السوق كنسق للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتفاعل في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


السوق كنسق للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتفاعل الاجتماعي في الأنثروبولوجيا:

تتسم الأسواق التقليدية بكثافة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وأنماط التفاعل الاجتماعي في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، حيث تبلورت مجموعة من المبادئ الأساسية المتفق عليها بين العاملين بالسوق، تنظم أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية، وتعمل كميكانيزمات لحفظ التوازن داخل السوق. وتشمل هذه المبادئ معايير خاصة بتحديد العلاقات بين العاملين بالسوق بعضهم بالبعض الآخر، وأخرى خاصة بتحديد أنماط العلاقة بينهم وبين رواد السوق من مستهلكين وتجار ووسطاء التجارة.

وتتضمن هذه القواعد: المناداة، المساومة في الأسعار، الاتفاق المسبق على الأسعار، المعايير التي تحدد نمط العلاقة بالمستهلك، استفتاح الجار. وهذا علاوة على اجتماعات الصلح التي ينظمها كبار القائمين بالسوق لحل ما قد يطرأ من صعوبات ومشاكل، من خلال متابعة مدى الالتزام بالقواعد السابقة وردع الخارجين عليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادئ ما زال لأكثرها استمراراً وفاعلية بالسوق حتى الآن، وإن كانت النتائج تؤكد أن أهميتها للسوق بدت أكثر ضرورة في الماضي، حيث كان تماثل السلع والبضائع الذي كان يصل إلى حد التطابق أحياناً يفرض ضرورة وجود مثل هذه الميكانيزمات الثقافية لتجاوز ما قد ينشأ من صراعات.

أما الآن فإن التنوع النسبي في بضائع هذه الأسواق  بالمقارنة بالماضي نتيجة لتنوع مصادر الحصول على البضائع، ومن ثم تباين الأسعار وغير ذلك، أصبحت تشكل أحد الميكانيزمات الجديدة ذات الصبغة الاقتصادية، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع الميكانيزمات التقليدية ذات الطابع الثقافي في الحفاظ على استقرار السوق وتوازنه.

المناداة كنمط من أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية في الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا:

تظهر المناداة كسمة مميزة في الأسواق التقليدية التي يغلب عليها الطابع التجاري، وهي مبدأ أساسي موروث يضمنه العرف السائد بالسوق وحق مكتسب لكل تاجر، حيث يكفل السوق لكل تاجر حق مناداة المارة من زبائن السوق، واجتذابهم، ولفت نظرهم إلى ما لديه من بضائع، حتى وإن لم تكن هي مقصدهم وطلبهم.

وقد أكد الإخباريون أن تعيين هذه الفئة من المنادين من الصبية قديماً كانت تشكل مسألة ضرورية، حيث كانت البضائع محدودة ومتماثلة في مواصفاتها والفروق بينها طفيفة، ومن ثم كانت المناداة أحد الأساليب الهامة لجذب المستهلك.

وجدير بالذكر أن المناداة ما زالت تشكل أحد القواعد الأساسية للتسويق حتى الآن، وهي تظهر بشكل واضح الآن في الأسواق التي يغلب عليها الطابع التجاري ويقوم بها الصبية والشباب من الذكور بشكل خاص، وعادة ما يتم النداء أمام المتاجر وحولها ولا تتعداها إلى مداخل السوق كما كان يحدث قديماً.

المساومة كنمط من أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية في الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا:

تؤكد الملاحظات أن المساومة في الأسعار تشكل أحد القواعد الأساسية التي تحكم عمليات التفاعل والعلاقات الاجتماعية في كافة الأسواق موضوع الدراسة كالعطارين حيث تتحول المساومة فيه إلى طلب زيادة طفيفة في الوزن أو في كمية السلعة المباعة، ويتم إضافتها بعد الوزن كنوع من إرضاء المشتري وجذبه، حتى في سوق الذهب يلاحظ المساومة على سعر تكلفة الإنتاج المصنعية.

وجدير بالذكر أن مبدأ المساومة في الأسعار يبدو كظاهرة مميزة للأسواق التقليدية. إن عملية إتمام شراء السلعة تتطلب من الوقت والصبر الكثير، حيث يظل التاجر والمشتري في محاورات وإشارات ومشاحنات حول سعر السلعة إلى أن يتم تبديل السعر بإرضاء الطرفين. وفي بعض الحالات التي يصـر فيها التاجر على كلمته فإن المشتري ينصرف بعيداً، بينما يحاول البائع إخفاء استعداده لتقديم مزيد من التنازلات، وفي النهاية قد يقبل البائع سعراً أقل مما طلب.

استفتاح الجار كنمط من أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية في الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا:

أشار الإخباريون إلى أن استفتاح الجار يشكل أحد المبادئ الأساسية التي كانت تسود بالسوق قديماً، وهو من أكثر المبادئ التي تشهد تراجعاً الآن. ويقصد باستفتاح الجار إتاحة الفرصة للتاجر المجاور، الذي يعمل عادة في نفس النوع من التجارة، لكي يبيع ويتكسب حد أدنى من المبيعات، تضمن له الوفاء بحاجاته الأساسية، حتى وإن تم ذلك على حساب تاجر آخر قد حقق هذا الحد الأدنى من المبيعات.

ويتضمن هذا المبدأ إشارة إلى مدى الوعي بحركة البيع والشراء داخل السوق وفي المتاجر المجاورة، كما يعكس أيضاً بعض القيم المتعلقة بحسن معاشرة الجار والتضامن الاجتماعي. ويعد هذا النمط من أنماط العلاقات بين الحرفيين أحد السمات المميزة للعلاقات الحرفية في الأحياء التقليدية من المجتمع.

وتم الكشف عن بعض القيم الاجتماعية والثقافية التي تؤدي دوراً وظيفياً في دعم هذه المبادئ، ومن ثم تعمل على توازن واستقرار العلاقات داخـل السوق. وفي مقدمة هذه القيم القناعة والرضا ومفهوم الرزق، حيث ينظر التجار إلى المتجر الذي يشهد رواجاً وازدهاراً في حجم مبيعاته على أنه “رزق ” وأن هذا الرزق مقسوم لا حيلة لأحد فيه، وأحياناً يربطون بين هذا الرزق ومكان العمل، وكلها مفاهيم تؤدي دوراً وظيفياً في حفظ توازن واستقرار السوق.

العلاقة بالمستهلك كنمط من أنماط التفاعل في الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا:

يتحدد نمط العلاقة بين التاجر والمستهلك وكيفية التعامل معه أثناء عمليات البيع والشراء في ضوء مجموعة من الاعتبارات كشفت عنها الدراسة الحقلية الأنثروبولوجية، وتتمثل هذه الاعتبارات فيما يلي:

• خبرة التجار ووعيهم الكامل بالسوق وآلياته من عرض وطلب وأسعار.

• خبرة التجار المكتسبة حول سيكولوجية المستهلك، والتي يتم في ضوئها تحديد ما إذا كان المستهلك راغباً في الشراء أو عازفاً عنه.

• حجم ونوع المبيعات التي يطلبها المستهلك، ونسبة تردد المستهلك على السوق والمتجر.

وتشير النتائج في هذا الصدد إلى ارتفاع نسبة الوعي بين العاملين بالسوق حول أنواع البضائع المتوفرة، وأماكن توافرها، وأي المتاجر تتوافر فيه بضائع معينة، وأيها قد نفذت منه. وتلك معلومات تتجدد بشكل مستمر ودائم خلال عمليات البيع والشراء وفي ضوء هذه الخبرة والدراية الكاملة بإمكانات السوق يتحدد أسلوب التعامل مع المستهلك.

وقد أشار الإخباريون إلى أن هذا النمط من التعامل والعلاقات يضمن التردد الدائم للمستهلك على المتجر، بل إن بعضهم أشار إلى أن هذه العلاقات عادة ما يترتب عليها قيام المستهلك بنفسه بجذب مزيد من المستهلكين من أقاربه ومعارفه لنفس المتجر، حتى يصبح لكل متجر رواده، ممن يرتبطون معه بعلاقات القرابة أو علاقات جيرة أو غيرها. وتلك سمة أكد الإخباريون أنها كانت أكثر شيوعاً في الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التفاعل بين الباعة والمستهلكين التي تتم خلال عمليات الشراء داخل هذه الأسواق قد يتخللها حوار ومناقشات، حول موضوعات أخرى غير البيع والشراء والأسعار، تماماً كتلك العلاقات التي تتم بين المنتجين والتجار داخل السوق وتتخطى حدود العمل والإنتاج، وتتطرق إلى موضوعات أخرى. وتلك سمة أخرى من سمات الأسواق التقليدية، حيث تمتزج فيه الأنشطة الاقتصادية بكل مظاهر المجتمع لتبدو في النهاية كعالم متكامل في ذاته.

وتكشف تعليقات الإخباريين عن جانب من القواعد والأعراف المتفق عليها في السوق، كما تكشف عن بعض أشكال التفاعل والعلاقات الاجتماعية التي تتم في إطار السوق، والتي يتضح من خلالها الوعي الكامل بالبضائع الموجودة في كل متجر، واحتمالات رفع أو خفض الأسعار فيه، وأشكال العلاقات بين التجار، التي تظهر فيها أنماط من الصراع والمصادمات، بالرغم من أنماط التكامل والتضامن.

كما تكشف أيضاً عن حقيقة هامة تتعلق بخصوصية أنماط التفاعل مع المستهلكين داخل السوق، وما تتميز به من تلقائية وبساطة، حتى يبدو التجار والمستهلكين على السواء كجماعات اجتماعية، يحدث بينها قدر من التفاعل الاجتماعي أثناء عمليات البيع والشراء.


شارك المقالة: