أسباب اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة

اقرأ في هذا المقال


يمثل اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة عدد معين أو عدد محدد من الاضطرابات الحيوية المتعلقة بوظائف الدماغ، وتتمتع هذه الفرضية بوجود جذور تاريخية قوية لاعتبار اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة مؤشراً على الخلل الدماغي البسيط، وما زالت هذه الفرضية تحفز إجراء بحوث في الجانب الوراثي والعصبي الحيوي لاضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة.

أسباب اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة

تتمثل أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة نسيجاً مشتركاً للعديد من الأنواع المختلفة للخلل الدماغي، ومن هنا يتوجب على الاختصاصيين التركيز على الخلل الأساسي، وألا يكتفوا بالتشخيص المتعلق باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ويشبه المؤيدون لهذه الفرضية أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة بأعراض الالتهاب فإذا تم قبول الالتهاب كتشخيص، فإن ذلك سيحد من فهم العديد من الاضطرابات التي تسبب
الالتهاب.

يعتبر اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة أساساً تشخيصياً بعدياً وليس تشخيصاً تصنيفياً، إذ يعتقد مؤيدو هذه الفرضية أن مدة الانتباه ومستوى النشاط والمقدرة على ضبط الدوافع الذاتية كلها سمات طبيعية للفرد، ومن الطبيعي أن تكون متباينة بين الأفراد من مثل الطول والذكاء، ووفقا لوجهة النظر هذه فإن العديد من الأطفال الذين تم تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة لديهم يكون من الأفضل القول بأن لديهم تفاوتات تطورية طبيعية أو مشكلات تطورية طبيعية، كما سماها الدليل التشخيصي والإحصائي للأطفال والمراهقين في انتباههم ونشاطهم واندفاعهم.

ومن جانب آخر يرفض مؤيدو هذه الفرضية الاعتقاد بأن معظم الأفراد الذين تم تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة لديهم يعانون من اضطراب في وظيفة الدماغ، مشيرين إلى أن التمييز بين الأفراد الطبيعيين والأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، وغالباً ما يكون اعتباطياً أو إحصائياً الأفراد الذين يعانون من عدد معين من الانحرافات المعيارية تقع فوق المتوسط، وهذا الأمر يجعلهم يعتقدون بأنه في معظم الحالات يكون التوافق الضعيف بين طبيعة الفرد والمتطلبات البيئية هو المسبب الرئيسي للمشكلة.

وليس هناك خلاف بأن الأفراد الذين يتعرضون لإصابات دماغية غالباً ما تظهر عليهم أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، وإضافة إلى ذلك تم إثبات أن العديد من الاضطرابات المسلم بتأثيرها على نمو الدماغ تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة.

ومن الأمثلة على هذه الاضطرابات نقص الرصاص قبل الولادة أو تعاطي الكحول أو عدم اكتمال النمو أو الالتهاب الدماغي أو السحايا  أو الاختلالات الأيضية الوراثية والعديد من المتلازمات الوراثية، وغير أن معظم الأطفال الذين تم تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة لديهم لم يتعرضوا لإصابة دماغية أو اضطراب معروف يؤثر في نمو الدماغ لديهم.

العوامل المسببة لاضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة

تركز البحث عن عوامل مسببة مسؤولة عن اضطراب عجز الانتباه وفرط الزائر الحركة على الدراسات المتعلقة بالناقلات العصبية والدراسات العصبية النفسية، ودراسات التصوير العصبي البنائي أو الوظيفي والدراسات المتعلقة بالوراثة، وتتضمن الدراسات التي تجرى على الناقلات العصبية ذلك في مجموعة من السلوكيات المتصلة بعدة الانتباه والاندفاعية، وإضافة إلى ذلك تزيد معظم العقاقير الفعالة في معالجة اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة.

وهي المنبهات ومضادات الاكتئاب ثلاثية التركيب الجزيئي ومانعات تأكسد المونو أمين من نقل الدوبامين والنورإبنفرن في الدماغ، وعلى الرغم من هذه الحقائق لم تستطع الدراسات التي تقيس مستوى الناقلات العصبية على إثبات وجود فروقات على نحو متسق بين الأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة والأفراد غير المصابين به، ومما يعقد تفسير هذه النتائج هو أن قد لا تعكس ما الذي يتم في نقاط الاشتباك فعلاً العصبية في الدماغ.

فقد يسهم التأثير العلاجي الأساسي للمنبهات في اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة في منع إفراز الدوبامين في مناطق الدماغ التي تحتوي على مستقبلات تلقائية مانعة، وليس واضحاً فيما إذا كانت هناك فروقات في مستويات الناقلات العصبية في أدمغة الأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة وغير المصابين به، أما الفرضية التي تعتقد بزيادة هذه الناقلات أو نقصانها فهي على الأرجح بسيطة وسطحية  حيث إنها لا تعلل وجود تباينات في كيفية عمل الناقلات العصبية في الدماغ.

وقد أدت التشابهات بين هذه المشكلات ومشكلات الأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، إلى افتراض أن اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة يمثل شكلا من أشكال الخلل الوظيفي للفص الجبهي، إذ وجدت الدراسات المستخدمة للاختبارات العصبية النفسية والتي تقيم عمل الفص الجبهي في المنع السلوكي، أن أداء الأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة يكون أضعف من أداء الأفراد غير المصابين به، وتتطلب هذه الاختبارات من الأفراد الاستجابة إلى مثير واحد دون الاستجابة لمثير مشابه أو منافس.

فعلى سبيل المثال عادة ما يواجه الأفراد ذوو اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة صعوبات في اختبار ستروب للألوان، والذي يطلب منهم ذكر لون الحبر أحمر أو أخضر أو أزرق لمسمى اللون المطبوع في حالة كون مسمى اللون مختلفاً عن لون الحبر، ومن جانب آخر لا تخلص الاختبارات العصبية النفسية والتي تقيم الوظائف الأخرى للفص الجبهي، من مثل معلومات التخطيط والتنظيم دائماً إلى إيجاد مواطن عجز لدى الأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة.

وذلك على الرغم من صعوبة هذه المهمات، وفي الغالب بالنسبة لهؤلاء الأفراد بناء على ما تمت ملاحظته عيادياً، وليس واضحاً فيما إذا كان ذلك يدل على أن الاختبارات تعوزها الحساسية نحو العيوب الدقيقة في اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، أو على أن المشكلات المتعلقة بالتخطيط والتنظيم تتصل بحالات أو عوامل مرضية مصاحبة أخرى من غير تلك المتعلقة بوظيفة الفص الجبهي.

وتشير الاختبارات العصبية النفسية أيضاً إلى وجود عناصر مختلفة للانتباه توفق بينها مناطق مختلفة من الدماغ، على سبيل المثال يبدو أن القرار المتصلة بالانتباه له علاقة بالفص الجداري، حيث أن الفصوص الجبهية متعلقة بتحسين آلية الاستجابة للمثير، وتميز هذه الأنواع من الدراسات أيضاً المقدرة على الاستمرار في العمل على مهمات طويلة ومكررة إدامة الانتباه، وعن المقدرة على التركيز المجهد على
مهمة تركيز الانتباه.

فما زالت هذه الدراسات والنتائج تمثل ميداناً خاصاً يلقى اهتماماً لدى دراسة اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة؛ بسبب الاعتقاد بأن الأفراد المصابين بالنوع الشامل من اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة يعانون من عجز حاد في إدامة الانتباه، وفي حين أن الأفراد المصابين بالنوع الذي تغلب فيه قلة الانتباه من اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة قد يعانون من عجز حاد في تركيز الانتباه.

ويعتبر تصوير الدماغ وسيلة أخرى استخدمت لدراسة مناطق في الدماغ، قد تكون متأثرة باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ففي حين أن المسوحات التي تتم من خلال التصوير المعياري بالرنين المغناطيسي للدماغ لا تبين العيوب البنائية لدى الأفراد ذوي اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، فقد كشفت الدراسات التجريبية  عن وجود فروق دقيقة بين أدمغة الأفراد ذوي اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة والأفراد غير المصابين به.

وتقدم الدراسات التي تجرى على التوائم والإخوان والأسر والأبناء بالتبني، دليلاً على أهمية العوامل الوراثية في اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، وتم ملاحظة عند تشخيص الاضطراب تشابه في (59%- 81%)من التوائم المتطابقة مقارنة مع نسبة الثلث فقط لدى التوائم غير المتطابقة متشابهة الجنس، وعلى نحو مماثل لنتائج التوائم غير المتطابقة.

وجدت الدراسات التي أجريت على الأفراد ذوي اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، وأن حوالي (25%) من هؤلاء الأقرباء يتم تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة لديهم مقارنة مع (4%-8%) فقط من أقرباء الأفراد غير المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ويعتبر الأقرباء بالتبني للأفراد المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة أقل عرضة للإصابة بهذا الاضطراب من أقرباء الدم أو الأقرباء البيولوجيين لهؤلاء الأفراد.

وفي النهاية فقد كشفت عن مجموعة من الإصابات الدماغية وبعض العوامل الوراثية المجهولة، والتي تسبب أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ومن الواضح عيادياً أيضاً أنه قد يكون من الأفضل اعتبار بعض الأفراد الذين يعانون من اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة بأن لديهم تباين تطوري، وفقاً للدليل الإحصائي والتشخيص للأطفال والمراهقين، أو أن لديهم مشكلة قد لا تكون دالة على وجود خلل وظيفي في الدماغ.


شارك المقالة: