يمكننا تتبع الأصول التاريخية للممارسة العامة من خلال تتبع فكرة الإنسان في موقف ما والاهتمام بالبيئة الاجتماعية عند دراسة الحالة في خدمة الفرد والتي شغلت اهتمام الأخصائيين الاجتماعيين الأوائل منذ عهد ماري ريشموند، فبعد الاعتماد على التحليل النفسي خلال فترة الثلاثينيات في القرن الماضي بدأ المشتغلون بخدمة الفرد يدركون أنه من الصعب تفهم العميل بعيداً عن بيئته ومن ثم كان من الضروري تفهم علاقته مع الآخرين.
إسهامات العلماء في التطور التاريخي للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية
أولاً كابلان: أشار إلى أنَّ إهمال تأثير العوامل البيئية على الحالة يمكن أن يشبه بمعادلة تتعامل مع أحد شقّيها فقط، كما يجب التعامل مع تلك العوامل البيئية لا كعوامل في حدّ ذاتها ولكن في تأثيرها على نسق العميل وأنماط الاستجابة لها.
ومنذ الأربعينيات ساد في الخدمة الاجتماعية ما يسمى بالمدخل النفسي الاجتماعي أو المرحلة النفسية الاجتماعي، وأصبح التعامل مع الفرد يشمل مقولة الفرد في موقف وليس الفرد فقط.
وفي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات بدأت الخدمة الاجتماعية تعتمد على علم الاجتماع كمصدر للمعرفة والنظريات ممَّا أدى إلى تأثير الخدمة الاجتماعية بالتركيز المتزايد على نظريات علم الاجتماع وخاصة نظرية الأنساق العامة ونظرية الأنساق الإيكولوجية، مما دعم الاتجاه الذي يركز على علاقة الإنسان ببيئته والنظم الاجتماعية.
وفي فترة الستينيات من القرن الماضي أمام انتشار نوعيات جديدة من المشكلات وأنواع جديدة من العملاء وعجز الخدمة الاجتماعية بطرقها التقليدية، وخدمة الفرد والجماعة وتوعية المجتمع عن مواجهة هذه المشكلة، وطالب بعض الممارسين إلى ضرورة تبني الخدمة الاجتماعية لطرق وممارسات جديدة تكون أكثر فعالية، وكان نتيجة ذلك أن ظهرت الدعوة إلى تكامل طرق الخدمة الاجتماعية، وأن تستخدم مهارات وتكنيكات ومعارف كل الطرق معاً حسب الحاجة، في الموقف الواحد فبدلاً من أن تنظر إلى طرق الخدمة الاجتماعية على أنها مناهج منفصلة ومميزة أصبح ينظر إليها على أنها مناهج متكاملة.
ثانياً ماير: فقد أوضح أن هناك حاجة إلى أخصائيين اجتماعيين لديهم القدرة على التعامل مع أنساق عملاء ذات أحكام مختلفة عن الفصل التقليدي بين طريقة خدمة الفرد وطريقة خدمة الجماعة وطريقة تنظيم المجتمع لم يعد ممكناً الاحتفاظ به أو استمراره.
ثالثاً جوردن: فقد طالب بمحاولة استخلاص الجوانب المشتركة من كل طريقة من طرق الخدمة الاجتماعية وعرضها في مراحل عريضة مثل التقدير والتخطيط والعمل والتقييم كخطوات محدَّدة لعملية حل المشكلة.
رابعاً بارتليت: في بداية فترة السبعينيات ظهرت عدة محاولات لتحقيق التكامل بين طرق الخدمة الاجتماعية، ومنها محاولة بارتليت عندما طالبت بالتوصل إلى نظريات كلية والتوصل إلى خدمة اجتماعية متكاملة استجابة إلى الحاجات والمشكلات المعاصرة بدلاً من التركيز على النظريات التي تهتم بالأفراد أو الجماعات أو المجتمعات.
خامساً: رومانسكن: وقد عبرعن تلك الفكرة فيرى أن الخدمة الاجتماعية تقع في منطقة الخلاف بين الأفراد والأنظمة الاجتماعية حيث تعمل الخدمة الاجتماعية على مساعدة الأفراد على التوافق مع النظم الاجتماعية مستخدمة معارفها ومهاراتها. كما ظهرت في هذه المرحلة العديد من المراجع العلمية والمقالات المنشورة في المجلات والمؤتمرات العلمية التي تتناول موضوع الخدمة الاجتماعية المباشرة والخدمة الاجتماعية غير المباشرة، إشارة إلى أنه عندما تستخدم الخدمة الاجتماعية بكل مقوماتها المهنية ” في إطار تكامل طرقها”، مع العملاء لتحقيق فائدة مباشرة لهم تصبح خدمة اجتماعية مباشرة وعندما تستخدم هذه المهنة مع أنساق أخرى ” غير أنساق العملاء”، لتحقيق التغيير المطلوب لصالح نسق العميل تصبح خدمة اجتماعية غير مباشرة.
وكان ذلك الاتجاه بديلاً لاستخدام الطرق المهنية كل على حِدة والدعوة إلى تكامل المهنة أو النظر إليها موحدة غير مجزأة، ثم ظهرت العديد من الكتب التي تدعو إلى استخدام المنهج التكاملي في الخدمة الاجتماعية ومن أهمها كتاب الين بنكس وآن مياهان عام 1974م واللتان حددتا أنساق التعامل في الخدمة الاجتماعية وهي نسق محدث التغيير ونسق العميل ونسق الهدف ونسق الفعل.
سادساً: كاول جريمان: في بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأت الدعوة إلى استخدام الاتجاه الإيكولوجي في الخدمة الاجتماعية حيث أن كاول جريمان طرح تساؤلاً عن كيف يمكن لمفاهيم المدخل الإيكولوجي أن تعزّز ممارسة وتطبيقات الخدمة الاجتماعية ثم قدم سنة 1973م، اتجاهاً إيكولوجياً لتقديم تصوّر عام وشامل للممارسة، مثل بارتليت 1970، وجولدستي سنة 1973م، وينكسي ومانهان سنة 1973م، أيضاً وسيبورين سنة 1975م، وقد استخدموا الأطر النظرية المبنية على الأنساق والمهارات الشاملة،
سابعاً: جيرمان وجترمان: في سنة 1980م قدم كل من جيرمان وجترمان نموذجاً للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية مبني على مفاهيم الاتجاه الأيكولوجي سَمّياه أساسيات ومراحل التدخل المهني واقترحا أدواراً عامة للأخصائي الاجتماعي والعميل، وأضافا الكثير من المفاهيم التي تُقدّم إطاراً تفسيرياً لمشكلة العميل وأسبابها.