اقرأ في هذا المقال
التعليم في البادية في عهد الملك سعود:
قامت الحكومة في الدولة السعودية في نشر التعليم في المناطق النائية التي تقع بين بدو الصحراء وسكان المناطق الجبلية الصعبة، ومن تلك المناطق عسير، وقاموا في تسمية تلك المدارس باسم مدارس البادية والقرى. ومنذ فترة حكم الملك عبد العزيز وقف ضده رجال البادية وبعض علماء الدين، وحدث خلاف بخصوص بعض المواد حيث اعترضوا على مادة الرسم وتعليم اللغات الأجنبية والجغرافيا.
وكان سبب الاعتراض لديهم أنّ الرسم نفسه التصوير وهو محرم في الشريعة الإسلامية، وأمّا اللغات فهي قائمة على عقائد الكفار وعلومهم التي تعارض الإسلام وفي ذلك خطر كبير على عقائدنا وعلى أخلاق أبنائنا، أمّا الجغرافيا فتشمل كروية الأرض ودورانها والحديث عن النجوم والكواكب، حيث أَخذ به علماء اليونان وقاموا في إنكاره علماء السلف.
وكان المسعى والهدف لديهم هو إبقاء التعليم كما هو في الكتب ودراسة علوم الدين واللغة فقط. لكن الملك وقف ضدهم واستطاع أن يقود المملكة في عهده إلى العالم الحديث في مجال التعليم، وهناك من البدو من قام في تقديم كل المساعدة والتأييد من أجل تعليم أبنائهم، وكل الذين تلقوا التعليم من أبناء البادية أصبحوا أعضاء صالحين عظماء في الوقت الحاضر.
كانت المهمة المطلوبة من الدولة قيامها في تحفيز ومكافئة البادية على ما ساد من عادات جميلة لديهم في الماضي، وتقوم على تعويضهم من النقص الذي استمر لفترات طويلة لديهم، ويتجسد ذلك في قيامها في جميع الأعمال التي تؤدي بهم إلى التطور والتحضر، خاصة إذا علمنا بأن البدو في المملكة العربية السعودية ليسوا كبقية البوادي في سوريا والعراق؛ لأنها في تلك الدول تعتبر كيان موحد مستقل في ذاته.
وقد يجري عليهم تنفيذ قوانين وأنظمة متعددة ومختلفة عما يطبق على بقية المواطنين، على خِلاف البدو المتواجديين في المملكة فيعاملون مثلهم مثل الحضر تماماً، ويتمتعون في الحقوق نفسها ولهم الحق في التعلم واكتساب مختلف العلوم؛ وذلك لأن معظم كبار السن في المملكة وخاصة الذين يقيمون في المناطق الريفية والبدوية يعانون من مشكلة الأمية، وكان ذلك بسبب عوامل جغرافية وثقافية وتعليمية تبدو واضحة.
ولهذا لم يتم الاستفادة من البدو المتواجدين في المناطق الريفية في مجالات التنمية المختلفة، لذلك رأت الحكومة بأنه من اللازم تنفيذ برامج تعليمية وثقافية تهدف إلى رفع المستوى التعليمي والثقافي والصحي والاقتصادي لتلك الفئات، وليتم تحقيق ذلك الهدف حرصت الدولة على نشر التعليم بين بدو الصحراء فقامت في إرسال المعلمين إليهم، ونظمت حملات صيفية في القرى النائية، جاء في هذه الحملات برامج تعليمية وتثقيفية وإرشادية تساعد على توصيل الخدمات التعليمية لجميع الشعب.
قامت الدولة بتشجيع الطلاب في البادية ليتوجهوا إلى التعليم من خلال منحهم مستحقات مالية، وهذا أدى إلى إقبالهم عليها، فكانت هذه الطريقة من العوامل المهمة في تثقيف البدو وإخضاعهم للقانون في الوقت نفسه.
تعليم أبناء البادية:
يتلخص تعليم البدو فيما يأتي:
- تم توزيع المدارس لتقوم في التعليم في المناطق التي تتكون من قبائل مؤهلة.
- قيام الحكومة في الطلب من الوزارة بإرسال معلمين إلى هذه البوادي ليقوموا بتدريس وتعليم سكانها.
- كان من الواجب تميُّز المدرسون في مهارتهم في تعليم كبار السن، حيث قاموا في تعليمهم بين العصر والمغرب، أو في الفصول الليلية إذا سمحت لهم الظروف، كذلك عليهم التميز في معرفتهم ببعض أصول الفلاحة إذا كانوا سيدرسوا في تهامة مثلاً أو الأودية أو الأماكن الزراعية.
- صرفت للمدرسين مكافأة شهرية طيلة قيامهم بتدریس هؤلاء البدو الرحل وتوفير كل ما يحتاجون إليه من أسباب الراحة.
- كان على الحكومة القيام بتأمين مدارس البدو بجميع ما تحتاج إليه من كتب وأدوات دراسية.
- كان المنهج الدراسي في هذه المدارس نفس منهج الدراسة في المدن والقرى، ولم يتم الحذف منه شيئًا، إلا ما كان يصعب على البدو فهمه فكانوا يستبدلونه بأشياء قريبة من بيئتهم.
- تم توجيه الطفل إلى احترام الحِرف والصناعات؛ ليستطيع عند انتقالة من البادية بأن يؤمن لنفسه حرفه ما.
- كان من يكبر من الطلاب في البادية يتم إرساله إلى مدارس الحضر، وتصرف لهم مستلزمات مالية تعاونهم على العيش فيها، وليستطيعوا استكمال دراستهم وليتموا في إحدى المدارس المهنية أو معاهد المعلمين.
- انتشرت بين هذه البوادي المدارس المتنقلة، وحصل بينها وبين مدارس القرى المجاورة بريد طواف ينقل الرسائل منها وإليها؛ ليخفف من مصاعب الحياة على المعلم.
قام بعض الباحثين في اقتراح أن يكون لهذا النوع من التعليم جهاز خاص به في وزارة المعارف، يقوم في تولي التعميم والمتابعة والتنفيذ، ويعمل أيضًا على الإشراف عليه تربويون مهرة يعرفون البادية وتقاليدها ويقومون بجولات تفتيشية على المدارس المتنقلة هناك. ولقد كان معظم البدو محببون العلم لكن بسبب ظروف حياتهم التي تجعلهم يقومون في الترحال من مكان لآخر لطلب الرزق.
كان بعض مشايخ القبائل البدوية يذهبون إلى الحكومة شخصيًا ويطلبون فتح مدارس في مناطقهم ليتم تعليم أبنائهم وعلى نفقتهم الخاصة، وفي ذلك الوقت حدثت قصة في عام 1378/ 1958 ميلادي قدّم شخص إلى المسؤولين وقام في طلب فتح مدرسة في إحدى البوادي، لكن طلبه تم رفضه؛ ولذلك بسبب عدة ظروف منها مالية وفنية في ذلك الوقت، فانصرف الرجل وعاد بعد يومين وبيده صك من رئيس المحكمة جاء فيه عن تنازله عن ملكية منزله لوزارة المعارف بشرط أن تقام مدرسة، وأضاف أنه على استعداد لقيامه بشراء كل ما يلزم من أدوات مدرسية، وما على وازرة المعارف إلا قيامها في توجیه مدّرس إليهم.
تحدث الأستاذ عبد الكريم الجهيمان عن قصة أخرى تدل على اهتمام الملك سعود في التعليم في تلك المناطق النائية كالقرى وغيرها وهي أنّ الملك سعود قام في تكلف الشيخ حمد الجاسر عندما كان مندوبًا للتعليم في المنطقة الوسطى بأن يعمل جولة في مدن وقرى المنطقة كلها، وأن يفتتح مدراس ابتدائية فيها، ففعل ذلك الشيخ حمد الجاسر، وبسبب قلة أعضاء هيئة التدريس والإدارة لتلك المدارس اضطر أن يجعل من إمام القرية مديرًا للمدرسة.
وقام في جعل المؤذن أستاذًا وكانت تلك أوامر الملك، ويكون بهذه الطريقة قد وضع بداية للمدرسة التي سوف تكبر وتتعاضد مقوماتها بمساعدة وجود الدولة مع الزمن. وقد كان الملك سعود يهتم في أبناء البادية حتى قبل أن يتولى الملك، حيث قام في طلب إلحاق 7 من خريجي مدرسة الصحراء الخيرية بالمعهد العلمي السعودي بالرياض.
كذلك قام الملك سعود في إصدار أوامره في إرسالهم إلى الرياض جواً، وبسبب ذلك الاهتمام قاموا الطلاب في الشكر العظيم والدعاء للملك سعود، وبذلك وصل عدد طلاب مدرسة الصحراء في المعهد العلمي السعودي إلى 12 طالبًا، وفي وقت لاحق قامت في تخريج ۲۱ طالباً من أبناء البادية. ومن هذه الإجراءات يتوضح لدينا مدى اهتمام حكومة جلالة الملك سعود بالعلم والتعليم، وفتح أبواب المعرفة لسكان القرى سواء قبل توليه الحكم أو في أثناء توليه.
تعليم الأيتام:
لقد اهتم الملك سعود في تعليم الأيتام ورعايتهم سواء كانوا بنين أو بنات منذ أن تولى الحكم، وقد زاد ذلك الاهتمام بعد توليه الحكم، حيث أمر جلالته بافتتاح مزید من دور الرعاية للأيتام، عندما علم جلالة الملك بوجود بعض الأيتام بين أفراد شعبه لا عائل ولا معين لهم، قام في إصدار أمره إلى جميع أمراء المقاطعات في المملكة وعلمائها وإلى معالي وزير المالية بأن تقام في المملكة مقرًا للأيتام ينضم بها كل يتيم فقير، أو من لا معين له من أبناء الشعب، ويقوم في الإشراف على هذه الدور في كل مدينة قاضيها وأميرها مع شخص من أهل الخير وكبار الشخصيات.
حيث جاء في الأمر الملكي بأن يكون لكل دار ناظر ومراقب مسؤول عنها وعن طلابها، إضافة إلى عدد من المعلمين الذين يعلمون هؤلاء الأيتام ويقومون في توجيههم إلى الطريق الصحيح، وقام أيضًا بتأسيس لكل دار مصرف مالي لهؤلاء الأيتام؛ ليغطي نفقات المأكل والملبس والكتب والأدوات الكتابية.
الرئاسة العامة لدور الأيتام:
في ذلك الوقت صدر الأمر الملكي الذي ينص على تأسيس الرئاسة العامة لدور الأيتام وذلك في عام 1375/ 1950 ميلادي، فعمل فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة، والمشرف على قطاع الرعاية الاجتماعية على تحديث هذا القطاع وقام في تطوير دائرة خاصة تهتم في رعاية شؤونه، فبدأت الخطوات العملية لتأسيس هذه الإدارة وتم تعين فضيلة الشيخ عبد الله المطلق الشهيد مديرًا لدور الأيتام.
وفي الوقت نفسه استدعى المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ صالح بن سليمان العمري الذي كان متواجداً آنذاك في مكة المكرمة، بعد أن ترك العمل في معتمدية المعارف في القصيم، حيث قام بتعينه نائب المدير العام لدور الأيتام وذلك بتاریخ 1370/ 1995 ميلادي.