قد بدأ في آخر عقدين من القرن الماضي مفاهيم ومصطلحات حديثة حول مواضيع استراتيجيات الإنتاج والتصدير، ومن هذه الاستراتيجيات استراتيجية اللوجستية التجارية، واستراتجية تحديد مصادر الحصول على احتياجات الموارد الأولية واستراتيجية الاعتبارات الخاصة بالاستيراد، واستراتيجية السياسات الجمركية واستراتيجية إنشاء المناطق الحرة.
استراتيجيات الإنتاج والتصدير:
1. استراتيجية اللوجستية التجارية:
تمَّ تعريف الاستراتيجية اللوجستية التجارية هي تخطيط وتنظيم والسيطرة، في كل عمليات الترحيل والتخزين التي تبسط تدفق السلع من نقاط الموارد الخام، حتى المستهلك النهائي مع عمليات تدفق المعلومات الملازمة لذلك، وهدف كل هذا هو تأمين مستوى الخدمة المناسبة للمستهلك وتحقيق الإيراد المناسب للشركة، وتنسيق النفقات المحتملة لمقاومة عقبات الزمان والمكان واحتياجاتهما.
وكما هو واضح من هذا التعريف، فإنه يحتوي على سلسلة العمليات المتتابعة التي تضمن تحقيق الانسياب المتتابع بالنسبة للأنشطة التي تخص النقل والتخزين والتعبئة والتغليف، وإدارة حركة المواد والتخطيط للإنتاج والبرمجة مع التنبؤ بالمبيعات الحالية والمستقبلية.
ومن المعروف إن المواد الخام والنصف مصنعة قد تأتي من السوق الداخلي والسوق الخارجي، وهذا وفقًا لقدرات الشركة وتوافر المواد في الدولة من جهة، أو عن طريق شرائها ممَّن الخارج في حال كانت تكلفة الاستيراد أقل من جهة أخرى.
وتختلف فلسفة واستراتيجيات الشركات والدول حول موضوع التصنيع وموضوع التجميع، إذ تفضل بعض الشركات أن تصنع المكونات الرئيسية في بلد الشركة الأصلي على أن يتم تجميعها في دول أخرى يكون لها فروع أو شركات مستقلة تتبع للشركة الأم، وهذا في حاله عقود الامتياز والترخيص.
في الوقت التي تفضل فيه شركات أخرى أن تُنفذ كل العمليات الإنتاجية في الخارج، بينما الطرف الثالث يرى وجوب التصنيع والتجميع في الدولة الام ومن ثم القيام بعملية التصدير للخارج. وكل بديل من هذه البدائل له مزاياه وعيوبه والشركة التي تقرر اختيار البديل المناسب لمصلحتها.
2. استراتيجية السياسات الجمركية:
تعاني الشركات الدولية من السياسات المالية والسياسات الجمركية التي تطبقها بعض البلدان، بالنسبة لفرض الضرائب والرسوم الجمركية على المستوردات من مستلزمات الإنتاج وعلى الصادرات الوطنية، بينما يتم إعفاء الصادرات والواردات بالنسبة للعديد من البلدان من أي ضرائب أو رسوم جمركية أو أن تفرضها في إطار ضيق.
والشركات تسعى للتعامل مع البلدان التي تكون ضرائبها على الواردات معدومة، أو في الحد الأدنى عدا بعض السلع مثل المشروبات الروحية والتبغ والمواد الكيميائية وغيرها. وتلجأ الشركات الدولية في العادة لمخلص أو لبعض المكاتب القانونية لتطبيق المعاملات الجمركية واسترداد ضرائب المبيعات، التي لا تستحق الدفع إلا داخل حدود الدولة، على اعتبار أن هذه المكاتب على معرفة تامة بالوضع القانوني المنتشر في مجالات الجمارك.
3. استراتيجية لاتحديد مصادر الحصول على الاحتياجات الأولية:
تحديد مصادر الوصول على الاحتياجات من المواد الأولية ونصف المصنعة، بناءً على دراسة التكلفة مقارنة ما بين مختلف الأسواق، حيث يتم مشاهدة أن العديد من البلدان التي لا تحتكم على مواد أولية كافية، مثل اليابان التي تستورد مواد التصنيع الأساسية والنفط والكثير من السلع الزراعية من المصادر المتنوعة، وبهذا فهي تتحمل تكاليف الشحن وتكاليف التأمين العالية التي تعمل على رفع التكلفة الصناعية.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الحالات ورغم وجود بعض العناصر الأولية والخامات في أرضيها، إلا أنها تتجه للبحث عن مصادر تكلفتها أقل لتأمين الحاجات، مثل قيامها بشراء النفط الخام والقيام بنقله وثم تخزينه واستهلاكه جزئيًا والاحتفاظ بالاحتياط النفطي للمستقبل المجهول.
