المجتمع العثماني الكلاسيكي

اقرأ في هذا المقال


طبقات المجتمع العثماني:

كانت هناك ثلاث سمات أساسية للانتماء إلى الطبقة الحاكمة العثمانيّة: مهنة الولاء للسلطان ودولته، قبول وممارسة الإسلام ونظامه الأساسي في الفكر والعمل؛ ومعرفة وممارسة نظام العادات والسلوك واللغة المعروف بالطريقة العثمانيّة، أولئك الذين يفتقرون إلى أي من هذه الصفات اعتبروا من عامة الشعب.

استند الحراك الاجتماعي (وهو انتقال الأفراد من مستوى طبقي إلى آخر) إلى امتلاك تلك السمات القابلة للتحديد والتحقيق، كان الرعايا قادرين على اكتسابها وبذلك يُمكن أنّ يرتقوا إلى الطبقة الحاكمة، وأصبح العثمانيون الذين يفتقرون إلى تلك الصفات، أعضاء في الطبقة الخاضعة، اعتبر أعضاء الطبقة الحاكمة عبيد السلطان واكتسبوا مكانة سيدهم الاجتماعية، وكعبيد، كانت ممتلكاتهم وأرواحهم وأشخاصهم تحت تصرفه بالكامل.
كانت وظائفهم الأساسية هي الحفاظ على الطبيعة الإسلامية للدولة وحكم الإمبراطوريّة العثمانيّة والدفاع عنها، حسب النظام العثماني، كانت السمة الرئيسيّة لسيادة السلطان هي حق امتلاك جميع مصادر الثروة في الإمبراطوريّة، وبالتالي، كانت وظيفة توسيع هذه الثروة وحمايتها واستغلالها لمنفعة السلطان ودولته هي الواجب الأساسي للطبقة الحاكمة، ويقوم الرعايا بإنتاج الثروة عن طريق زراعة الأرض أو الانخراط في التجارة والصناعة ثمّ دفع جزء من الأرباح الناتجة للطبقة الحاكمة في شكل ضرائب.

أنواع المؤسسات في الإمبرطورية العثمانية:

تمّ تطوير المنظمات والتسلسلات الهرميّة من قبل الطبقات الحاكمة والخاضعة للقيام بوظائفها في المجتمع العثماني، قسمت الطبقة الحاكمة نفسها إلى أربع مؤسسات وظيفيّة:
1- الإمبراطورية، أو القصر (الملكيّة):

وهي مؤسسة يقودها السلطان شخصيًا، وهي التي توفر القيادة والتوجيه للمؤسسات الأُخرى وكذلك للنظام العثماني بأكمله.
2-المؤسسة العسكريّة (السيفيّة أو العسكريّة):


وهي المؤسسة التي كانت مسؤولة عن توسيع الإمبراطوريّة والدفاع عنها والحفاظ على النظام والأمن داخل سيطرة السلطان.

3- المؤسسة الإداريّة أو الكتبة (kalemiye):


وتُسمى خزينة الإمبراطوريّة (Hazine-i amire)، وهي المؤسسة التي كانت مسؤولة عن جمع وإنفاق إيرادات الإمبراطوريّة.
4- المؤسسة الدينيّة أو الثقافيّة (العلميّة):


وهي المؤسسة التي تتألف من العلماء (خبراء مسلمين في العلوم الدينيّة)، وهي المؤسسة التي كانت مسؤولة عن تنظيم ونشر العقيدة والحفاظ على الشريعة الدينيّة وفرضها (تفسيرها في الشريعة) المحاكم وشرحها في المساجد والمدارس ودراستها وتفسيرها.

المجتمع العثماني (الرعية):

لتغطية مجالات الحياة التي لا تدخل في نطاق الطبقة الحاكمة للعثمانيين، سُمح للسكان الخاضعين لحكم الدولة بتنظيم أنفسهم كما يرغبون، كمظهر طبيعي لمجتمع الشرق الأوسط، تمّ تحديد تنظيمهم إلى حد كبير من خلال الفروق الدينيّة والمهنيّة.
تمّ تحديد التقسيمات الطبقيّة الأساسية على أساس الدين، حيث يتمّ تنظيم كل مجموعة مهمة في مجتمع ديني مُستقل نسبيًا قائم بذاته يسمى عادةً الدخن (أيضًا تايف أو سماات)، والتي تعمل وفقًا لقوانينها وعاداتها الخاصة وكانت موجهة من قبل زعيم ديني مسؤول أمام السلطان، عن أداء واجبات ومسؤوليات أعضاء الملل، لا سيما تلك المتعلقة بدفع الضرائب والأمن، بالإضافة إلى ذلك، اهتم كل مل بالعديد من الوظائف الاجتماعيّة والإداريّة التي لم تتولاها الطبقة الحاكمة العثمانيّة، فيما يتعلق بأمور مثل الزواج والطلاق والولادة والوفاة والصحة والتعليم والأمن الداخلي والعدالة.
داخل المليت، تمامًا كما في المجتمع العثماني ككل ، كان هناك حراك اجتماعي، حيث يتحرك الأشخاص صعودًا وهبوطًا على السلم حسب القدرة والحظ، يمكن للأفراد أنّ ينتقلوا من دخن إلى آخر إذا رغبوا في التحول ولكن نظرًا لأنّ كل الملل كانوا مُعاديين للغاية تجاه أولئك الذين تركوهم ليتحولوا إلى دين آخر، فقد أحبطت الدولة مثل هذا الإجراء قدر الإمكان للحفاظ على الانسجام والهدوء الاجتماعي.


كان الغرض من نظام الملل هو إبقاء شعوب الإمبراطورية العثمانيّة، مُنفصلة من أجل تقليل الصراع والحفاظ على النظام الاجتماعي، لكن الكراهية المسيحيّة للمسلمين واليهود أدت إلى توتر وتنافس دائمين بين مختلف الملل، حيث تعرض اليهود لهجمات “تشهير الدم” ضد أشخاصهم ومحلاتهم ومنازلهم من قبل رعايا السلطان اليونانيين والأرمن.
اشتدت تلك الهجمات خلال الأسبوع الذي سبق عيد الفصح، عندما انغمس اليونانيون والأرمن في جنون بسبب الاتهامات القديمة، التي اخترعتها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في العصور القديمة، بأنّ اليهود قتلوا أطفالًا مسيحيين من أجل استخدام دمائهم في الطقوس الدينيّة، تدخل السلطان لتوفير الحماية لرعاياه اليهود قدر الإمكان، ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من جنوده كانوا مسيحيين تحولوا إلى الإسلام وبذلك احتفظوا بالكراهية التي غرست في طفولتهم، مما جعل هذا التدخل صعبًا.
نظم الرعايا العثمانيون أنفسهم أيضًا بالوظيفة الاقتصاديّة في نقابات، وقد نظمت هذه النقابات الأنشطة الاقتصاديّة، ووضعت معايير الجودة والتسعير التي كان على أعضاء النقابة الحفاظ عليها من أجل الاستمرار في وظائفهم.
في معظم الحالات، احتكر أعضاء من الملل الواحد مهن معينة، ولكن في بعض المهن التي يمارسها أعضاء من ديانات مُختلفة، كانت عضويّة النقابة تتخطى الحدود الدينيّة، وتنضم إلى أعضاء من ديانات مختلفة في منظمات مشتركة لا تعتمد على الطبقة أو الرتبة أو الدين ولكن على القيم والمعتقدات المُشتركة والأنشطة الاقتصاديّة والاحتياجات الاجتماعيّة.
من خلال الاتصال والتعاون في مثل هذه النقابات، تمّ ترسيخ أعضاء الجماعات المختلفة من المجتمع العثماني في نظام مُشترك، وأداء العديد من الوظائف الاجتماعيّة والاقتصاديّة خارج نطاق الطبقة الحاكمة والدخن، ولا سيما تلك الوظائف المُرتبطة بالتنظيم الاقتصادي و الضمان الاجتماعي.
في العديد من الحالات، ارتبطت النقابات أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالأوامر الدينيّة الصوفيّة، والتي – توفر تجربة دينيّة شخصية أكثر من تلك التي قدمتها المنظمات الدينيّة الإسلاميّة وغير الإسلاميّة الراسخة – هيمنت على المجتمع العثماني في قرون من التدهور.

ما هي أهم وحدة تابعة للإمبرطورية العثمانية؟

داخل الطبقة الحاكمة العثمانيّة، كانت المقاطعة هي أهم وحدة تنظيم وعمل، حيث يُمنح عضو من الطبقة الحاكمة جزءًا من إيرادات السلطان إلى جانب سلطة استخدام الإيرادات للأغراض التي حددها السلطان كانت الطبيعة الدقيقة للمكايعة تعتمد على نسبة الإيرادات التي يحولها صاحبها إلى الخزينة والنسبة التي يحتفظ بها لنفسه، تمّ العثور على ثلاثة أنواع من المكاتى: تِيمار، إيمانيتس، إلتزامات.

التيمار: الذي يوصف تقليديا على أنّه إقطاعيّة ، فقط بشكل سطحي يشبه الإقطاع الأوروبي، كان جزءًا من نظام مركزي ولم يتضمن الحقوق والالتزامات المتبادلة التي ميزت الإقطاع في الغرب، في مقابل الخدمات المقدمة إلى الدولة، حصل صاحب التيمار على كامل أرباح مصدر الدخل لاستغلاله الشخصي وربحه؛ كانت تلك الأرباح مستقلة، بالإضافة إلى تلك المرتبطة باستغلال التمر نفسه.
بالنسبة للعديد من المناصب العسكريّة والإداريّة، كانت تُمنح الجمرات عادةً بدلاً من الرواتب، مما يخفف على الخزينة عناء وتكاليف تحصيل الإيرادات وصرفها على موظفيها كرواتب، تمّ توزيع جميع الفتوحات العثمانيّة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر تقريبًا في جنوب شرق أوروبا على شكل تيمار على ضباط الجيش، الذين تولوا في المقابل المسؤوليّة الإداريّة في وقت السلم، وقدموا جنودًا وقيادة عسكريّة للجيش العثماني في الحرب، كما تمت مكافأة العديد من ضباط الحكومة المركزيّة بوقت بدلاً من الرواتب التي تُصرف من الخزينة أو بالإضافة إليها.

(“الوصاية”)Emanet: كان هذا الشكل أقل شيوعًا من المقاطعة، هو التي يحتفظ بها Emin (“الوصي” أو “الوكيل”)، على عكس حامل التيمار، كان الأمير يحوّل جميع عائداته إلى الخزينة ويتمّ تعويضه بالكامل بالراتب، وبالتالي كان أقرب معادل عثماني للمسؤول الحكومي الحديث، كان الأساس المنطقي القانوني لهذا الترتيب هو أنّ الأمين لم يقم بأي خدمة إضافية بخلاف إدارة المقاطعة وبالتالي ليس له الحق في المُشاركة في أرباحها، تُستخدم أجهزة emanets بشكل أساسي في الجمارك الحضريّة وشرطة السوق، وكانت تخضع للإشراف الدقيق من قبل الحكومة المركزيّة ووكلائها ولم تكن بحاجة إلى دافع الربح لضمان الكفاءة من جانب أصحابها.

ماهو أساس القانون العثماني؟

اعتمدت الأسس القانونيّة والعرفيّة للتنظيم والعمل في المجتمع العثماني على نظام قانوني مزدوج وهو: الشريعة أو القانون الديني الإسلامي، والقانون، أو القانون المدني، كانت الشريعة هي القانون الأساسي للمجتمع العثماني كما كانت بالنسبة لجميع المجتمعات الإسلاميّة.
تُعتبر الشريعة مجموعة من القواعد الدينيّة التي تنظم الأنظمة والمبادئ السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، وكان القصد من الشريعة تغطية جميع جوانب الحياة للمسلمين، واعترف القضاة المسلمون في الإمبراطوريّة العثمانيّة بحق السلطان في التشريع في القوانين المدنية، طالما أنّه لا يتعارض مع الشريعة بالتفصيل أو المبدأ لذلك، قدمت الشريعة مبادئ القانون العام وغطت مسائل السلوك الشخصي والأحوال الشخصية في الملل الإسلامية بنفس الطريقة التي كان أعضاء الملل المسيحيّة واليهوديّة يخضعون لها لقواعدهم الدينيّة الخاصة.
تمّ تفسير وتطبيق الشريعة من قبل أعضاء المؤسسة الثقافيّة (العلماء) تمامًا كما تمّ تطبيق قوانين كل مل غير مسلم من قبل قادتها، يحق لأعضاء العلماء الذين فسروا القانون في المحاكم، والذين يُطلق عليهم اسم “القضاة” ، وكذلك الفقهاء الذين يُدعون المفتين، إبطال أي قانون علماني يرون أنّه يتعارض مع الشريعة.
تجدر الإشارة إلى أنّه مع النطاق المحدود للطبقة الحاكمة العثمانيّة والدولة والمناطق الواسعة من السلطة والوظيفة التي تُركت للطوائف الدينيّة والنقابات والمسؤولين العثمانيين، لم يكن السلاطين أبدًا مستبدين، كما تمّ افتراضه، فقط في القرن التاسع عشر جعل الإصلاحيون العثمانيون الحكومة والمجتمع مركزيّة على أُسس غربية، وقيّدوا أو أنهوا الحكم الذاتي التقليدي الذي فعل الكثير لإلغاء مركزية السلطة في القرون السابقة.


شارك المقالة: