أحداث ما قبل معركة كريت:
بعد سيطرة الدولة العثمانيّة على قبرص في الحرب العثمانيّة البندقيّة الرابعة (1570-1573)، كانت جزيرة كريت (“مملكة كانديا”) آخر حيازة خارجيّة رئيسيّة للبندقيّة.
موقع جزيرة كريت الاستراتيجي جعلها هدفًا واضحًا للتوسع العثماني في المُستقبل، في حين أنّ حجمها وأرضها الخصبة، إلى جانب الحالة السيئة لقلاعها، جعلها منطقه مرغوبة أكثر من مالطا.
على الجانب الفينيسي، كانت سيرينيسيما، بقوتها العسكريّة الضعيفة واعتمادها الكبير على التجارة المُستمرة، حريصة على عدم إثارة العثمانيّين، وبالتالي، راقبت البندقية بدقة شروط مُعاهدتها مع العثمانيّين، حيث ضمنت أكثر من ستين عامًا من العلاقات السلميّة، بحلول أوائل القرن السابع عشر.
انخفضت قوة البندقيّة إلى حد كبير، عانى اقتصادها، الذي ازدهر في السابق بسبب سيطرته على تجارة التوابل الشرقيّة، نتيجة لفتح طرق التجارة الأطلسيّة الجديدة، وفقدان السوق الألمانية الهامة بسبب حرب الثلاثين عاما.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الجمهوريّة متورطة في سلسلة من الحروب في شمال إيطاليا مثل حرب مانتوان وأضعف أكثر بسبب انتشار مرض الطاعون في(1629-1631).
كان الصراع بين العثمانيّين والبندقيّة لا يزال موجودًا، كما يتضح في عام (1638)، عندما هاجم أسطول البندقيّة ودمر أسطولًا من القراصنة البربريّين، الذين طلبوا الحماية في ميناء فالونا العثماني، وقصف المدينة في هذه العملية.
غضب السلطان مراد الرابع، وهدد بإعدام جميع الفينيسين في الإمبراطوريّة، وفرض حظراً على تجارة البندقيّة، في نهاية المطاف، وبالنظر إلى أنّ العثمانيّين كانوا لا يزالون يشاركون في حرب مع الفرس، كانت الأوضاع غير مُستقرة، وأجبر العثمانيون الجمهوريّة دفع تعويضًا قدره (250.000) ذهبة.
وقعت حادثة مُماثلة في عام (1644) كانت لها نتيجة مُختلفة تمامًا في (28) سبتمبر، هاجم فرسان مالطا قافلة عثمانيّة في طريقها من القسطنطينيّة إلى الإسكندريّة، على متنها عدد من الحجاج المُتجهين إلى مكة.
خلال القتال، قُتل سمبل أغا ومعظم الحجاج المهمين، في حين تمّ أسر(350) رجلاً و(30) امرأة لبيعهم كعبيد، قام الفرسان بتحميل غنائمهم على سفينة، ثمّ رست في ميناء صغير على الساحل الجنوبي لجزيرة كريت لبضعة أيام، حيث نزلت بعدد من البحارة والعبيد.
غضب العثمانيّون من الحادث، واتهم الباب العالي البندقية بالتواطؤ المُتعمد مع الفرسان، وهو ما نفته البندقية بشدة، مع سيطرة الحزب المُتشدد على البلاط العثماني، كان يُنظر إلى الحادث على أنّه ذريعة مثاليّة للحرب مع البندقيّة الضعيفة.
على الرّغم من فترة طويلة من المفاوضات، والتي استمرت حتى عام (1645)، وضد اعتراضات الوزير الأكبر سلطان زاده محمد باشا، تقررت الحرب، تمّ تجميع الحملة بسرعة مع أكثر من (50000) جندي و(416) سفينة مشهورة، تحت قيادة كابودان باشا سيلاهدار يوسف باشا، صهر السلطان.
أبحر الأسطول العثماني من الدردنيل في (30) أبريل، مُتجهة نحو ميناء نافارينو في البيلوبونيز، حيث بقيت لمدة ثلاثة أسابيع، لم يتمّ الإعلان عن هدف الأسطول، لكن العثمانيين، لتهدئة مخاوف البندقية، أشاروا إلى أنها ستكون مالطا.