4. استراتيجية إنشاء المناطق الحرة:
تلجأ لهذا الأسلوب البلدان التي ترغب باستقطاب الاستثمارات الخارجية، وتشجيع بعض الصناعات وتصدير المنتجات لخارج الحدود. ولذلك نلاحظ بأن البلدان تقدم مجموعة من الامتيازات والتسهيلات للراغبين في الاستثمار في هذه المناطق، ومن أهمها:
- الإعفاء الكامل من كل الضرائب والرسوم الجمركية التي يقوم البلد المضيف بفرضها على الصادرات والواردات بالنسبة للأنشطة الداخلية، والإعفاء يكون عادة على ضريبة الدخل على الأرباح والعاملين وغيرها، وايضًا مثل رسوم الطوابع والغدارة المحلية والدفاع وغيرها.
- تقديم الضمانات القانونية الكافية من قبل الحكومات للدولة المضيفة بعد المصادرة و التأمين.
- إلغاء القيود الخاصة بالرقابة وخروج العملات المتنوعة، وخصوصًا العملات الأجنبية بالنسبة لتحويل الارباح ورأس المال وأجور العاملين الأجانب.
- تقديم التسهيلات المالية المطلوبة للشركة في المنطقة الحرة مثل الحصول على قرض من المصارف المحلية.
- تبسيط كل الإجراءات التي تخص الترخيص والتسجيل للشركات في المناطق الحرة، وضمان إعطاء العاملين الاجانب التأشيرات بالدخول والخروج من وإلى الدولة الهدف.
وتعمل الكثير من البلدان ومنها العربية على دعم وتنشيط إقامة المناطق الحرة على أراضيها، وقد نجحت هذه التدجربة إلى مستوى كبير في منطقة جبل على في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي الجمهورية التونسية وجمهورية مصر العربية والمملكة المغربية، وتوسع النشاط أيضًا في الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية والمملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من الدول العربية.
وتسعى هذه البلدان لتوفر البنى الهيكلية المطلوبة وتقديم العديد من التسهيلات في المناطق الحرة، حتى تقوم على تشجيع الصناعة وهيئات إدارية وهيئات فنية تكون مستقلة لها شخصيتها الاعتبارية، وتتميز بالمرونة الكافية التي تجعلها قادرة على علاج كل المشاكل التي تتعرض لها المستثمرين فيها.
5. استراتيجية الاعتبارات الخاصة بالاستيراد:
في العادة تقوم الشركات المستوردة بالبحث عن مصادر للحصول على المستلزمات الإنتاجية، فقد تكون هذه المستلزمات متنوعة وتقع في بعض الدول المختلفة، إلا أنها في كل الحالات كجهة مستوردة تبقة محكومة ببعض الشروط المرتبطة بالقوانين الخاصة بالاستيراد والتعقديات الشديدة، وخضوعها للإجراءات الروتينية بيروقراطية في العديد من دول العالم؛ ممّا يتطلب أن يتم الاعتماد على بعض الوكلاء أو بعض العملاء، أو المخلصين الجمركين الذين تكون عليهم مسؤولية السيطرة على كل العقبات والمشاكل، والقيود الخاصة بإبرام العقد واستلام لبضاعة والتأمين عليها والحصول على بولصية الشحن وأيضًا الحصول على شهادة الملكية وشهادة المنشأ.
أمّا الاعتبار الآخر الذي له أهمية كبيرة فهو مرتبط بالقواعد المالية، والقواعد الفنية الخاصة بالأسعار والخصومات والدفع وجودة المواد والتسليم وجداول التوريد المتوقعة وغير ذلك من الأمور. ولذلك تقوم الشركات بتحليل كل المصادر والعروض المالية والفنية وتختار الأفضل، والذي يكون ملائم لمصالحها في حدود مجموعة من المعايير والمقاييس التي تضعها الشركة المستوردة نفسها.
وقد تلجأ الشركات متعددة الجنسيات إلى الاستيراد من زميلاتها أو التبادل معهم، أو يمكنها الاعتماد على بعض المورّدين المحليين لمجموعة المواد في إطار القواعد التي تقوم الدول المضيفة، بوضعها على الشركات الأجنبية لكي تستخدم المواد ذات المنشأ المحلي.