دراسة أنثروبولوجيا الشباب:
شغلت مواضيع الشباب ومشاكلهم الشّعار والفلاسفة والناس من جميع الأعمار، وألهمت أيضًا مجالًا حيويًا من الدراسة في الأنثروبولوجيا يكون وثيق الصلة وذو مغزى بالنسبة للتعلم والتدريس، وفي الواقع إذا كانت اهتمامات الشباب تخص الجميع، فعندئذ يبدو الآن وقتًا ملحًا بشكل خاص للاهتمام بالشباب الذين ظهروا بشكل كبير في الحركات الأخيرة للتغيير السياسي والاقتصادي، والهجرة داخل وعبر الحدود، ولحظات الأزمات والدقة.
وشهدت دراسات الأطفال والشباب حاليًا طفرة نمو كبيرة عبر مجالات الأنثروبولوجيا الأربعة، حيث إنها تتتبع تاريخًا طويلًا من الاهتمام التأديبي وتحديد وإعادة تعريف المصطلحات التي يفهم من خلالها الأطفال والشباب وماذا ومن هم، وفي الماضي كان الاهتمام بالأطفال والشباب متجذرًا في فهم الطفولة والشباب كأعمار ومراحل التطور البشري التي تُوجت بالنضج النفسي والاجتماعي لمرحلة البلوغ، وفي الواقع يذكر أن عالم الأنثروبولوجيا إدوارد تايلور في أواخر القرن التاسع عشر ساوى بين هذا التقدم الظاهر من الطفولة إلى البلوغ بالأفكار السائدة آنذاك حول تقدم البشرية من الوحشية إلى الحضارة وزعم أن الهمجي هو ممثل لطفولة الجنس البشري.
ومن منظور الأنثروبولوجيا البيولوجية تتميز الطفولة والمراهقة البشرية عن الرئيسيات الأخرى والثدييات الاجتماعية للغاية، إذ يوضح علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية أن غالبية الثدييات تتقدم من الطفولة إلى مرحلة البلوغ بسلاسة، دون أي مراحل متداخلة، بينما تتراجع معدلات نموها، وليس الأمر كذلك مع البشر الذين يمكن وصف معدل نموهم وتغذيتهم وسلوكهم الإنجابي بأنه يتغير عبر أربع مراحل: الطفولة والشباب والمراهقة والبلوغ، وتقترب الثدييات الأخرى من سن البلوغ تقريبًا، ولكن بالنسبة للبشر تتميز بداية المراهقة بزيادة مفاجئة وسريعة في معدل النمو الذي يبلغ ذروته عند مستوى لا مثيل له منذ الطفولة المبكرة.
ودفع البحث عن الأطفال والشباب في السجل الآثاري علماء الآثار إلى التفكير ليس فقط فيما قد يجدون، ولكن أيضًا في كيفية تفسيره، وتوسيع مصادر البيانات وتحليلها، ويلاحظ أن علماء الآثار الحيوية يمكنهم تحديد الهياكل العظمية للكبار أو الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا في عينة، ولكن لا ينبغي اعتبارهم جميعًا أطفالًا، وبدلاً من ذلك يقترح أن على علماء الأنثروبولوجيا النظر في مدى دقة فئاتهم العمرية التي تعكس الواقع ضمن سياق ثقافي أو زمني معين.
حيث إن الانخراط الناقد لهذه البيانات البيولوجية مع الأدلة المادية الثقافية والنصية والعرقية التاريخية يسمح لعلماء الأنثروبولوجيا بفهم دور الأطفال في المجتمعات القديمة بشكل أفضل، وفي الأنثروبولوجيا الثقافية تم تعريف الشباب على وجه التحديد على أنهم مراهقون، وكان التركيز في الأنثروبولوجيا على مراسم البدء والممارسات الجنسية والمغازلة والعادات الزوجية والعلاقات بين الأجيال والانتقال إلى مرحلة البلوغ، وفي حين أن هذا التأطير للشباب على أنهم بالغون قد أعاق الاعتراف بالطرق التي يتم من خلالها تكوين الشباب وتعريفهم اجتماعياً وثقافياً.
يقترح علماء الأنثروبولوجيا أن التحولات في كل من الانضباط وفي ثقافات العالم قد وسعت نطاق الأنثروبولوجيا والاستفسار، ونتيجة لذلك شهد الميدان مزيدًا من الاستقصاء عن الممارسات الثقافية للشباب، ويصف الأنثروبولوجيا بأنها في وضع جيد بشكل خاص لتقديم وصف لكيفية إنتاج الشباب حول العالم للأشكال الثقافية والتفاوض بشأنها، وتتجلى مثل هذه الحركة نحو الاعتراف بالشباب كمشاركين ومراقبين للثقافات التي يزعمون ويرفضونها ويعيدون صياغتها وفقًا لشروطهم الخاصة.
حضور الشباب وماضيهم في الأنثروبولوجيا:
يبدأ علماء الأنثروبولوجيا بتسليط الضوء على الاتجاهات التي اتخذتها أنثروبولوجيا الشباب في السنوات الأخيرة وترابطها وتناقضها مع مناهج الماضي، واليوم يهتم علماء الأنثروبولوجيا بإشكالية مفهوم وفئة الشباب كما هو الحال في مشاكل الشباب، ففي دراسة حول أنثروبولوجيا الشباب يناقش عالم الأنثروبولوجيا ديبورا دورهام الطرق التي يتم التحدث بها عن الشباب وعن ماذا ومن يفهم الشباب في أوقات الأزمات الاجتماعية، ويشير ديبورا دورهام إلى أن الشباب يعملون كمحول في الخطاب الاجتماعي والسياسي.
ويضع الفرد الذي تم تحديده على إنه شاب من حيث مجموعة متنوعة من السمات الاجتماعية، بما في ذلك ليس فقط العمر ولكن أيضًا الاعتماد على الاستقلال والسلطة والحقوق ومعرفة القدرات والمسؤوليات، وما إلى ذلك، وفي دراسة آخرى لأنثروبولوجيا الشباب يناقش عالم الأنثروبولوجيا جينيفر كول الجنس والمال والتحول بين الأجيال، ويأخذ في الاعتبار مسائل الشباب والثقافة والوكالة بما في ذلك فرص الهجرة.
ويرى إنه بينما يمكن فهم أنشطتهم محليًا على أنها تجارب شبابية تحظى بقبول طويل الأمد يقترح جينيفر كول إنه يجب أيضًا أخذها في الاعتبار من حيث الظروف السياسية والاقتصادية المعاصرة التي يعيش فيها الشباب والشابات حياتهم، مشيرًا إلى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة جعلت المسارات المعيارية لمرحلة البلوغ إما غير ذات صلة أو من المستحيل اجتيازها، ووجد أن الطريق من البحث عند الشباب إلى البلوغ المناسب من خلال الزواج وتكوين الأسرة لم يعد يُنظر إليه على إنه طريق واضح وقابل للتطبيق أو حتى مرغوب فيه.
ويوضح تحليله لماذا لا تعتبر ممارسة الشباب المتنوعة أمرًا مفروغًا منه كسلوك أو مرحلة يمر بها الشباب حتمًا، ولكن لفحصها بعناية ودقة في لحظتها التاريخية الخاصة يمكن رسم خط مباشرة من أعمال جينيفر كول إلى أعمال عالمة الأنثروبولوجيا مارغريت ميد، وكلاهما يعترف بأهمية عمل مارغريت ميد ويعترف بتشككه في بعض ادعاءاتها، ومن الصعب أن يُفهم كيف كان يمكن التوصل إلى استنتاجات معينة، وتثير الجدل فيما بعد حول النتائج التي توصلت إليها.
وتركز مارغريت ميد اهتمامها على الشباب وتنظر في مسألة ذات صلة خاصة بقرائها المستهدفين وتدعي أن العاصفة والتوتر اللذين يثيران غضب المراهقين أثناء انتقالهم من الشباب إلى سن الرشد لم يُلاحظ بالضرورة بين الشباب الذين تعرفت عليهم في ساموا، والتي تنسبها إلى الاختلافات بين مجتمعاتهم، ومع ذلك لا يشير بعض علماء الأنثروبولوجيا إلى ملاحظات مارغريت ميد الخاصة في أنثروبولوجيا الشباب، وبعد عقود كانت عاصفة وضغوط الشباب وتغيير الثقافة محور دراسة عالم الأنثروبولوجيا توماس دبليو ماكديد لعام 2002.
وفي ذلك يفحص عالم الأنثروبولوجيا توماس دبليو ماكديد ما يسميه تضارب الوضع الذي ينتج عن التغييرات المرتبطة بعلامات الوضع الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص المكانة والامتياز الذي ارتبط بالأهمية المتزايدة للسلع المادية والأفكار والخبرات، ولهذه الغاية فهو يجمع بين الأساليب البيولوجية والثقافية لقياس آثار ضغوط التغيير الثقافي بين المراهقين، وتم اختبار عينات الدم لمعرفة مستويات الأجسام المضادة ضد فيروس إبشتاين بار، والتي ثبت أنها علامة موثوقة للتجربة النفسية والوظيفة المناعية.
كما تم إجراء مقابلات مع المراهقين الذين تم أخذ العينات منهم، ويجد توماس دبليو ماكديد أعلى مستويات المؤشرات الحيوية في الشباب وفقاً لأعلى التضارب، حيث يبدو أن الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من النجاح في العالم نسبيًا يتبنون الطرق الأكثر تقليدية للوضع الاجتماعي ويستخدمونه لصالحهم، ويقترح توماس دبليو ماكديد أن عملية تغيير الثقافة ليست عملية استبدال وإنما عملية تفاوض واندماج.