بنو بويه من بلاد الديلم إلى العراق:
حدد الأصطخري بلاد الديلم بقوله: وأما الديلم وما يتصل يها: فمن جهة الجنوب قزوين والطرم وشيء من أذربيجان وبعض الريّ، وما يتصل بها من جهة المشرق بقية الريّ وطبرستان، ويتصل بها من جهة الشمال بحر الخزر، ومن جهة المغرب شيء من أذربيجان وبلدان الران، وقد ضممنا إلى ذلك ما يتصل يها من جبال الرويخ وفادوسبان وجبال قاران وجرجان.
ثم يقول: أما الديلم فإنها سهل وجبل، وأما السهل فهم الجيل، وهم مفترشون على شط البحر تحث جبال الديلم، وأما الجيل فللديلم المحض، وهي جبال منيعة، والمكان الذي يقيم به الملك يُسمى روذبار، وبه يقيم آل جستان، ورياسة الديلم فيهم.
ويحدد ابن الوردي جبال الديلم بقوله: يتكون من ثلاث جبال كبيرة وأهلها يتحصنون بها، فمن أسماء الجبال فمنها يُدعى تردوسيان والثاني يُدعى المرونج والثالث يُدعى واران، أما الجبل الذي يستقر به الملك يُدعى الكروم وبه رياسة الديلم ومقام آل حسان وبهذا الجبل والأولين فيه أمم عظيمة من الديلم الْجبل وهي كثيرة الغياض والشجر والمطر وهي في غاية الخصب ولها قُرى وشعاب كثير.
على أن منطقة الديلم في أيام حاكم البويهيين كانت تتكون من جيلان وطبرستان وجرجان وقومس، ثم تجزئت هذه البلاد عن الديلم وضلت مستقلة، وأضحت المنطقة الجبلية هي الديلم، وصار السهل وهو المنطقة الساحلية على بحر الخزر جيلان، أى رجع الأمر الى ما قبل سلطان البويهيين.
وقد حدد الأستاذ الخضري منطقة الديلم بأنها مناطق تقع في الجنوب الغربي من شاطىء بحر الخزر، سهلها للجيل وجبالها للديلم، وقصبتها روزبار، وتعرف أيضاً ببلاد جيلان ويعرفها جورجي زيدان بأنها وراء خراسان.
ويقول ابن حوقل في الديلم: (وزعم أبو بكر محمد بن دريد أن الديلم طائفة من بني ضبة)، ثم يصفهم فيقول: (وهم أهل زرع وسوائم وليس عندهم من الدواب ما يستقلون بها. ولسانهم منفرد عن الفارسية والرانية والأرمنية، وفي بعض الجيل فئة وطائفة تخالف لسان الجيل والديلم. والغالب على خلقهم النحافة وخفة الشعر والعجلة والطيش والبدار وقلة المبالاة والاكتراث. وكان الديلم أكثر أيام الإسلام كُفاراً يُسمى رقيقهم الى أيام الحسن بن زيد بن محمد بن اسماعيل بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
الحركات في العصر البويهي:
لقد دخلت هذه البلاد في حوزة المسلمين ابان حركة الفتوحات الكبرى في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، ولكنها ظلت على وثنيتها. وكان الديلم يمّتازون بالشجاعة التي أكسبتها اياهم طبيعة بلادهم الجبلية الوعرة. وتجاور بلادهم بلاد طبرستان التي دان أغلب سكانها بالاسلام، وكان بينهما رغم الخلاف في العقيدة سلّم وموادعة.
وبعد أن خمدت ثورة محمد النفس الزكية في الحجاز بقتله في سنة (145 هجري)، والتي نجا من القتل فيها أخواه ادريس بن عبد الله الذي فرَّ إلى بلاد المغرب، ويحيى بن عبد الله الذي فرَّ إلى بلاد الديلم، وفي عهد الخليفة العباسي المستعين بالله (248 – 251 هجري)، كان ظهور الحسن بن زيد بطبرستان، وصاحب ظهور الحسن بن زيد تطور جديد في علاقة الديلم بالدولة والدين.
وتفصيل ذلك أن محمد بن عبد الله ابن طاهر المستعين بالله ظفر بيحيى بن عمر الذى خرج يدعو للرضا من آل محمد وسبب للخلافة العباسية قلقاً شديداً، حتى أنه تمكن من دخول الكوفة والاستيلاء عليها وعلى بيت مالها؛ فكافأ المستعين محمد بن عبد الله بن طاهر بقطائع كانت إحداها قرب ثغرى طبرستان من نواحى الديلم وهما كلار وسالوس، وعنذما أراد محمد بن عبد الله أن يتسلم تلك الاقطاعات ويتسلم مرافقها التابعة لها، رفض أهل المنطقة تسليمها وذلك بسبب سوء سيرة سليمان بن عبد الله بن ظاهر عامل طبرستان وسوء سيرة أولادة.