الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


يتناول هذا المقال موضوع الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وأهمية دراسة الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، ومفهوم الحضرية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وأسس اختيار مجتمع البحث لدراسة الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية.

الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

الموضوع الرئيسي هو محاولة التعرف على طبيعة الروابط القرابية للفلاح المعدم المهاجر والمستقر بمنطقة حضرية فقيرة داخل المدينة، وذلك من حيث مدى هذه الروابط وكثافتها واستمرارها. وسبب ذلك أن هذه الروابط القرابية تعد بمثابة نسق اتصال بين المهاجر الموجود بالمدينة وأسرته المقيمة بالقرية، وفيها يجد هذا المهاجر المعدم كل التشجيع للقدوم للمدينة.

ومن خلال جماعته القرابية في المهجر تتحدد نظرته إلى العالم الخارجي المحيط به داخل البناء الحضري الجديد، وكيف تؤدي هذه الروابط إلى التقارب المكاني للوحدات القرابية الواحدة والمهاجرة إلى المدينة. ومن شأن هذا الأمر أن يشجع على استمرار تدفق المهاجرين واستقرارهم في نفس المناطق التي تقطنها الوحدة القرابية التي ينتمون إليها.

ويجدون داخل هذه الوحدات القرابية الريفية نفس سمات الثقافة التي جاءوا بها من القرية إلى المدينة، وهي الثقافة التي تكونت كنتيجة لظروف تاريخية بنائية تسود البناء الاجتماعي لمجتمع المدينة بشكل عام والمجتمع الريفي بشكل خاص.

أهمية دراسة الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

يوضح علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية مبررات اختيار هذا الموضوع وأهميته العلمية، ومنطقه العلمي السليم. فالمعروف في الدراسات الأنثروبولوجية على مدى تاريخها الطويل الاهتمام الكبير بدراسة البناء القرابي لأي جماعة أو مجتمع يدرس أنثروبولوجياً.

ذلك أن الروابط القرابية ليست مجرد روابط دموية أو روابط مصاهرة فقط، ولكنها تنطوي في نفس الوقت على مجموعة مركبة من الالتزامات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، إلخ. فأي علاقة قرابية بين طرفين، ولنقل بين الأب وابنه هي في الأساس توصيف لعلاقة بيولوجية أن الأول أنجب الثاني من صلبه.

ولكنها بعد ذلك تمثل إطاراً لأسلوب في التخاطب، وواجبات تتصل بالكفالة المادية، والتربية الأخلاقية والدينية، وعشرات ومئات الواجبات الأخرى، حتى أنها تتحول بعد أن يعجز الأب ويقعد عن الكسب ويكبر الابن ويقدر عليه، تتحول إلى تبادل المواقع، فيفرض المجتمع على الابن رعاية أبيه وتحمل مسئوليات جديدة قبله. ومن هنا كان القول بأن النظام القرابي في أي مجتمع هو الخريطة الأساسية لأي نظام اجتماعي في كافة المجتمعات الإنسانية المعروفة.

مفهوم الحضرية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

إننا نجد إلى جانب هذا أن الدراسات الحضرية بعد أن تقدمت وتطورت استطاعت من بين منجزاتها العديدة أن تبلور مفهوم الحضرية من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية وتلقي عليه الضوء. ويرجع إلى عالم الأنثروبولوجيا لويس ويرث فضل وضع صياغة حديثة لهذا المفهوم.

وقد أشار علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية إلى إسهام ويرث في هذا الصدد حيث أوضح بالنسبة للروابط القرابية للمقيمين في مجتمع حضري أنه “كلما زاد عدد السكان وارتفعت معدلات كثافتهم، وعظم تباينهم، عبر ذلك عن الخصائص المرتبطة بالحضرية. وهي الخصائص التي تتمثل في ضعف روابط القرابة والجيرة وتضاؤلها. ونتيجة لذلك تظهر المنافسة ووسائل الضبط الاجتماعي الرسمي لتحل محل روابط التضامن. كذلك فالعلاقات السائدة بين الأفراد تبدو ثانوية وسطحية وانتقالية وانقسامية.

والنتيجة الطبيعية لهذا الكلام أن المهاجر الذي ترك قريته وانتقل إلى المدينة سوف تضعف روابطه القرابية مع أهله المقيمين في الريف، بسبب انخفاض كثافة هذه العلاقات، وضعف التفاعل، وهي الأمور الناجمة عن البعد المكاني. وتكون محصلتها في النهاية ضعف روابط الاتصال بين الأقارب وفتور العواطف وبرودها.

ونلاحظ أن أوسكار لويس Lewis Oscar هو صاحب الفضل في وضع هذه الآراء موضع الاختبار. فمن خلال دراساته عن الطبقات الدنيا الفقيرة بالمكسيك اختبر آراء ويرث وأثبت عدم صحتها. فلقد وجد أن فقراء المكسيك، وخاصة تلك العينة التي انتقاها من بين المهاجرين الفقراء، وهم مهاجرون قدموا من أربع وعشرين مقاطعة من الريف إلى المدينة، لاحظ عليهم لويس أنهم لم يظهروا إلا القليل من التمركز حول الذات، وانتفى لديهم الشعور بالفردية.

بل وجد أن كل مجموعة من الأقارب يكونون مجتمعاً محلياً صغيراً في أحد أقسام المدينة، وأن كل تجمع قرابي منها يعمل كوحدة متماسكة، والعلاقة بين أفرادها مازالت علاقات أولية، أي وجهاً لوجه مثلها مثل علاقات القرابة في الوطن الأصلي الريفي قبل الهجرة. كما وجد أن كل زيجات هذه التجمعات القرابية داخلية، وتوصل إلى كثافة وقوة علاقات الأسرة الممتدة.

واستطاع لويس أن يرصد ذلك من كثافة وتكرار زياراتهم وقوة تماسكهم وقت الأزمات. أما بالنسبة لعلاقاتهم بالأهل في الوطن الأم، فقد وجد أوسكار أن هذه الأسر الفقيرة المهاجرة تحافظ على علاقاتها بالأهل في الوطن الأم بالرغم مـن البعد الجغرافي. وأن هذا البعد لم يمنعهم من الإسراع إلى التآزر والتعاون وقت الشدائد، أو تقديم الهدايا في المناسبات المختلفة. وساعد الأسر على هذا التواصل والاتصال النمو السريع في وسائل المواصلات.

وهكذا انطلقت الدراسات الأنثروبولوجية من دراسة أوسكار لويس الرائدة هذه، لكي تركز البحث على دراسة عدد قليل نسبياً من الأسر المهاجرة، وحاولت تتبع طبيعة العلاقات بينهم وبين الأقارب في الوطن الأم. هذا من جانب، ومن جانب آخر يحاول هؤلاء المهاجرون الفقراء عند وصولهم إلى المدينة أن يكونوا لأنفسهم صورة طبق الأصل من الثقافة التي تركوها وراءهم، ثقافة القرية.

والسبب في هذا التشبث في البداية هو هامشية موقعهم من ثقافة المدينة، والإحساس بالضياع وسط بحر بشري مختلف عما ألفوه اختلافاً بعيداً. ومن هنا تمثل محاولاتهم التشبث بثقافة القرية نوعاً من التشبث بالحياة ذاتها وتأكيداً لوجودهم الاجتماعي، والإحساس بنوع من التأمين، هو ذلك الملاذ القروي الذي يمثل لهم ظهيراً قوياً أمام أيامهم الصعبة الجديدة.

أما عن منهج الدراسة فقد أوضح علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية أنها قد اعتمدت الاعتماد الأساسي الأول على المنهج الأنثروبولوجي وأدواته في التعرف على سمات ثقافة الفقر ومؤشراتها كمياً وكيفياً لدى الحالات (الأسر) التي شملتها الدراسة المتعمقة. وأفادها هذا المنهج أيضاً في التعرف على خطوط الروابط القرابية وتفاعلاتها ورصد ما يطرأ عليها من تطورات.

أسس اختيار مجتمع البحث لدراسة الأسرة والروابط القرابية بين فقراء الحضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

لما كان هدف البحث الأساسي التعرف على الروابط القرابية للريفيين المعدمين المهاجرين إلى المدينة من ريف الوجه القبلي، فقد راعى علماء الأنثروبولوجيا عند اختيار مجتمع البحث أن يتسم بناؤه بوجود تجمعات قرابية ذات نزعة إقليمية واحدة تقريباً الوجه القبلي.

هذا من جانب، ولكنها حرصت من جانب آخر على أن يكون هؤلاء المهاجرون من فئة المهاجرين غير المنتخبين Selective Non وهم معدمو الريف يندفعون بأعدادهم الكبيرة إلى المدينة بنفس درجة طرد أرض القرية لهم. ويحاول هؤلاء المهاجرون أن يكونوا لأنفسهم داخل المدينة صورة طبق الأصل من الثقافة التي تركوها وراءهم وهي ثقافة القرية، وذلك بسبب قدرتهم المحدودة على تمثيل ثقافة المدينة.


شارك المقالة: