مشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


يهدف علماء الاجتماع من خلال دراستهم لمشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية إلى الإشارة إلى أن العلاقة بين الأيديولوجيات والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية قد تكون قضية مركزية في كيفية بناء القضايا الاجتماعية والمشاكل الاجتماعية.

مشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية

يركز منظور التصنيف المرتبط على العمليات التي يتم من خلالها تمييز بعض السلوكيات وأنواع الأشخاص من أجل الرفض الاجتماعي والتي يستهدفها المجتمع الأوسع على أنها مختلفة وتتطلب شكلاً من أشكال الاستجابة الاجتماعية، وتتمثل فضيلتها في أنها تتحدى الافتراضات التقليدية بأن المشكلات الاجتماعية موجودة هناك كحقائق واضحة ومفهومة بشكل عام، ويؤكد منظور مشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية على أهمية اللغة في تشكيل كيفية تعريفها للمشاكل الاجتماعية وفهمها والاستجابة لها من خلال لفت الانتباه إلى دور التصنيف.

ومع ذلك فإن المنظور أقل فائدة في التعامل مع السؤال عن سبب تحديد بعض الشروط على أنها مشاكل ولماذا يتم استخدام بعض أنواع التركيبات الاجتماعية على نطاق واسع، من وجهة النظر هذه تتميز المجتمعات بأنماط عدم المساواة بين الفئات الاجتماعية، على سبيل المثال بين الطبقات المختلفة، وبين الرجال والنساء أو بين المجموعات العرقية المختلفة، حيث ستحاول المجموعات في المواقع المهيمنة في المجتمع استخدام مجموعات من الأفكار التي تشرع الترتيبات القائمة ومواقفها داخلها.

على سبيل المثال، من المرجح أن تنشر الجماعات أو الطبقات التي تسيطر على حصة كبيرة من ثروة المجتمع أفكارًا حول ضرورة أو حتى الرغبة في هذه الأنماط من عدم المساواة الاقتصادية، وقد يشيرون إلى حقيقة أن الثروة تعكس الفضيلة الاجتماعية والتربية أو الإنجاز لمكافأة المخاطرة، وقد يجادلون بأن عدم المساواة أمر ضروري لتشجيع الجميع على السعي لتحقيق النجاح، وقد يجادلون بأن الثروة هي مسؤولية تقع على عاتق الأجيال القادمة والأيديولوجيات، إذ تم استخدام أيديولوجيات مماثلة لتبرير عدم المساواة بين الرجال والنساء.

وهذه هي أبسط نظرة للأيديولوجيا كمجموعة من الأفكار التي تحاول شرعنة أو تحدي الموقف الاجتماعي وعدم المساواة، ومع ذلك حتى في هذا الشكل الأكثر بساطة، يمكن أن يتم رؤية الطرق التي يمكن من خلالها ربط وتطوير نهج وضع العلامات للبناء الاجتماعي، ومن المحتمل أيضًا أن تشارك الأيديولوجيات في تحديد من وما هي المشاكل الاجتماعية، والأكثر وضوحًا، ومن المرجح أن يتم تعريف أولئك الذين يتحدون الترتيبات الاجتماعية القائمة على أنهم مثيري الشغب أو المحرضين أو الرعاع الذين يهدفون إلى إحداث اضطراب اجتماعي غير ضروري وعدم الرضا، بدلاً من ذلك.

ويمكن رفض مثل هذه التحديات باعتبارها طوباوية أو غير دنيوية أو حتى غير طبيعية لأنها تدعي أن طرقًا أخرى لترتيب العالم الاجتماعي ممكنة، علاوة على ذلك هناك طرق يمكن من خلالها تحديد الظروف الاجتماعية أو أنماط السلوك على أنها مشاكل اجتماعية لأنها تتعارض مع مصالح المجموعات المهيمنة، على سبيل المثال اقترح بعض علماء الاجتماع أن مصالح الطبقة الرأسمالية تعني أنها بحاجة إلى قوة عاملة صحية وموثوقة في فترة التصنيع، لذلك تم تعريف التراخي والعصيان على أنهما مشاكل اجتماعية لأنهما يهددان بتعطيل أنماط العمل وقاعدة العامل الرصين والمجتهد على سبيل المثال.

وبالمثل قيل إن الصناعيين في بريطانيا بدأوا يهتمون بشكل متزايد بصحة الأمة في نهاية القرن التاسع عشر، عندما أصبحوا قلقين من أن سوء الصحة وسوء التغذية جعل الطبقة العاملة البريطانية أقل لياقة، وأقل تنافسية بالمقارنة مع الدول الصناعية الأخرى، والمشاكل الاجتماعية هنا هي نتيجة لتهديد المصالح، وتنبع تعريفات تلك المشاكل من قوة المجموعات المهيمنة لتحديد ما يعتبر مشكلة.

وفي هذا الرأي الأيديولوجيات وظيفية أي أنهم موجهون لإضفاء الشرعية على المواقف الاجتماعية، ومن حيث المبدأ يمكن للمرء أن ينظر وراء الأيديولوجيات ليرى المصالح التي تحميها وتخدمها، كما أنها تهدف أيضًا إلى تحير أو إخفاء ما هو عليه المجتمع حقًا من خلال تفسير عدم المساواة، لذلك، على سبيل المثال قد تختفي هذه الأيديولوجيات الشرعية بأشكال من المساواة أمام القانون، على سبيل المثال التي تصرف الانتباه عن مجالات أخرى من الحياة الاجتماعية حيث ينتشر عدم المساواة.

تطوير المفهوم الوظيفي لمشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية

تم تكريس الكثير من تحليلات العلوم الاجتماعية لاستكشاف المتغيرات والنتائج المترتبة على هذه النظرة البسيطة للأيديولوجيا، بما في ذلك الأيديولوجية الرأسمالية التي تضفي الشرعية على مصالح مالكي رأس المال ضد الطبقة العاملة والأيديولوجية الأبوية التي تضفي الشرعية على مصالح الرجل ضد المرأة، والأيديولوجية العنصرية التي تضفي الشرعية على مصالح المجموعات العرقية المهيمنة ضد الآخرين ويتجلى ذلك بشكل أكثر وضوحًا في أيديولوجية الفصل العنصري.

ومع ذلك فقد تم تطوير هذا المفهوم البسيط والوظيفي لمشكلة الأيديولوجيا والمصالح الاجتماعية والبنى الاجتماعية بعدة طرق:

1- أولاً وكما أشار علماء الاجتماع بالفعل فإن الضغط على الأيديولوجيات المهيمنة التي تمثل المصالح الاجتماعية المشروعة قد خفف من خلال الاعتراف بوجود أيديولوجيات أخرى تتحدى الأيديولوجيات المهيمنة وتتعارض معها، على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يفكر في الصراعات بين الأيديولوجيات الرأسمالية والاشتراكية التي سعت إلى تحدي أو تغيير اللامساواة الهيكلية للمجتمعات الرأسمالية.

والصراعات بين الأيديولوجيات الأبوية والنسوية حول عدم المساواة بين الجنسين، أو تلك بين الأيديولوجيات العنصرية والمناهضة للعنصرية حول عدم المساواة بين العرق والهوية، وإن الانفتاح على الأيديولوجيات بهذه الطريقة يعطي المزيد من نظرة ديناميكية للصراع الأيديولوجي والصراعات.

2- من المرجح أن تحاول الأيديولوجيات المعارضة تحديد أنواع مختلفة من المشاكل الاجتماعية، وهكذا فإن الأيديولوجيات الاشتراكية تعرف اللامساواة وآثارها على أنها مشاكل اجتماعية، وتحدد الأيديولوجيات النسوية الفروق بين الجنسين في الدخل والعمل والوصول إلى السلطة بالإضافة إلى قضايا عنف الذكور داخل المنزل وخارجه على أنها مشاكل اجتماعية، وحاولت الأيديولوجيات المناهضة للعنصرية بناء عدم المساواة في الدخل والحقوق والأبعاد الأخرى للعنصرية مثل التعرض للاعتداءات ذات الدوافع العنصرية على أنها مشاكل اجتماعية.

