حركة المازيار اصبهبذ طبرستان:
كانت طبرستان إحدى الأقاليم التي بقيت محتفظة باستقلالها تحت حكم وراثي ويسمى حاكمها الأصبهبذ، إنَّ طبيعة الأرض الوعرة والهضاب المرتفعة، ثم الجبال الشاهقة كانت من أهم الأسباب التي جعلت هذا الإقليم يتمتع باستقلاله، وقد استطاع الخليفة المنصور احتلال الإقليم عسكرياً، بعد محاولة سياسية، وعندها هرب الأصبهبذ وانتحر بعد سقوط آخر معقل في الإقليم ومع ذلك استمرت الاضطرابات في الإقليم إلى أن أسلم بعض الأمراء ومنهم المازيار بن قارن الذي أسلم على يد المأمون وسماه محمداً، وجعله بمرتبة الأصبهبذ بعد أن تعاون مع الوالي العباسي محمد بن موسى على احتلال جبال شروين .الشاهقة
أمّا موقف الخلافة العباسية فقد بدأ بالتغير اتجاه الأصبهبذ، نتيجة للسياسة التعسفية التي انتهجها في حكم الإقليم، فضلاً عن رغبة الخليفة في إنهاء حكم الأصبهيذ، وتعزيز سلطة الدولة على الإقليم، لذلك استدعاه لمقابلته في سمراء، فرفض المجيء وأعلن التمرد والعصيان.
فشل حركة المازيار اصبهبذ طبرستان:
كان للخطة العسكرية التي اتبعت في تطويق إقليم طبرستان أثر كبير في إنهاء الحركة، حيث وجه الخليفة المعتصم ثلاثة جيوش طوقت الإقليم من الغرب والجنوب ووجه عبد الله بن طاهر والي خراسان جيشين طوقت الإقليم من الشرق والجنوب أيضاً، فضلاً عن الموقف البطولي للعرب المستوطنين مما ضعضع معنويات المازيار وأتباعه، احتل الجيش العباسي مدينة (طميس)، المحصنة مما كان له الأثر الكبير في كسر معنويات المازيار.
وبخطة سياسية نجح القائد العباسي من احتلال مدينة (ساريه)، أهم مدن الإقليم، ويلاحظ من خلال الروايات التاريخية أنَّ قطاعات كبيرة من المجتمع الطبرستاني لم تكن تؤيد المازيار وتطلعاته لأنه لا يمثل طموحهم، ورفضوا تنفيذ أوامره بقتل العرب والأبناء، ومهما يكن من أمر فقد ألقي القبض على المازيار وأرسل إلى سامراء وأودع السجن، وحوكم بعد ذلك بحضرة الخليفة المعتصم في عام (225 هجري)، وتوفي بعد ذلك في السجن.
حركة مؤامرة الأفشين خيذر بن كاوس:
أسلم خيذر (الأفشين)، عندما كان المأمون في خراسان، وقدم بعد القائد العباسي معه إلى بغداد، وألحقه الخليفة المأمون بجيش أخيه الأمير أبي إسحاق (المعتصم)، عندما كان والياً على الشام ومصر، ومن هنا بدأت تتوثق علاقة المعتصم مع قائده الأفشين، خصوصاً بعد أن أبدى مهارة عسكرية في قمع الاضطرابات في مصر.
وفي خلافة المعتصم عين قائداً عام للجيش العباسي في أذربيجان لإنهاء الحركة البابكية، وبعد إنهائها كرمه الخليفة بأن ألبسه وشاحين بالجواهر، كما أنه شارك في فتح عمورية، وله دور كبير في إلحاق الهزيمة بالإمبراطور البيزنطي، لقد حظي الأفشين بمكانة كبيرة لدى الخليفة، وتولد لديه طموح في حكم خراسان بدلاً من آل طاهر فضلاً عن ازدياد وتعاظم نفوذه بحيث تجرأ وأرسل أموالاً استولى عليها أثناء الحروب مع البابكين إلى أشروسنة (موطنه الأصلي)، وبشكل خفي ومتكرر.
لقد نجح عبد الله بن طاهر في إقناع الخليفة بتعاون الأفشين مع المازيار وأن تمرد الأخير كان بتشجيع الأول، وفي الفترة نفسها أعلن منكجور الأشروسني (خال ولد الأفشين)، نائب الأفشين على أذربيجان التمرد ضد السلطة العباسية واستولى على أموال كثيرة من دون أن يعلم الخلافة بها، لكن مسؤول البريد فضحه وكتب إلى سامراء بالتفاصيل واقتنع الخليفة بأن تمرد منكجور كان من تخطيط الأفشين.
فبدأ الخليفة يتغير في موقفه من قائده الأفشين، ويفهم من رواية الدينوري أن لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود دوراً في إثارة شكوك الخليفة حول نوايا الأفشين، فأقنع الخليفة بتقسيم الجيش العامل في سمراء إلى قسمين الأول بقيادة أشناس والثاني بقيادة الأفشين بدلاً من إشراف الأفشين لوحده على الجيش المحيط بسامراء، وبعد فترة عزل الخليفة الأفشين عن قيادة حرس قصر الخلافة.
وعندما أحس الأفشين بتأكيد شكوك الخليفة حوله، حاول الهرب إلى أرمينية والجزر وبلاد الترك ومن ثم إلى أشروسنة، لكنه صرف النظر عن هذه الفكرة لصعوبة تنفيذها، ثم خطط لمؤامرة يغتال فيها الخليفة وقواده عن طريق دعوته لوليمة مع القواد الآخرين ووضع السم في الطعام، إلا أنَّ أحد المشتركين في المؤامرة أخبر الخليفة بتفاصيلها، عندها أمر الخليفة باعتقال الأفشين، ثم اعتقل ابنه بعد ذلك بقليل.
عقد الخليفة محكمة من كبار رجال الدولة لمحاكمة الأفشين، ووجهت المحكمة له تهماً عديدة لكنها خلت من كل إشارة إلى مؤامرته الأخيرة لقتل الخليفة، بل ركزت المحكمة على اتهامه في عقيدته وأنه لا يزال متمسكاً بدينه القديم، وأنه يسعى إلى القضاء على الإسلام والخلافة العباسية وقد مات الأفشين في المعتقل بعد ذلك.