التواصل حول الرعاية الصحية في الدول المتقدمة في الأنثروبولوجيا الطبية:
في المراحل الأولى من الأنثروبولوجيا الطبية، كانت معظم اتصالات الرعاية الصحية في البلدان المتقدمة هي موضع تركيز رئيسي لعلماء الأنثروبولوجيا، حيث تناولت دراسة إثنوغرافيا رائدة، وهي دراسة عالمة الأنثروبولوجيا مارغريت كلارك عن تشيكانوس الحضري في سان خوسيه، كاليفورنيا عن الحواجز اللغوية والثقافية التي أعاقت تقديم أنظمة الرعاية الصحية، ومنعت الاختلافات اللغوية وصول شيكانو إلى المعلومات الصحية عبر الهاتف أو عن طريق نداءات العيادات، أو في قراءة الملصقات، أو في فهم تعليمات الأطباء.
إذ كانت جميع المصطلحات التي يستخدمها الأطباء صعبة حتى بالنسبة للناطقين باللغة الإنجليزية، وربما يجد المريض الذي يخطط لفطم طفله تطبيق غلاف صدري محكم وتقييد تناول السوائل، وهو أمر محير وقد يكون المريض خجولًا جدًا ليسأل عن تفسير.
وغالبًا ما يتعارض العلاج الموصوف في العيادات والمصحات مع معتقدات شيكانو بأن المرض يمكن أن يكون ناتجًا عن التعرض للتيارات الهوائية، فالأشخاص الذين يتم علاجهم من السل الرئوي مع استرواح الصدر (انهيار الرئة عن طريق حقن الهواء في الصدر، وبالتالي إراحة الرئة المريضة) كانوا خائفين من الإجراء ومن المحتمل أن يغادروا المستشفى عندما يتم وصفه.
ومصدر آخر لصعوبة التواصل كانت المسافة الاجتماعية بين العملاء والموظفين، وعلى الرغم من أن وضع أطباء وممرضات في العيادات أدى إلى تحسين التواصل، إلا أن الفروق الطبقية ظلت قائمة، وكان المهنيين الصحيين قد انتقلوا إلى مكانة أعلى في سان خوسيه، وحسد سكان باريو واستاء منهم.
وأثبتت الاختلافات أيضًا أنها عائق أمام التواصل بين مقدمو الرعاية الصحية وأسر المرضى ففي دراسة لطب الأطفال في المناطق الحضرية في عيادة في غرب ولاية نيويورك، كان أسلوب الحياة والفروق الطبقية، والافتراضات غير المبررة حول معرفة الوالدين الشروط والإجراءات الطبية، وعدم المتابعة في استخلاص التفاصيل من الوالدين أو في إعطاء توجيهات شاملة كانت كلها عوائق أمام التواصل الجيد.
كما كان هناك اتصال عالي التردد بشكل خاص بين موظفي العيادة والأمريكيين الأصليين، وبالرغم من النقص من المترجمين الفوريين، كانت العائلات البورتوريكية داعمة جدًا للعيادة، وسميت عيادة روبرتو كليمنتي على اسم لاعب البيسبول البورتوريكي الشهير، واستخدموه للرعاية الأولية أكثر بكثير من السود والسكان الأصليين في الجوار.
مفاهيم الحساسية الثقافية والكفاءة الثقافية في الدراسات الأنثروبولوجية:
وتأثرت في العقود القليلة الماضية العيادات بالدراسات الأنثروبولوجية، حيث طور مقدمو الرعاية الصحية والمعلمون مفاهيم الحساسية الثقافية والكفاءة الثقافية في الاتصال، كما توحي المصطلحات. وتعتبر الحساسية لقيم ومعتقدات المرضى خطوة أولى جيدة، ولكن أن يصبح الباحث مؤهلاً للتفاعل بشكل فعال مع الأشخاص من خلفيات متنوعة هو أفضل، ولتحقيق هذه الغاية، قامت عالمة الأنثروبولوجيا والممرضة ماري آن جيزيفسكي اقترح نموذجًا للوسيط الثقافي لمقدمي الخدمات الصحية.
حيث تتضمن الوساطة الثقافية الجسور أو الربط أو الوساطة بين الجماعات أو الأشخاص على اختلاف الخلفيات الثقافية بغرض الحد من الصراع أو إحداث التغيير، ويمكن أن تكون الوساطة الثقافية تعلمت من خلال التجربة والخطأ أثناء النزاعات أو من خلال التعلم الرسمي أو غير الرسمي حول الاختلافات الثقافية قبل نشوء النزاعات.
مثال على الوساطة الثقافية هو محادثة بين مدير مركز جمعية المساعدة المتبادلة للاجئين الكمبوديين الذين استقروا في الولايات المتحدة ومقدم رعاية مهتم بتقديم خدمات الإعاقة من خلال المركز، حيث يذكر السيد مدير المركز أن بعض الناس في مجتمعه لديهم فقدان لأطرافهم بسبب الألغام الأرضية، وكان لدى آخرين كوابيس وذكريات، لكن لا يعتبرهم معاقين لأنهم قادرون على العمل والوفاء بأدوارهم المتوقعة، ولا أحد منهم مجنون أو عنيف.
ثم يحاول الموفر أو الوسيط توضيح أن الإعاقة لها معنى أوسع في الثقافة السائدة ويعطي أمثلة لأشخاص يتمتعون بقدرات مختلفة ولكنهم ما زالوا قادرين على ذلك العمل والعيش بشكل مستقل وبدون مساعدة.
وفي هذه الحالة، يمكن للمترجم أن يقوم بدور الوسيط من خلال تجاوز الترجمات الحرفية للكلمات لشرح المعاني المختلفة للإعاقة للكمبوديين والأمريكيين الشماليين فالسيد مدير المركز سيلعب أيضاً دوره كوسيط ثقافي إذا قرر تقديم خدمات الإعاقة من خلال المركز، وستتاح لمقدم الرعاية فرص للتوسط كخطط لتطوير خدمات جديدة.
الرعاية الصحية للاجئين:
يرى معظم علماء الأنثروبولوجيا الطبية أن الاحتياجات الصحية للاجئين والمهاجرين من بين أكبر التحديات التي تواجه أنظمة الرعاية الصحية الحديثة، حيث أن الاجئ، كما هو محدد في قانون اللاجئين لعام 1980 واستناداً إلى تعريف الأمم المتحدة، هو شخص غير قادر أو غير راغب في العودة إلى بلده أو بلدها بسبب الاضطهاد وبسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو العضوية في مجتمع اجتماعي معين أو جماعة معينة أو رأي سياسي معين.
كما أن اللاجئون هم جزء من فئة أكبر من السكان النازحين، والتي تشمل النازحين من ديارهم بسبب تلك الكوارث البيئية أو الصراع العسكري أو التنمية الاقتصادية ولكنهم ما زالوا يعيشون في بلدهم، وتقديرات أعداد النازحين في جميع أنحاء العالم في عام 2005 شملت 9 ملايين لاجئ، و5 ملايين نازح داخلياً، 1.5 مليون عديمي الجنسية وهم الذين تم ترحيلهم أو حرمانهم من الجنسية، و838 ألف لجوء لطالبي اللجوء، وهم أولئك الذين تقدموا بطلبات للحصول على وضع اللاجئ أو اللجوء ولكن لم يتلقوا قرارًا.
على الرغم من الدول ذات الدخل المرتفع في كثير من الأحيان تعمل كمضيف لإعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث، كحالة الطوارئ الأولية للاستيطان الذي يحدث في البلدان منخفضة الدخل في آسيا وأفريقيا والذين بالكاد لديهم الموارد اللازمة لتوفير الغذاء والرعاية الطبية حتى مع المساعدة من الأمم المتحدة.
كما أن الحرب تؤدي حتماً إلى نزوح الناس من دولهم، على سبيل المثال، خلال خمس سنوات من الحرب مليون ونصف مواطن فروا إلى دول الجوار، وقد أدى ذلك إلى اكتظاظ المدارس والعيادات الطبية في البلدان المضيفة حيث يضع عبئًا ماليًا على اقتصاداتها، وعلى الرغم من أن السياسة خففت قليلاً عام 2007 للسماح بإعادة توطين 7000 شخص ألا أن هذا يعتبر جزء ضئيل من أعداد طالبي اللجوء.
كما يشكل اللاجئون القادمون من بيئات وتقاليد غذائية وأنظمة طبية مختلفة تحديًا لأنظمة الرعاية الصحية في البلدان المضيفة لهم، على سبيل المثال، النازحون الذين نجوا من التعذيب والكوارث الطبيعية والمدنية والحرب يحتاجون إلى مساعدة خاصة للصدمات النفسية والجسدية، مثل النازحون المحتجزين في معسكرات الاعتقال لمدة تصل إلى خمس سنوات، في حين أن دولًا مثل أستراليا الموالية لطلبات لجوئهم، قد يتعرضون للصدمة مرة أخرى بسبب الظروف في المعسكرات.