الإقطاع العسكري في العهد البويهي

اقرأ في هذا المقال


الإقطاع العسكري البويهي:

منذ خلافة الراضي (321 – 329 هجري) بدءاً لعنصر الديلمي في جيش الخلافة العباسية يظهر له دور في الأحداث السياسية من خلال المناصب القيادية التي حصل عليها أمراء الديلم، الأمير عماد الدولة علي بن بوية، حصل على مقاطعة شيراز وكتب له منشور بذلك من لدن الخليفة الراضي بالله على أن يحمل إلى دار الخلافة ثمانية آلاف درهم ونفذ الأمر بذلك.

بعد احتلال البويهيين بغداد سنة (334 هجري)، تبنوا سياسة الإقطاع العسكري الذي أدى إلى إلغاء الإدارة العباسية إلى إدارة قائمة على نظام إقطاعي أجنبي ركائزه الأساسية القوات الغازية المحتلة.

لقد كانت الأوضاع المالية للخلافة في أزمة شديدة نتيجة سيطرة العناصر الأجنبية على مقدرات الخلافة وبعد احتلالهم بغداد زادت الأمور تعقيداً فقد كان القحط والغلاء منشراً في العراق نتيجة عدم الاعتناء بالأراضي الزراعية التي أغلبها أصبحت غير صالحة للزراعة بسبب الإهمال وكثرة البثوق وبالتالي تحول تلك الأراضي الخصبة إلى مستنقعات غير صالحة للزراعة.
حتى أنَّ الأمير البويهي معز الدولة طلب من الوزير علي بن عيسى حلاً لهذه الأزمة “الدنيا خراب والأمور على ما تراه فاشر علي بما عندك في اصلاح ذلك”، فأجابه علي: “سد هذه البثوق يرجع في جذورها إلى الفساد وخراب السواد”. وكان من نتيجة هذا الخراب أن قلت لدى الناس فلجأوا إلى نظام المقايضة، وقد أشار مسكويه بقوله: “كانت الدور والعقارات تباع برغفات ويأخذ الدلال يحق دلالته بعض ذلك الخبر”.

إنَّ قضية دفع أرزاق الجند المحتل كانت من الأوليات التي اهتم بها الأمراء البويهيين لأن الجنود المرتزقة في الجيش البويهي يعتبرون أنَّ الاراضي التي استولوا عليها في العراق ومناطق غرب إيران هي مناطق خصبة وفيرة الإنتاج وفي نفس الوقت هي مكافأة للخدمات التي قدمت إلى الأمير البويهي، لذلك كان حرمانهم من هذه المكافأة يعتبر مخالف لِمَا وعدهم به الأمير البويهي عند الدخول في خدمة.

البويهيين شغب الجند البويهي وطالبوه بالأموال فاضطر معز الدولة إلى انتهاج أسلوبين، الأول هو اللجوء إلى أموال الناس ومصادرتها واستخدام أساليب غير شرعية لكن هذا الأمر لم يفِ بإرزاق الجند. فلجأ إلى اقطاع قواده العسكريين الأراضي الزراعية بدل ارزاقهم، وكان الهدف من ذلك التصنيف والتخلص من شعب الجند الديلمي المستمر وربط هؤلاء بالأرض.
بالإضافة إلى الهدف الأهم وهو التخلص من الأزمة المالية واعتماد المقطعين على وارد إقطاعاتهم لسد نفقاتهم الحربية فكانت ضياع السلطان وضياع الهاربين من السلطة البويهية وضياع ابن شيرزاد هي الحل للازمة المالية.

إنَّ سياسة الإقطاع العسكري على وفاق مع خليفة البويهين الإقطاعية القائمة على أنَّ اقطاع الأرض هو سبيل المشاركة في الغزو. إنَّ إقطاع الأرض الزراعية هو خير وسيلة لتوثيق الجند بالأرض وكسب ود القادة العسكريين الإقطاعين الذين هم عماد الجيش البويهي.

أسس منح الإقطاع البويهي:

يذكر مسكوية، أنَّ مُعز الدولة البويهي منح الإقطاعيات إلى طبقين الأولى طبقة العسكريين، والثانية الموظفين الإداريين. إنَّ أداء الخدمة العسكرية هي الأساس في منح الإقطاع، فقد كان من واجب الجندي العسكري المقطع له أن يخصص جزء من واردة الإقطاعي للتجهيز بعدة القتال.

فقد كان لزاماً عليه أن يشتري له فرساً وسيفاً ودرعاً كلا بحسب قدرته المالية. وبعد الاكتمال من الشرط الأول عليه أن يشارك مع الأمير البويهي في حروبه العسكرية ذلك أن منح الراتب أو الإقطاع هو لقاء الخدمة العسكرية للأمير البويهي والذي يرفض المشاركة في القتال يُحرم من رزقه. إنّ الحق يعطي للمقطعين الاستفادة من واردات إقطاعاتهم هو أداء الخدمة العسكرية فإذا ما مرض أو توفى حرم من ذلك الحق.

ولم يكن من حق أولاد المقطع المتوفى الاستفادة من اقطاعهم أو وراثة، يقول الماوردي: (أن كانت له ذرية دخلوا في إعطاء الذاري لا في أرزاق الجند فكان ما يعطونه سبباً لا اقطاعاً).

حجم إقطاع الأمراء البويهي:

يختلف حجم إقطاع الأمراء البويهي حسب ترتيبهم الهرمي، إنَّ حجم الإقطاع البويهي يعتمد بالدرجة الأساس على الرتبة العسكرية. الأمراء الكبار حصلوا على إقطاعات ضمنت لهم واردات كبيرة تصل إلى خمسين ألف دينار، (إنَّ أبناء الملوك والأمراء والقواد، كان في يد كل واحد من هؤلاء من الإقطاع ما يبلغ ارتفاعه خمسين ألف دينار ومادة دونها إلى عشرين ألف دينار). في حين كان نصيب الفارس الذي هو أقل من رتبة القائد بين ألف إلى ألفين دينار، أما الفئة الأخيرة فكان وارد إقطاعاتهم عشرة دنانير في الشهر.

إنَّ الإقطاعات التي كانت وارداتها عالية تتركز فيه المناطق الخصبة من سواد العراق والأهواز التي كانت ذات إنتاج وفير. إذ تراوحت قيمة هذه الاقطاعات بين مئتي ألف إلى ثلاثمائة ألف درهم يُقابلها اقطاعيات في الهضبة الإيرانية تبلغ قيمتها من عشرين ألف إلى ثلاثين ألف درهم أي عُشر قيمة تلك الاقطاعات وهذا أدى إلى التحاسد والنفرة بين القواد الديله.

لم يكن الجيش البويهي كله يستلم إقطاعات فهناك قسم كبير من الجنود يستلمون رواتبهم نقداً. وهناك إشارات كثيرة أوردها مسكويه عن دفع الأمراء البويهيين لجنودهم مرتبات شهرية.

إدارة الإقطاع البويهي:

لكي يأخذ الجنود البويهين على إقطاع عليه أن يقدم طلب إلى الوزير البويهي الذي يوقع عليه. ثم يقدم إلى ديوان الجيش الذي كانت مهمته تسجيل حجم تلك الإقطاعية ومكانها. إنَّ توزيع الإقطاعات العسكرية والنظر في أمرها كانت من صلاحيات الوزير البويهي. كان المقطعين العسكريين لا يستقرون في إقطاعاتهم بل كانت تُدار بواسطة وكلاء مسؤولون عن جباية مال المقاطعة الذي هو حصة المقطع بعد إرسال حصة الديوان.

وكان لهؤلاء المقطعين كتاب في إقطاعاتهم، لروزبهان بن ونداخرشبذا إقطاع في السواد وكان له كاتب يعرف بأبي الحسن علي القمي (خليفة عنه بحضرة معز الدولة ببغداد). إنّ الواجبات المالية المترتبة على الإقطاعي العسكري هو إرسال حصة خزينة الدولة من مال المقاطعة أو ما يُعادلها من الغلة.

لكن الذي حصل أن الإقطاعيين لم يدفعوا شيء إلى خزينة الدولة وأصبحوا يتحكمون داخل إقطاعاتهم كسادة إقطاعيين تشمل سيطرتهم على الفلاحين. كان ديوان الجيش يتولى أمر إعادة توزيع الإقطاعات أما الرغبة الأمير البويهي في انتزاع الإقطاعات من أصحابها أو لرغبة الجندي المقطع بسبب الحصول على ضياع أفضل وكان لهذه السياسة آثارها المدمرة على الزراعة.


شارك المقالة: