نتعرض في هذا المقال لبعض الدراسات التي اسخدمت الأسلوب الإحصائي كأسلوب أساسي وليس مساعداً في المنهج الأنثروبولوجي. ومن الملاحظ قلة هذه الدراسات خاصة فى الدراسات المحلية، لأن الغالب الاستعانة بالأساليب الكيفية، وكمـا أن استخدام الإحصاء يأتي في إطار فهم بعض خصائص المجتمع المحلي الذي تجري فيه الدراسة.
الدراسات العالمية في الأنثروبولوجيا:
قام كانسان بدراسة نسق ديانة شعب (Cargo) في المكسيك مستعيناً بالأسلوب الإحصائي في إطار تحليل البيانات المتوفرة في المكاتب الرسمية. وقد توصل من خلال هذا التحليل إلى نتائج لم تكشفها الدراسة الكيفية، ومنها: وجود تصنيفات اجتماعية أخرى غير التي أوضحتها الدراسة المتعمقة، كما تبين له ارتباط الزواج بالديانة، حيث يتزوج الأفراد من داخل الطائفة الدينية التي ينتمون لها، ويكتسب الأبناء المكانة وفقاً للمكانة الدينية لأبائهم.
ودرس بورتون باسترناك (Pasternak Burton) بعض الظواهر الثقافية المتعلقة بالمواليد، وعادات الطعام الخاصة بالأطفال حديثي الولادة في قريتين فى تايوان. وأجرى تحليلاً إحصائياً تاريخياً للقريتين من خلال الرجوع إلى البيانات الإحصائية المتوفرة والتي وجدت منذ عام ١٩٠٥ ،وأمكن تحليل تلك البيانات من فهم الخصائص الديموجرافية للسكان. كما أجرى باسترناك مسحاً على ١٨٠ أسرة اختيرت من قوائم المواليد في القريتين.
وقد ساهم هذا المسح في جمع معلومات مكنته من فهم بعض الخصائص المتعلقة بأنماط السلوك، مثل ميلاد الطفل، وديناميات العلاقات الاجتماعية وحتياجات المجتمع. كما أجرى جاك أرن دراسة عن الفقر في الفلبين، حاول فيها معرفة معدل تزايد الفقر ونسبته، لذا لجأ إلى إجراء تحليل تاريخي لبيانات الفقر عالمياً ومحلياً، واهتم بالدور الذي يلعبه البنك الدولي لمواجهة الفقر في العالم الثالث، مدللاً على هذا الدور من خلال البيانات الإحصائية.
وعلى غرار هذا درس ميجنل دياز عمليات التحضر في المكسيك، حيث قام بدراسة بعض الحالات دراسة متعمقة، إلى جانب قيامه بإجراء تحليل إحصائي للبيانات الرسمية تحليلاً تاريخياً، لفهم النمو السكاني وحركة التحضر، فضلاً عن إجراء تحليل إحصائي لفهم خصائص مجتمع الدراسة. وأخيراً نشير إلى دراسة ديلا ماك ميلان وزملائه عن النمو الدولي، فقد استعانوا بالأسلوب الإحصائي في عقد مقارنة بين دول العالم الأول والعالم الثالث.
وفقاً للبيانات الرسمية المتاحة عن هذه الدول، كما قاموا باجراء دراسة حالة للوصول إلى نتائج أكثر عمقاً حول الموضوع المدروس. وخلصوا من هذه الدراسة إلى التأكيد على أن الأنثروبولوجيا المعاصرة لم تعد تهتم بتناول القضايا الجزئية فقط، بل والكلية أيضاً، لذلك فإن الأسلوب الإحصائي مهم في التحليل من المنظور الكلي.
الدراسات العالمية في الأنثروبولوجيا:
تعد دراسة (ناهد صالح) من الدراسات الرائدة والمبكرة في هذا المجال، إذ انطلقت أساساً من تقويم الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية، مؤكدة العلاقة القوية بين النظرية والمنهج وبينهما وبين الموقف من استخدام الأسلوب الإحصائي وكيفية استخدامه. وقد قامت باختبار هذا الأسلوب من خلال دراسة ميدانية تناولت النسق الاقتصادي لقريتين إحداهما زراعية والأخرى زراعية صناعية في طريقها للتحول إلى مجتمع صناعي.
وأمكن بالاعتماد على الأسلوب الإحصائي جمع بيانات عن العلاقات الاجتماعية التي هى محور الدراسة الأنثروبولوجية الاجتماعية. كما تبين أيضاً صلاحية هذا الأسلوب في جمع بعض البيانات عن ثقافة المجتمع ،إلا أنه تبين أن هناك بيانات إثنوجرافية لا يمكن جمعها بالأسلوب الإحصائي، وأخرى لا يستحسن جمعها بواسطة هذا الأسلوب. وبهذا أكدت الدراسة أنه لا يمكن الاستغناء عن الأساليب التقليدية، بل إنها ضرورية ولازمة لتصبح الأداة الإحصائية منبثقة من واقع المجتمع.
كما أوضحت الدراسة أنه في حالة اقتصار المقارنة على مجتمعين فحسب، فإن الأسلوب الإحصائي لا يمكن من الكشف عن العلاقة الوظيفية بين النظم، وإنما يكتفي فقط بتقدير وجود علاقة وتحديد مداها ونوع هذه العلاقة، هل هي علاقة وظيفية أو هي علاقة وظيفية تاريخية فحسب. ولكن حيث تمتد المقارنة عبر الثقافات فإنه يمكن تمييز نوع العلاقة، وهذه وفقا للأسلوب الإحصائي الذي اتبعه.
وأخيراً أوضحت الدراسة أن الأسلوب الإحصائي لاغنى عنه متى اتخذ الباحث المنهج المقارن منهجاً له، وتزداد هذه الضرورة متى امتدت المقارنة عبر الثقافات وعبر المجتمعات. فقد أثبت الأسلوب الإحصائي ضرورته للمنهج المقارن سواء بالنسبة لتحديد وحدات المقارنة أو توفير المادة الصالحة للمقارنة، أو تقديم الأساليب الدقيقة لإجراء المقارنة. كما أثبت جوهريته للسير بالأنثروبولوجيا الاجتماعية نحو تحقيق علم الاجتماع المقارن.