهة الحياة وزخرفها، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحرَّم الشراب، ونهى عن القيان وأظهر العدل، وكان يحضر كل جمعة إلى المسجد الجامع فيخطب بالناس ويؤمهم، وأشرف على الدواوين، وأخذ ينظر في المظالم، فبنى قُبة لها أربعة أبواب سماها قبة المظالم، كان يجلس فيها للعام والخاص. فثقلت وطأته على العامة والخاصة فاستطالوا خلافته حتى اعتراهم الضجر من تلك المدة.

توقع المهتدي أن تؤتي سياسته الإصلاحية ثمارها، لكن الأوضاع العامة داخل الدولة وخارجها لم تسمح بذلك، فقد ثار العامة في بغداد ضد حكمه، ثم تبعهم الجند بسبب التأخر في دفع أرزاقهم، وأذكى الطالبيون نار الثورة في كثير من الأقاليم، ونشبت ثورة الزّنج التي هدَّدت كيان دولة الخلافة العباسية زهاء أربعة عشر عاماً، وثار الخوارج في الموصل، كما ثار أحمد بن عيسى بن الشيخ والي فلسطين والأردن.

لكن العلة في الخلافة الحقيقية كانت تكمن فى هيمنة الأتراك عليها، وأضحى التخلص منهم ضرورة مُلحة لنجاح الإصلاح، واستعادة الخلافة لهيبتها. لذلك قرر الخليفة، أن يضرب القادة الأتراك بعضهم ببعض. إلا أن محاولته باءت بالفشل واتفقت كلمة الأتراك على التخلص منه. وبايع الأتراك بعد قتل المهتدي، لأبي العباس أحمد بن المتوكل ولقب بـ (المعتمد) عام (256 – 279 هجري)/(870 – 892 ميلادي).

ونتيجة لازدياد الخلافات الداخلية بينهم طلب الأتراك من الخليفة أن يولي أحد إخوته إمرة الجيش، فولى أخاه أبا أحمد طلحة الموفق. ويُّعدُّ هذا الرجل نبراس الفاعلية في انتعاش الخلافة منذ عهد المعتمد. فهو الرجل الذي جمع الأمور كلها في يده، وأبقى للخليفة الخطبة والسكة والتسمّي بإمرة المؤمنين. فانكسرت بذلك شوكة الأتراك خاصة بعد هزائمهم أمام الزّنج وعجزهم عن مقاومة المد الانفصالي وقيام الدولة الانفصالية.

لكن الموفق توفي في عام (278 هجري)/(891 ميلادي)، وكانت الخلافة لا تزال بحاجة إلى رجل قوي يحافظ على مكتسباتها، لذلك خلع المعتمد ابنه المفوض من ولاية العهد بعد أن أظهر عجزاً في مجال الصراع الذي احتدمَ الخلافة وخصومها، وبايع لابن الموفق أبي العباس المعتضد ثم ما لبث الخليفة أن توفي فجأة بعد عدة أشهر.

الأحداث في عهد المعتضد وابنه المكتفي:

سلك المعتضد (279 – 289 هجري)/(892 – 902 ميلادي)، نهج والده في حروبه وأعماله الإدارية بهدف استمرارية إنعاش الخلافة، وتثبيت هيبتها واستمر في عهده تراجع نفوذ الأتراك. خَلَفَ المعتضد بعد وفاته ابنه المكتفي (289 – 295 هجري)/(902 – 908 ميلادي)، وتفاقم في عهده أمر الحركات الانفصالية والثورية من إسماعيلية وقرامطة وعبيدية، وبذل الخليفة جُهداً كبيراً في قمعها فنكل بالقرامطة وأقرَّ سلطان الخلافة على بلاد الشام، وأزال نفوذ الطولونيين من مصر وأعادها إلى حظيرة الدولة.

الأحداث في عهد المقتدر:

لم يُعمّر المكتفي طويلاً وتوفي ولمّا يمضِ ستة أعوام على ولايته للخلافة، فرجعت الخلافة من بعده إلى سابق عهدها، نتيجة الخلافات التي كانت تحدث بيعن العائلة داخل البيت العباسي، وتفاقم الحركة الانفصالية، مما أتاح للأتراك استعادة قوتهم وعادوا إلى نهجهم السابق في اختيار خلفاء ضعاف لاستمرار نفوذهم، فعارضوا ترشيح عبد الله بن المعتز لمنصب الخلافة لأنه كان كُفئاً واختاروا أبا الفضل جعفر بن المعتضد وكان في الثالثة عشرة من عمره فولّوه الخلافة وتلقب بـ (المقتدر).

لم يكن المقتدر (295 – 320 هجري)/(908 – 932 ميلادي)، على مستوى الأحداث
الشائكة التي تحيط به، ولما شبَّ عكف على لذاته، وترك أمور الدولة في إدارة مؤنس التركي وبرزت في عهده ظاهرة تدخل النساء في أمور الدولة، وانتشرت في أيامه الفتن في الداخل والخارج.

فثار عليه رجال الجيش بفعل سوء الأوضاع الداخلية وفساد الحكم، وخلعوه عن العرش وبايعوا عبد الله بن المعتز. ولقبوه بـ (الراضي)، ويبدو أن بعض القادة الأتراك ممن استمروا على ولائهم للمقتدر مثل مؤنس الخادم ومؤنس الخازن، وغريب خال المقتدر، نجحوأ في إعادته إلى السلطة وسجنوا عبد الله بن المعتز.

الأحداث في عهد محمد بن المعتضد:

عادت الأمور إلى ما كانت عليه من الفوضى والإسراف فى المال من جانب الحاشية والخدم كما ازداد تسلط النساء، فاشتكى الجيش من هذه الحالة ووقعت الوحشة بين الخليفة ومؤنس الخادم وانتهى الأمر بقتل الأول لليلتين بقيتا من شوال في عام (‎320‏ هجري) تشرين الثاني عام(932 ميلادي)، ومبايعة محمد بن المعتضد بالخلافة، ولقب بـ (القاهر).

لم تكن خلافة القاهر القصيرة (320 – 322 هجري)/(932 – 934 ميلادي)، خيراً من خلافة المقتدر، فقد استمر شغب الجند وغدا منصب الخلافة مرة أخرى، هدفاً للازدراء، وحاول مؤنس الخادم الاتفاق مع الوزير ابن مُقلة الخروج على الخليفة.
لكن القاهر الذي رأى في القادة الأتراك أعداء لدولته استطاع أن يتخلص من هذا القائد التركي، وعلى الرغم من قوة القاهر وقسوته فإن القادة تمكّنوا أخيراً من القبض عليه وخلعوه وسملوا عينيه ولم يسمل قبله أحد من الخلفاء وبايعوا للخليفة الراضي(322 – 329 هجري)/(934 – 940 ميلادي).


شارك المقالة: