تجاهل المنحى السلوكي للشعور والتفكير في خطة تعديل السلوك

اقرأ في هذا المقال


تجاهل المنحى السلوكي للشعور والتفكير في خطة تعديل السلوك:

إن المعالج السلوكي يعتقد أن معظم السلوكيات الإنسانية تتأثر بالمتغيرات البيئية، وأنه يهتم بدراسة السلوكيات القابلة للملاحظة المباشرة، وبالطبع يختلف هذا الاتجاه جذرياً عن الاتجاهات السائدة في علم النفس.

فكما هو معروف تقوم نظريات علم النفس التقليدية الداخلية على افتراض أن سلوك الإنسان وظيفته القائمة لا حصر لها تقريباً، ومن العوامل النفسية الداخلية كالقناعات والحاجات والشعور والتفكير وغيرها، وتسمى هذه العوامل في علم النفس بالعوامل المفترضة أو العوامل الوسيطة؛ لأنه لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر، ولأنه يفترض أنها حلقة وصل بين الحوادث السابقة والسلوك الحالي.

ولقد دفع تركيز السلوكية على السلوكيات الظاهرة ببعضهم إلى اتهامها، بأنها تنكر وجود العمليات النفسية والعقلية الداخلية أو السلوكيات الخفية صحيح، وأن السلوكي بيدي تحفظاً شديداً على الدور الذي تسنده نظريات علم النفس لهذه العوامل في تشكيل السلوك، ولكنه لا يشك في وجودها إطلاقاً.

فهو يرى أن التفسيرات المعتمدة عليها تدور في حلقات مفرغة، فهذه التفسيرات ليست أكثر من تلاعب بالألفاظ في أكثر الأحيان، إذ إنها لا تشتمل على أكثر من تعريف للظاهرة، فنحن مثلاً قد نقول إن فلاناً يقضم أظافره؛ لأنه متوتر، وإذا سُئلنا كيف عرفنا أنه متوتر؛ نقول لأنه يقضم أظافره أو قد نقول أن فلاناً يتشاجر بشكل متواصل مع الآخرين؛ لأنه عدواني.

إن المشكلة في مثل هذه التفسيرات هي رائجة في علم النفس، وفي حياتنا اليومية أنها ببساطة لا تفسر شيئاً، فالسلوك الظاهر أي التشاجر مع الآخرين مثلاً قد عزي إلى حالة نفسية داخلية لا يمكن ملاحظتها العدوانية، وبهذه الحالة افترضنا وجودها من ملاحظتنا للسلوك الظاهر أي التشاجر مع الآخرين.

الوصف والتفسير عند السلوكيين:

فما تشتمل عليه هذه التفسيرات فعلاً هو مجرد وصف أو إعطاء اسم للسلوك، وهناك فرق شاسع طبعاً بين الوصف والتفسير  أي تحديد الأسباب، إن هذه التفسيرات كما يعتقد السلوكي غير منطقية، ولهذا فهو يسميها التفسيرات الخيالية، فهي لا تفسر شيئاً بل أنها ذاتها بحاجة إلى تفسير.

وأهم من ذلك، فهي تشكل حاجزاً في وجه التفسيرات الحقيقية، وهذا ما يعترض عليه السلوكيون، إن الادعاء بأن السلوكيين ينكرون وجود المشاعر أو الأحاسيس أو الأفكار أو الخصائص الأخرى الحياة العقلية، بحاجة إلى قدر كبير من الإيضاح.

طبيعة ما يشعر به الإنسان عند السلوكية:

فالسلوكية لا تنكر إمكانية ملاحظة الذات أو معرفة الذات أو الفوائد التي قد تنجم عن ذلك، ولكن ما تتساءل عنه السلوكية هو طبيعة ما يشعر به الإنسان أو يلاحظه وبالتالي ما يعرفه، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن السلوكية تنكر وجود العمليات النفسية الداخلية أو تقلل من أهمية دراستها.

فقد أكد (سكنر) أن أي نظام لتحليل السلوك يهمل هذه الحقائق، هو نظام ناقص حقاً، إلا أنه يعتقد في الوقت نفسه أن الانهماك في البحث عن أسباب نفسية وعقلية للسلوك، لا يمكن ملاحظتها أو ضبطها بشكل مباشر، وهذا ما تفعله نظريات علم النفس التقليدية، قد أدى إلى القفز عن دور المتغيرات التي يمكن ضبطها بشكل مباشر المتغيرات البيئية، وبالتالي ضبط السلوك.

ويمكننا تلخيص موقف السلوكية من العوامل النفسية المفترضة على النحو التالي، إن من الخطأ أنكار وجود السلوكيات الخفية الحالات النفسية الداخلية أو تجاهل أهمية دراستها بدافع أنها غير قابلة للملاحظة بشكل مباشر.

ففي جسد كل إنسان منا تحدث إثارة خاصة، ورغم أنه لا يمكن لأحد منا ملاحظة ما يحدث من عمليات نفسية داخل جسد الآخرين بشكل مباشر، إلا أن الإنسان قادر على ملاحظة ذاته، ويجب أن يشتمل أي نظام لتحليل السلوك الإنساني على ذلك.

يعتقد (سکنر) أن استخدام المفاهيم العقلية لتفسير السلوك قد ينطوي على أخطار كبيرة، فهذه المفاهيم نفسها تصبح التفسير، وفي الحقيقة فهي لا يمكن أن تكون تفسيرات حقيقية؛ لأنها هي نفسها بحاجة إلى تفسير.

فإذا قلنا أن الإنسان يفعل الأشياء “رغبات الهو” غير المنطقية أو بسبب أفكار الأنا المنطقية أو بسبب قيم الأنا العليا الأخلاقية، فالسؤال الذي يبقى دون جواب هو من أين أتت هذه الرغبات والأفكار والقيم؟ وكيف تطورت؟ إن هذا السؤال يرجع التفسير إلى المتغيرات البيئية مجموعة الخبرات التي مر بها الشخص، أو إلى بعض العوامل الجينية.

دور علم وظائف الأعضاء الفسيولوجيا عند السلوكية:

والسلوكي يعتقد أن لعلم وظائف الأعضاء الفسيولوجيا دوراً كبيراً في تفسير ما يحدث داخل الجسد الإنساني، وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من علماء النفس يعتبرون أنفسهم من أتباع السلوكية، قد ابتدأوا حديثا بتطوير الاستراتيجيات المناسبة لدراسة السلوكيات الخفية ضمن النموذج السلوكي المعروف حالياً باسم تعديل السلوك المعرفي.

وإن كون السلوك خفياً لا يعني أن يتكون من مادة خاصة، ولكنه يبقى سلوكاً مثله في ذلك مثل السلوك الظاهر والسلوك الظاهر، وإن كان يتبع السلوك الخفي في كثير من الأحيان، ليس تعبيراً عن السلوك الخفي بالضرورة، ولا هو نتيجة له فكلاهما سلوك، وكلاهما يخضع للقوانين نفسها يتأثر بالظروف البيئية.

فإذا حاول أحدناً الاتصال تليفونياً بصديقه لسبب هام، ففوجىء بأن الهاتف قد تعطل فهو قد يغضب مثلاً، ولنفترض أنه ضرب التليفون، فإذا سألنا أحد لماذا ضرب ذلك الشخص التليفون؟ على الأغلب أننا سنقول؛ لأنه شعر بالإحباط.

ورغم أننا نكتفي بهذا التفسير عادة إلا أنه حقيقة لا يكفي، فنحن لا نزال أنه شعر بحاجة إلى الإجابة عن السؤال، ولماذا شعر الشخص بالإحباط أصلاً؟ والحقيقة هي بالإحباط لأن سلوكه الاتصال هاتفياً لم يعزز أي أنه لم يستطيع التحدث مع صديقه.

بمعنى آخر، فالشخص ضرب الهاتف وشعر بالإحباط أيضاً نتيجة لعدم التعزيز، هذا هو ببساطة موقف السلوكي من الشعور، فالشعور بالنسبة له ليس سبباً للسلوك، وإنما نتيجة من نتائجه، فالأصل هو نتائج السلوك احتمالات التعزيز.

ومعظم التفسيرات التي نقدمها للسلوك في حياتنا اليومية، والتي تقدمها نظريات علم النفس في كثير من الأحيان ليست تفسيرات، فنحن مثلاً قد نفعل شيئاً معيناً فإذا سئلنا لماذا فعلت ذلك؟ نقول لأنني شعرت أن ذلك هو التصرف اللائق أو لأني أعرف أن مثل هذا الموقف يتطلب مثل هذا التصرف.

ولكن تصرفنا وشعورنا وظيفة لنتائج السلوك في السابق، فطبيعة شعورنا نحو ما يفعله الآخرون لنا تعتمد على أثر سلوكهم فينا، وطبيعة شعورنا نحو ما نفعله لهم تعتمد على ردود أفعالهم سلوكهم، فنتائج السلوك هي التي تشكل كلا من السلوك والشعور فينا، إن الجواب المناسب لمثل هذه الأسئلة، هو ذاك الذي تقدمه البحوث العلمية.

والبحوث العلمية أوضحت إمكانية تعديل السلوك من خلال ضبط المتغيرات البيئية لا النفسية الداخلية، فإذا تبين لنا مرة بعد أخرى من خلال البحوث العلمية، أن ضبط العوامل البيئية الخارجية يمكننا من ضبط السلوك بشكل فعال، ألا تصبح الحاجة إلى البحث عن الأسباب النفسية الداخلية المفترضة أقل.


شارك المقالة: