من هم الهكسوس؟
الهكسوس: هم سكان من أصل بدوي مكثوا في مصر من سيناء أثناء مدة انتهاء سلطة الدولة الوسطى أي أثناء انتهاء سلطة الأسرة الرابعة عشر، لم يكن باحثو التاريخ في وفاقهم عن أصلهم. وكانت هذه الحركات عاملاً حاسماً لنجاح المملكة المصرية الحديثة لاحقاً في بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط.
نشر مانيتون وقال: في عهد الملك توتيمايوس، ولا أعلم السبب في ذلك، أصابتنا ضربة من الله، ودون أن نتفكر في ذلك جاءنا غزاة من جهة الشرق من أصل مجهول، ساروا تملؤهم الثقة في النصر ضد بلادنا وتمكنوا بقوتهم من الاستيلاء عليها بسهولة دون ضربة واحدة وبعد أن تغلبوا على حكام البلاد حرقوا مدننا دون رأفة، وهدموا معابد الآلهة من أساسها وعاملوا جميع الأهالي بعداء قاسٍي فذبحوا البعض وأخذوا نساء وأطفال البعض الآخر ليكونوا إماء وعبيداً لهم.
وأخيراً قاموا بتعيين واحداً من بينهم اسمه (ساليتيس)، ليكون حاكماً عليهم فأقام في منطقة منف وقام بوضع الضريبة على شمالي مصر وجنوبيها وكان يترك دائماً الحاميات في أكثر المواقع المناسبة. ويزيد مانيتون على ذلك بأنَّ ساليتيس بنى حصناً في أواريس في شرقي الدلتا ويذكر أنه ترك فيها حامية عدد رجالها (240,000)، مزودين بأسلحتهم، وكان يذهب لزيارة هذا الحصن ويتفقد رجاله في شهور الصيف من كل عام. ويذكر مانيتون عدداً من ملوك الهكسوس كما يذكر بعد ذلك قصة إخراجهم من مصر.
ولكن هناك في المعلومات المصرية القديمة فقد أشارت الملكة حتشبسوت في معبدها المنحوت في الصخر في بني حسن (اسطبل عنتر إلى الهكسوس بقولها، لقد أقمت ما كان قد تداعى، وكذلك ما كان قد تهدم في الوقت الذي كان فيه الآسيويون يحكمون في أواريس في الشمال، وكانوا بجحافلهم المتجولة يعيشون بين الناس فساداً محطمين ما كان قائماً.
إنهم كانوا يحكمون دون اعتراف بالسلطان (رع)، وكان رع لا تنفذ له إرادة إلهية حتى جاء عهدي العظيم. وفي لوحة كارنارفون أو لوحة الكرنك الجديدة أو بردية (سالييه)، التي سنتحدث عنها فيما بعد، لا نجد ما يفيدنا في البحث عن أصل الهكسوس أكثر من نعتهم بأنهم (آسيويون).
من ذلك كله نرى أنّه لا اختلاف بين العلماء في أنَّ الهكسوس أتوا من الشرق وأنهم جاؤوا من آسيا، ولكن إذا أردنا أن نقترب أكثر من ذلك لنعرف من أي جنس كانوا فإننا نصل إلى النتيجة الآتية: وهي أنهم ليسوا من شعب واحد وإنما من شعوب متعددة، وأنه وإن غلبت في أسمائهم الأسماء السامية فإنّنا نجد أيضاً أنَّ فيهم عناصر غير سامية لا شك أنَّ بعضها (كاسي)، والبعض الآخر (حري)، وكلا الجنسين من أصل (هندو – أوروبي)، نزل من أواسط آسيا كما سبق القول.
ومعنى الهكسوس ليس لقباً سامياً أو (آريا)، بل معنى مصري وهي تعني (تحريف للقب) يرجع أصلها في عهد الأسرة الثانية عشرة وهو (حقا خاسوت)، أي ملك الدول الأجنبية، وكان اسماً يُسميه المصريون على زعماء القبائل البدوية التي كانت تعيش في شرقي مصر، ونراه مكتوباً، فوق منظر قدوم البدو الساميين في إحدى مقابر بني حسن.
كما جاء أيضاً في قصة سنوهي أثناء حديثه عن إقامته بين بدو (لبنان – سورية). ولا جدال في أنَّ هؤلاء الهكسوس جاؤوا من طريق فلسطين وربما كانت جحافلهم المختلطة مستقرة هناك قبل مجيئهم إلى مصر، فلما ضغط عليهم غيرهم هاجروا إلى وادي النيل وحملوا معهم كثيراً من عاداتهم ومظاهر ثقافتهم.
وكانت هناك آراء في أنهم جاؤوا عند غزوهم لمصر بالخيل والعربات الحربية، وأنه كانت لهم مملكة واسعة شملت رقعة كبيرة من آسيا مدللين على ذلك بتشابه الحصون الحربية ووجود أنواع خاصة من الفخار، ولكن أحدث الأبحاث العلمية لا تقبل هذه الآراء الخاصة بإمبراطورية هكسوسية بحال من الأحوال.
كما أنه يعوزنا الدليل على أنَّ الغزاة الأجانب جاؤوا بالخيل والعربات، بل أنهم لا يستعملوها إلا في أواسط أيام حكمهم في مصر وبعد أنّ مر عليهم فيها نصف قرن على الأقل، أو ربما بعد ذلك أيضاً قبيل طردهم من مصر.
حكم الهكسوس:
تعتمد المعلومات عن حكم الهكسوس على مصدرين أولهما ما قام بكتابته مانيتون وما أتى على الآثار، أما ثاني المصدرين فهو ما قامت بإخراجه الحفريات الأثرية في مصر وفلسطين. وتتفق المراجع المصرية على أنَّ الهكسوس كانوا قوماً مخربين وأنهم أذلوا مصر وخربوا معابدها، ولكن النقد الصحيح لا يمكن أن يقر الاعتماد على وجهة نظر أحد الخصمين فقط فإنَّ ما وصل إلى يدنا من هذه النصوص كتبه المصريون بدافع الوطنية الخالصة أو بدافع آخر من الزهو والدعاية من جانب الملوك المتأخرين مثل حتشبسوت الذين قاموا بإصلاح ما أصاب بعض المعابد أثناء حرب التحرير.
فمثلاً نشاهد في نص حتشبسوت إنهم ليس لهم علم بالإله (رع)، ولم يُمجدوه بينما نشاهد معظم ملوكهم قاموا بجعل اسم رع جزء أساسي من ألقابهم مثل (عا أوسر رع)، و (نب خبش رع)، و (عاقنن رع)، بل أنَّ بعض ملوكهم كتبوا أمام أسمائهم أنهم (ابن رع)، جريا على عادة من سبقهم من ملوك مصر. وفي هذا دليل على عدم صحة ما ادعته حتشبسوت.
أما عن معاملتهم السيئة للمصريين فإنَّ هذا الأمر طبيعي فويل للمغلوب من الغالب في كل زمان ومكان، وليس عجيباً أنّ نسمع بأنَّ القاهر كان ظالماً أو مستبداً بل العجيب أن نتوقع أن نسمع من المغلوب رضاءه عن قاهريه وسالبي حريته ومن أذاقوه طعم المذلة والهوان.
وإذا قمنا بالرجوع إلى الآثار نفسها لوجدنا أنَّ مدة دخول الهكسوس لمصر لم تصل إلى أي تطور ملحوظ على الفن المصري أو الحياة المصرية، فكل شيء سار في مجراه الطبيعي وإذا كانت هناك بعض عناصر جديدة في الفن المصري او في الفخار فإنها كانت نتيجة منتظرة لزيادة اتصال مصر بغربي آسيا عندما كان الهكسوس في شرقي الدلتا وكان أهلهم الأقربون يعيشون في فلسطين وسورية.
أما عن عبادتهم، أو عبادة الذين لم يعبدوا ديانة المصريين من بينهم، فإنّها تركزت في عبادة الإله (سوتخ)، وهو دون شك أحد مظاهر الإله (ست)، المصري الذي كان معبوداً في شرقي الدلتا منذ الدولة القديمة، وأنه لم يكن غريباً على البلاد. والمرجح أنَّ الهكسوس رأوا في هذا الإله شبيهاً أو صورة من الإله الأسيوي (بعل)، فقبلوا أنّ يعبدوه وجعلوا منه المعبود الأكبر في البلاد، فكان في هذا الإجراء بعض ما آذى شعور السكان الذين كانوا يعبدون آلهة أخرى.
ولكنا نعرف أيضاً أنَّ الحمار كان كانوا يجلونه ويدفنونه في مقابرهم وكان الهكسوس يرسمون الإله سوتخ في مظهر أسيوي أكثر منه مصرياً فإنه كان قريباً من مظاهر الآلهة الأسيوية امتثال (بعل)، و (رشب)، و (تشوب)، فإن رداءه ولباس رأسه الذي يخرج منه القرنان صورة تامة للآلهة الأسيوية، وهناك أثر هام لتاريخ ست والهكسوس على السواء، وهذا الأثر هو اللوحة المعروفة باسم لوحة عام (400)، التي عثر عليها مرييت في صان الحجر ثم دفنت ثانية وبحث عنها بتري وبارازنتي دون جدوى إلى أنّ عثر عليها مونتيه في حفائره هناك.
وقد أقام الملك رمسيس الثاني هذه اللوحة تمجيداً لدخول أبيه وجده لهذه المدينة في فترة من الزمن وكان ذلك في أيام الملك حور محب عندما كان الجد أحد قواد الجيش وكان الأب ضابطاً فيه. حدثت هذه الزيارة حوالي عام (1330 ق.م.)، وكان قد مضى إذ ذاك على بدء عبادة (ست)، في هذه المدينة (400) سنة، فلو رجعنا في هذا الوقت لرأينا أنَّ عام (1730)، وهو بدء إعلان تتويج الإله ست إلهاً للبلاد كلها يوافق بدء سيطرة الهكسوس على مصر. أما السبب الذي حدا برمسيس الثاني إلى إقامة هذا الأثر فهو ولا ريب تمجيد لهذا الإله الذي كان يحتل المكانة الأولى في المدينة التي جاءت منها عائلة هذا الملك.