كثرة السياقات والعادات عند الفرد في علم الاجتماع:
من المؤكد أنّ فترات الحياة التي تتأسّس فيها العادات المختلفة ليست كلها متكافئة، نميز تحديداًً فترة التنشئة الاجتماعية الأولية العائلة بشكل رئيسي عن كافة الفترات التي تلي لاحقاً والتي تسمى ثانوية كالمدرسة وزمرة الأقران والعمل، هذا التمييز هام بالتأكيد، فهو يذكرنا بأن الطفل يمزج سلسلة من التجارب الاجتماعية في أكبر اعتماد اجتماعي وجداني تجاه البالغين، لكنّه يؤدي في الغالب إلى أن يتمثل المسار الفردي كعبور من التجانس العائلة إلى اللاتجانس مثل المدرسة والعمل وشبكات الأصدقاء، غير أن مشاهدات أمبيريقية مختلفة تعارض هذا المخطط.
بدايةً إنّ اللاتجانس موجود دوماً في صميم التشكل العائلي، الذي ليس أبداً مؤسسة كاملة مكتملة فالاختلاف أو التناقض، قد ينبني تبعاً للحالة، بين الهزل والجد الدراسي، وبين القابلية العالية جداً بخصوص كل ما يتعلق بالمدرسة، وأخرى أقل تعلقاً بها، بين تفضيل القراءة وغياب ممارستها وتذوقها، بين الضبط الأخلاقي الصارم لهذه الأم، والتهاون لذاك الأب الذي يعارض جهود الأم، بين بالغين أميين، وأبناء في نهاية المرحلة الثانوية.
إضافة إلى ذلك إن التراكب أو التداخل بين المؤسسات الأولية والثانوية مضطرب أحياناً كثيرة بسبب الفعل المؤثر والمبكر جداً في التنشئة الاجتماعية الذي تضطلع به العوالم الاجتماعية المختلفة، فهناك المرضعة بعد أيام أو أسابيع من الولادة، ثم الحضانة بدءاً من عمر سنتين والحال إن برامج التنشئة الاجتماعية لهذه العوالم الاجتماعية المختلفة ليست بالضرورة متناغمة مقارنة بتلك التي في العائلة، كيف لا نرى أن الطفل بوضعه في الروضة بشكل مبكر جداً، يتعلم أننا لا نتوقع منه الشيء ذاته وأننا لا نعامله بشكل متشابه هنا وهناك؟ إذن تمتلك تجربة الكثرة في العوالم كافة الفرص، في مجتمعاتنا فائقة التمايز كي تكون مبكرة.
أخيراً إن أشكال التنشئة الاجتماعية الثانوية، ولو أنجزت ضمن ظروف اجتماعية وجدانية مختلفة، تستطيع أن تنافس الاستئثار العائلي، إن حالة المنفصل عن طبقته من فوق من ندعوهم أحياناً المنسلخين عن طبقتهم أبناء الطبقات البائسة الذين تخلصوا الخروج من شرطها الاجتماعي الأصلي عن طريق الدراسة، أي من منبت للتنشئة الاجتماعية يتناقض جذرياً مع منبت عائلتها.