سقوط دولة الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


سقوط دولة الخلافة العباسية:

استأنف المغول زحفهم باتجاه مناطق غربي آسيا، بعد وفاة جنكيزخان في عام (624 هجري)/(1227‏ ميلادي)، ضمن سياسة توسعية، فقد عهد منكوخان. الذي تسلم الزعامة المغولية في عام (646 هجري)/(1228‏ ميلادي)، إلى أخيه هولاكو بقيادة حملة على فارس،
وأوصاه ببسط السيطرة المغولية على البلاد الممتدة من العراق حتى أقاصي مصر. يتعرض له أما إذا عصى، فعليه أن يتخلص منه حتى لا يُشكل وجوده عقبة في طريق الزحف المغولي.

ومن جهته، قام هولاكو بتشكيل خطط عسكرية أُسسها يعتمد أولاً بالحرب على الإسماعيلية، ثم الحرب على المناطق الغربية وصولاً إلى مصر في مرحلة ثانية. وبعد أن حقق هدفه الأول انطلق لتحقيق هدفه الثاني. كانت الأوضاع في بغداد آنذاك، سيئة جداً، فقد اشتهر الخليفة العباسي المستعصم بعدم جدّيته في إدارة الشؤون العامة، فلم يستعد لمواجهة الزحف المغولي، ظناً منه أن في نفسه القدرة على المكر والصمود أمام خطرهم.

كما تعدّدت مراكز القوى آنذاك فى بغداد، واختلفت فيما بينها بفعل عوامل سياسية ومذهبية. ووقف الخليفة عاجزاً عن وضع حد للمشاكل المتفاقمة، فترتب على ذلك، أنْ اشتدت حدة الخلافات بين مُجاهد الدين أيبك الدواتدار الصغير، وكان سني المذهب، وبين مؤيد الدين بن العلقمي، وزير المستعصم. مما كان لها أثرها السيء في اضطراب الأمور، وتقويض سلطة الخلافة.

وتعدّت الخلافات، أهل السلطة وذلك لتنتقل إلى الناس كافة من سكان بغداد الذين انفصلوا على أنفسهم في تناحر مذهبي، مما قام الوزير ابن العلقمي إلى مُحادثة المغول، وأطمعهم في ملك بغداد. والواقع أنهُ لم يكن لهذه المُراسلات بين الطرفين، ولا للمُباحثات التي جرت بينهما، في وقت لاحق، من أثر كبير في دفع هولاكو أو في ثنيه عن مهاجمة بغداد، لأن الاستيلاء على العراق كان من ضمن سياسة مغولية عامة.

في هذه العوامل السيئة، وقد طلب هولاكو من الخليفة أن يُزوده بجيش ليساعده في القضاء على الطائفة الإسماعيلية. وقد أخذ المستعصم بمشاورة معاونيه، فنصحوه بعدم الإقدام على هذا العمل، لأن هولاكو يريد بهذه الوسيلة إفراغ بغداد من المدافعين عنها حتى يُسهل عليه الاستيلاء عليها عندما يهاجمها. فوافقهم على رأيهم، وامتنع عن إرسال المدد إلى هولاكو.

ولما انتهى الزعيم المغولي من القضاء على الإسماعيلية، قام بإرسال إلى الخليفة رسالة فيها احتجاج إلاّ ذريعة للمطالبة بالسلطة الزمنية التي سبق أن منحت في بغداد للأمراء البويهيين ثم للسلاطين السلاجقة، وطلب منه ما يلي:

  • أن يهدم الحصون، ويردم الخنادق، ويُسلم البلاد لابنه.
  • أن يحضر لمقابلته أو يرسل الوزير سليمان شاه والدواتدار.

رد الخليفة بعدم القبول والذي كان يهدف إلى التهديد والوعيد، ظناً منه، أن ذلك سوف يثني هولاكو عن عزمه، ويجعله يفكر ملياً قبل أن يقدم على خطوته. ويبدو أنه أمل في تلقي المساعدة من الأمراء المسلمين، إلا أنه أخطأ في تقديره إذ إن الأيوبيين في بلاد الشام، والمماليك في مصر، الذين عقد آماله عليهم، توافر عندهم من المشاكل ما منعهم من النهوض لمساعدته. ولم يتحرك الأتابكة والترك والفرس لمساندته بفعل ما استبد بهم من الخوف من المغول، أما سلاجقة الروم فقد خضعوا لحكم هؤلاء.

وهكذا أضحى العالم الإسلامي مُتجزءاً مُفككاً، فلا يُعقل أن يهب أُمراؤه لنجدة الخليفة الذي لم يكن له سند حقيقي حتى يستطيع أن يقف هذا الموقف المتشدّد. فكان لهذا الموقف العباسي الرافض أسوأ الأثر فى نفس هولاكو مما دفعه إلى الزحف باتجاه بغداد. وصل رُسل الخليفة إلى هولاكو، فلما اطلع هذا على رسالته وعلم بما لحق برُسله من أذى العامة في بغداد، استبدَّ به الغضب. فأعاد رُسل المستعصم، وحمّلهم رسالة أخرى تتضمن إنذاراً نهائياً له صيغ في لهجة شديدة.

ولما عاد الرسل إلى بغداد، وأدرك الخليفة ما ينطوي عليه الرد المغولي من تهديد ووعيد، عرض الرسالة على كبار رجال دولته مُستطلعاً رأيهم، فأشار عليه وزيره ابن العلقمي أن يبذل الأموال والتحف والهدايا، ويُرسلها إلى هولاكو مع الاعتذار إليه وأن يجعل الخطبة والسكة باسمه، على النحو الذي كان مُتبعاً أيام البويهيين والسلاجقة.

وقد مال الخليفة إلى قبول هذا الرأي، والأخذ به لكن مجاهدين أيبك الدواتدار الصغير الذي كان يستند على قوة الجيش، ومساندة العناصر السُنية في بغداد، رفض رأي الوزير، وأصر على المقاومة. فعدل الخليفة عند ذلك عن رأي الوزير وتبنَّ خيار المقاومة. وهكذا لم يكن لتبادل الرسائل بين الطرفين من أثر سوى جعل الحرب ضرورة لا بدّ منها.

ولما أيقن هولاكو أن بمقدرته على السير إلى العراق دون أن يحدث مصاعب، وأنَّ في وأنَّ بإستطاعة قوّاته السيطرة على بغداد، وعمل على تطبيق خُططه الحربية التي قام بضعها خلال إقامته في همذان، وأصدر أوامره بأن تتحرك الجيوش المغولية باتجاه عاصمة الخلافة. ولما وصلت إليها في الشهر الثالث من شهر محرم عام (656 هجري)، شهر كانون الثاني عام (1258 ميلادي)، ضربت حصاراً مُركّزاً عليها، وأقام هولاكو مُعسكره في ظاهر المدينة من ناحية الشرق.

مقتل الخليفة العباسي المُستعصم:

لما رأى الخليفة حرج موقفه أراد أن يهدّىء المغول ويوقف في عزمهم على متابعة الهجوم، فأرسل إلى هولاكو الرسل والهدايا، لكن هولاكو رفض الاستجابة لهذا النداء . ونفَّذ خُطة عسكرية، تقضي بإفراغ بغداد من مدافعيها قبل أن يقتحمها جنوده. فأرسل نصير الدين الطوسي إلى الخليفة يأمُره بإرسال سليمان شاه والدواتدار.

مما اضطر الخليفة إلى القبول. ولمّا وصلا إليه، قام بإرجاعهما إلى بغداد لاصطحاب أتباعهما وأصحابهما بحُجة أنهم سينفون إلى الشام ومصر. فخرج معهما جند بغداد وكثير من السكان. فلما خرج هذا الجمع، أمر هولاكو بقتلهم جميع، فانكشف عندئذٍ موقف الخليفة. ولمّا رأى أن لا مفر من دخول المغول بغداد مال إلى التسليم.

ولم يمضِ على ذلك يومان حتى خدعه المغول بالوعود الكاذبة. وقد اشترك ابن العلقمي في هذه المؤامرة حين أقنع الخليفة بوجوب الاستسلام، لأنه سهّل طريق الصُلح، وسوف يأتي كل من هولاكو والمغول طائعين. وقد ذكر ابن كثير، أن الوزير ابن العلقمي كان قد اجتمع بهولاكو مع أهله وأصحابه وحشمه، ثم أشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف الخراج لهولاكو والنصف الآخر للخليفة.

وفي يوم الأحد الرابع من شهر صفر عام (656 هجري)، شهر شباط عام (1258 ميلادي)،
خرج الخليفة من بغداد وسلّم نفسه وعاصمته للمغول دون قيد أو شرط، بعد أن وعده هولاكو بالأمان. عندئذ دخل الجنود المغول إلى المدينة وعاثوا فيها مُدة أسبوع، فهدموا مساجدها، وجردوا القصور مما فيها من التحف النادرة، واتلفوا عدداً كثيراً من الكتب القيّمة في مكتباتها، وأهلكوا كثيراً من رجال العلم فيها، وقتلوا أئمة المساجد وحملة القُرآن. وتعطلت المدارس والربط. وأضحت المدينة قاعاً صة صفصفاً.

فتكاثرت الموتى على الطرقات والأزقة. ثم انتشر الوباء فحصد كثيراً ممن كتبت لهم النجاة. وقد انتهت هذه الأحداث بقتل الخليفة المُستعصم وابنيه أبي العباس أحمد وأبي الفضائل عبد الرحمن، وأسر ابنه الأصغر مُبارك وأخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم. وبسقوط بغداد ومقتل الخليفة العباسي المُستعصم انتهت دولة الخلافة العباسية التي عمّرت أكثر من خمسة قرون.

ويبقى أن نذكر أن هذه الأحداث جعلت منصب الخلافة شاغِراً يتطلع إليه كل زعيم طَموح. فلما تولى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس عرش مصر، بحث عن أحد أفراد الأسرة العباسية ونصبه خليفة في مصر في عام (659 هجري)/(1261 ميلادي). والواقع أن السُلطان المملوكي هدف إلى إضفاء الصفة الشرعية على حُكمه بفضل التقليد الذي حصل عليه من الخليفة.

وقد استمر هذا الوضع قائِماً في مصر إلى أن ضمّها السلطان العثماني سليم الأول في عام (923 هجري)/(1517 ميلادي)، وأنهى هذه الظاهرة. وشغل السلاطين العثمانيون منصب الخلافة، فأداروا شؤون العالم الإسلامي من عاصمتهم إستانبول حتى عام (1924 ميلادي)، حين قاد كمال أتاتورك انقلاباً على الخلافة. ولا يزال العالم الإسلامي مُنذُّ ذلك التاريخ دون خليفة يشغل منصب الخلافة الشاغر.


شارك المقالة: