نظام القرابة عند بعض المجتمعات السكانية المتميزة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


سنطرح في هذا المقال موضوعين فيما يخص القرابة في الأنثروبولوجيا وهما: نظام القرابة عند بعض المجتمعات السكانية المتميزة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والإجراءات المنهجية لدراسة نسق القرابة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية.

نظام القرابة عند بعض المجتمعات السكانية المتميزة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

تمثل القرابة أهم النظم الاجتماعية في أي مجتمع تقليدي من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية، ولا عجب في أن حظي هذا النظام بأكبر قدر من الدراسات الأنثروبولوجية، كما خصه الباحثون في هذا العلم بكم هائل من التحليلات والتغيرات. وقد كشف لنا كل ذلك أن القرابة هي محور البناء الاجتماعي في هذا النوع من المجتمعات. وهي متداخلة تداخلاً حياً وفعالاً مع بقية أنساق هذا البناء.

معنى ذلك أن أي باحث يحاول أن يفهم طبيعة العلاقات في أي مجتمع تقليدي، فعلية أن ينطلق أولاً من فهم النظام القرابي في هذا المجتمع، سواء كان سيتناول النسق السياسي أو الاقتصادي أو غير ذلك. ويؤكد راد كليف براون من دراسته للقبائل الأفريقية مدى الدور الذي تلعبه القرابة في حياة هذه الشعوب. فالزائر لهذه المجتمعات لا يستطيع أن يفسر الكثير من العادات والظواهر السلوكية التي يصادفها إلا إذا توصل إلى فهم طبيعة القرابة ودورها هناك.

والدراسة الحالية تمثل إسهاماً في دراسات الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية على حد سواء. إذ تتصدى لدراسة أهم نسق اجتماعي لدى ثلاث مجتمعات إثنية متميزة هي: المجتمع الأول مجتمع حضرى مستقر وقديم. والمجتمع الثانى مجتمع إثني متميز من النواحي السلالية والاجتماعية والثقافية. والمجتمع الثالث هو مجتمع بدوي متميز أيضاً من كافة النواحي خاصة النواحي السلالية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

والجماعات الإثنية المتميزة رغم اختلافها الكبير تتجاوز في منطقة واحدة، وتختلط ببعضها، وتتبادل العلاقات فيما بينها أحياناً، وهي قبل هذا وبعد هذا مجتمعات إثنية تعيش على أرض أفريقية.

الإجراءات المنهجية لدراسة نسق القرابة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

يلعب النسق القرابي دوراً هاماً وأساسياً في مجتمعاتنا، وبصفة خاصة المجتمعات الريفية والبدوية ذات التنظيم القبلي لأن القرابة تمثل المحور الأساسي لصياغة التكامل الاجتماعي في المجتمعات القروية والبدوية بقدر ما يحقق النسق السياسي في المجتمعات المتقدمة.

ولقد أثيرت في هذا الصدد مجموعة من التساؤلات تحدد كيفية دراسة نسق القرابة لهذه المجتمعات، أو بمعنى أخر، ما هو المدخل الملائم لفهم طبيعة ومفهوم القرابة، ودور أو وظيفة النسق القرابي في هذه المجتمعات ومدى علاقته وتأثيره على الأنساق الأخرى مثل النسق الاقتصادي والسياسي وهل ما زال دور أو وظيفة القرابة يمارس بنفس القوة في هذه المجتمعات، أم حدث هناك تغيير وما هو السبب؟

ذلك لأن الآراء تعددت في هذا الموضوع، وهذا التعدد إنما يعكس لنا تركيز علماء الأنثروبولوجيا بدراسة وظيفة النسق القرابي للمجتمعات البدائية في كل من أفريقيا وأستراليا وأمريكا، وجميعها تؤكد مدى الدور الذي يلعبه النسق القرابي لهذه المجتمعات ذات الحضارة البسيطة البدائية.

وإذا رجعنا إلى تراث الفكر السوسيولوجي الأنثروبولوجي، نجد أن هناك كثيراً من النظريات التي تعالج موضوع القرابة، فهناك أصحاب النظريات التطورية ويدعون بالتطوريين ومنهم “مورجان” و “باخوفن”، وقد ساهمت هذه النظريات في إثراء التراث الأنثروبولوجي.

إلا أن هذه النظريات لم تقدم كثيراً لعدم التزامها بالأسس المنهجية، فقد اعتمدت على الافتراضات القبلية بالإضافة إلى استخدامها منهج التاريخ الظني لتفسير كثير من الظواهر. والمرحلة التالية لذلك هي النظرية الوظيفية التي اهتمت بدراسة هذا الموضوع في سياق بنائي مع مراعاة الحقائق النظرية أكثر مما كان سائداً من قبل.

ولدراسة هذا الموضوع سلكت النظرية الوظيفية المنهج الوصفي التحليلي والتفسيري. ولهذا كانت هذه أول خطوة قامت بها الباحثة لدراسة النسق القرابي لكل من المدينة والقرية وتجمع بدو. وذلك من خلال التعرف على المصطلحات الوصفية والتصنيفية السائدة في كل مجتمع من المجتمعات الثلاثة التي نستطيع من خلالها التعرف على الدرجات القرابية المختلفة والحقوق والواجبات الملزمة للأسرة.

ومن ناحية أخرى تهدف الدراسة إلى التعرف على وظيفة المصطلح القرابي ومقارنته في كل مجتمع من مجتمعات البحث في حل المتناقضات بين السلوك الواقعي والصادر من النظرية العامة. كما أن طبيعة الدراسة المقارنة للنسق القرابي تتطلب التركيز على دراسة النظم الداخلية ضمن النسق القرابي، وهي نظم الزواج والنسب والانحدار، بالإضافة إلى التشعبات المختلفة للجماعات القرابية التي من خلالها يمكن التعرف على الخط الذي يشيع في كل مجتمع من مجتمعات البحث الثلاثة.

وفي نفس الوقت الاهتمام بدراسة علاقة النسق القرابي بالأنساق الأخرى كالنسق الاقتصادي وما يشمل علية من نمط الحرف السائدة ونظم الملكية أو الحيازة ونظم تقسيم العمل، وعلاقته أيضاً بالنسق السياسي المتمثل في بناء القوة السائدة وكيفية اختيار الممثلين السياسيين وعلاقته بنسق الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي.


شارك المقالة: