الأفكار الرئيسية عند ابن خلدون في علم الاجتماع:
شكلت دراسة الظاهرات الاجتماعية جزءاً كبيراً من مقدمة ابن خلدون، وفي ذات الوقت شكلت موضوع علم الاجتماع وقد أدرك وفهم ابن خلدون مدى اتساع نطاق الظواهر الاجتماعية وتنوعها، لذلك جاءت معالجاته لها متسمة بالتسلسل والمنطقية والمنهجية، حيث قد دارت أفكار ابن خلدون الأساسية حول السكان والعمران والطبقات والأحوال الاجتماعية.
ولقد كان تركيز ابن خلدون الأساسي ينصب على ظواهر العمران البشري خاصة ما يتعلق منها بالتطور الاجتماعي، حيث رأى إلى أن هذا التطور لا يتم مصادفة أو عشوائياً، ولكن له قوانين تحكمه وتفسره لذلك رأى ابن خلدون أن هناك ضرورة ملحة لدراسة هذه القوانين أو التوصل إليها، وهذا يفرض من وجهة نظرة دراسة المجتمع البشري في ذاته، وهذه الدراسة تشكل أيضاً موضوع علم مستقل هو علم الاجتماع، ومعنى ذلك أن وظيفة علم الاجتماع هي الكشف عن القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية في حدوثها وتطورها وأدائها لوظائفها.
وحينما شرع ابن خلدون في وصف وتحديد المنهج الملائم والمناسب لدراسة الظواهر الاجتماعية، بدأ بتوجيه النقد إلى الطرق المنهجية التي استخدمها السابقون عليه، وأشار إلى أنه ينفرد بقواعد تختلف عنها، ولم يسبقه إليها أحد، فهاجم ابن خلدون الطريقة التاريخية الخالصة التي ترتكز على الوصف السطحي المحدود للظواهر الاجتماعية، دون محاولة استخلاص شيء عن القوانين التي تحكمها، وكثيراً ما هاجم المؤرخين لابتعادهم في بعض الحالات عن استخدام الطرق العقلية والمنطقية في العرض التاريخي، وعدم نزاهتهم في هذا العرض في كثير من الأحيان.
كذلك هاجم ابن خلدون الطريقة التي يتبعها علماء الأخلاق والسياسة في تركزهم على إبراز محاسن معتقدات الأمة وتقاليدها، وأخلاقياتها، وأيضاً حث الناس على التمسك بها، هذا فضلاً عن هجومه على المناطق أو الطرق المثالية التي كان أفلاطون وأرسطو والفارابي من أبرز أنصارها.
فقد تناول ابن خلدون الظواهر الاجتماعية أو وقائع العمران البشري التي أكد معظم العلماء والدارسين أن أفكار ابن خلدون في هذا المجال تمثل البدايات المبكرة لعلم الاجتماع، سابقاً علماء الغرب بما يزيد على أربعة قرون ونصف.