وبهذا المعنى، يمكن للمرء أن يتعامل مع الأجندة العامة للمشاكل الاجتماعية على أنها واحدة من بؤرة الصراع الأيديولوجي حيث تكافح الأيديولوجيات المتنافسة من أجل تحديد تعريفاتها للمشاكل الاجتماعية، وما يجب القيام به حيالها.

3- يربط أحد مقاربات مفهوم الأيديولوجيا بينه وبين مسألة الفطرة السليمة التي ناقشها علماء الاجتماع سابقًا، ويُستمد هذا النهج من عمل الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامشي وهو معني بالطريقة التي تتنافس فيها الأيديولوجيات المتضاربة على تفاهمات الفطرة السليمة، وفي هذا النهج تكافح الأيديولوجيات لتأسيس شرعيتها وقوتها من خلال إقامة روابط مع جوانب المعرفة اليومية أو المعرفة المنطقية، وهم بذلك يحاولون تنظيم وتعبئة عناصر المعرفة المنطقية كجزء من رؤيتهم للعالم ودعم المصالح الاجتماعية التي يمثلونها.

وبالتالي، فإن الطبقات الاجتماعية المهيمنة سوف تشير إلى وتجري اتصالات مع جوانب المعرفة المنطقية التي تعكس وتدعم الأنماط الحالية لعدم المساواة والتي شرعية القوة الاقتصادية أو السياسية لهذه المجموعات المهيمنة سوف ترغب الأيديولوجيات المضادة في بناء روابط مع تلك العناصر الأخرى للفطرة السليمة التي تعترض أو تشك في النظام الاجتماعي القائم.

4- من هذا المنظور فإن الفطرة السليمة التي تُفهم على أنها الحزمة المتناقضة والمعقدة من البتات تشكل حقلاً يتم تناوله بشكل انتقائي من خلال الأيديولوجيات المتنافسة، وستعالج الأيديولوجيات المختلفة أجزاء مختلفة وتحاول تنظيمها في قصة متماسكة ونوع معين من المنظور حول العالم، والهدف من ذلك هو ضمان عدم وجود بديل على ما يبدو لرؤية المجتمع، والتي يتم تقديمها لتكون قادرة على كسب الدعم الضمني أو النشط من الناس عبر طيف اجتماعي واسع، واستخدم علماء الاجتماع مصطلح الهيمنة لوصف مشروع سياسي حقق هذه الغايات.

أهمية مسألة الأيديولوجيا في دراسة البناء الاجتماعي للمشاكل الاجتماعية

يوفر التعامل مع مسألة الأيديولوجيا على محمل الجد طريقة للتطوير بما يتجاوز حدود منظور التصنيف في دراسة البناء الاجتماعي للمشاكل الاجتماعية من خلال ثلاث طرق رئيسية:

1- تسمح الأيديولوجيا الطليعية بطرح الأسئلة من يقول أن هذه مشكلة اجتماعية، ومن الذي يخدم مصالح هذا التعريف؟ وإن النظر إلى الأيديولوجيات يذكر بأن الطرق التي يتم بها تحديد المشكلات وتعريفها ليست واضحة ولا محايدة ولكنها ذات دوافع اجتماعية.

2- توجه قضية الأيديولوجيا الانتباه أيضًا إلى أنواع الحلول المقترحة أو المتضمنة في الطريقة التي يتم بها بناء المشكلة، وهذه أيضًا لها دوافع اجتماعية.

3- توفر فكرة الأيديولوجيات المتضاربة تذكيرًا بأنه يوجد عادة أكثر من تعريف واحد للمشكلات الاجتماعية في اللعب سواء في تعريف الظروف التي تعتبر مشاكل اجتماعية أو في كيفية تعريف وفهم أي مشكلة معينة.


شارك المقالة: