أهم مسائل القياس النفسي

اقرأ في هذا المقال


يمكن أن تحدث مشاكل القياس في بعض الأحيان مع عواقب وخيمة، نحن لا نختلف في وضع علم النفس لأنّنا نبحر في التحولات وفي ثقافتنا البحثية نحو علم أكثر انفتاح وصرامة، حتى الآن تجاهلت هذه التحولات إلى حد كبير موضوع القياس وهو موقف مؤسف؛ لأنّ جودة القياس أساسية أكثر من الممارسة الإحصائية، لا يمكن لنموذج إحصائي عالي القوة وشحيح أن ينقذنا من القياس السيء.

أهم مسائل القياس النفسي:

في علم النفس القياس النفسي صعب بشكل خاص؛ لأنّ ما نريد قياسه في كثير من الأحيان لا يسمح بالمراقبة المباشرة، يمكننا أن نلاحظ بشكل مباشر ارتفاع الشخص المجاور لنا في الحافلة، لكن غالباً ما يكون لدينا القليل من البصيرة في سمات النفس الكامنة مثل الذكاء أو الانبساط أو الاكتئاب، كذلك التحقق من صحة البناء أو إظهار أنّ الأداة التي يقصد بها قياس البنية تقيس بالفعل البناء المعني ليست مهمة سهلة، لا يصعب ملاحظة التركيبات النفسية فحسب بل إنّها معقدة أيضاً.

من السهل نسبياً تحديد أي البحر يجب أن يكون معيار لحساب الارتفاع فوق مستوى سطح البحر، لكن تحديد الذكاء أو الانبساط أو الاكتئاب بشكل واضح يمثل تحدي، هناك طرق مختلفة لفهم وقياس هذه التركيبات لأنّها تشمل سلوكيات وتصورات مختلفة، لذلك يجب تسليط الضوء على إهمال القياس النفسي وشرح لماذا يشكل هذا تهديد خطير وغير معترف به لجهود التكرار الأخيرة في العلوم النفسية.

القياس المهمل:

لقياس البناء النفسي مثل الانبساط غالباً ما يستخدم علماء النفس الاستبيانات مع عناصر متعددة، تتم إضافة العناصر إلى درجة ويفترض أنّ هذه الدرجة تمثل موقع الشخص في البناء، مطلوب لدعم المطالبة أن يكون لدى الشخص نظرية جيدة تدعم العناصر التي يدرجها في مقياسه، كذلك مقياس يظهر الخصائص السيكومترية المقبولة مثل الموثوقية والأبعاد، أيضاً مقياس متعلق بالبنيات الأخرى بالطرق المفترضة التي تلتقط اختلافات المجموعة أو العمليات السببية المتوقع وجودها.

فقط إذا كان مقياسه يلبي هذه المعايير، يمكن أن يتبع الاستنتاجات الموضوعية، لا توجد أدلة على الصحة في العديد من مجالات البحث النفسي، على سبيل المثال يتم تقييم الاكتئاب في أكثر من 1000 دراسة بحثية سنوياً ويتم استخدامه كنتيجة أو متنبئ أو وسيط أو متغير في العديد من التخصصات، تم تطوير واستخدام أكثر من 280 مقياس مختلف لتقييم شدة الاكتئاب في الأبحاث في القرن الماضي.

تتميز مقاييس الاكتئاب شائعة الاستخدام بأكثر من 50 عرض مختلف وتداخل المحتوى بين المقاييس منخفض، على سبيل المثال ثلث الأعراض في المقياس الأكثر استشهاد مقياس الاكتئاب المكون من 20 عنصر لمركز الدراسات الوبائية، لا تظهر في أي من الأدوات الأخرى الأكثر استخدام، النتيجة هي أنّ المقاييس المختلفة يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات مختلفة والتي تم توثيقها عدة مرات في التجارب السريرية.

على سبيل المثال استفسرت تجربة سريرية حديثة المرضى على أربعة مستويات مختلفة لفحص ما إذا كان ارتفاع حرارة الجسم بالكامل علاج فعال للاكتئاب، أظهرت مجموعة ارتفاع الحرارة تحسينات كبيرة مقارنة بالدواء الوهمي في مقياس واحد فقط من المقاييس الأربعة، لسوء الحظ أبلغ المؤلفون عن النتائج الثلاث الفارغة في المواد التكميلية دون ذكرها، على الرغم من أنّ مقارنة نتائج المقاييس المتعددة تقدم رؤى أكثر قوة، إلا أنّها تفتح الباب أيضاً.

كان للاكتئاب الشديد أحد أدنى اعتمادية بين جميع الاضطرابات النفسية التي تم تقييمها في التجارب الميدانية (DSM-5)، غالباً ما يتم نمذجة مقاييس الاكتئاب بشكل عام دون مراعاة تعدد أبعادها ونقص ثبات القياس الزمني، على غرار حالة (Orbiter) يمكن أن يكون لقضايا القياس النظري والإحصائي عواقب وخيمة، كما تحيز استنتاجات الدراسات البحثية وإدخال خطأ في الاستدلالات، الاستنتاجات التي تؤثر على السلوك الواقعي للعلماء وتخصيص الموارد في العلوم.

الاكتئاب ليس مثال منعزل عن ممارسات القياس السيئة في البحث النفسي، تستشهد المراجعات في مجالات محددة بقضايا مماثلة ويقترح عملنا الأخير أنّ الممارسات السيئة تشمل الموضوعات والتخصصات الفرعية، في مراجعة منهجية لعينة تمثيلية من 35 مقالة تجريبية منشورة في أبحاث الشخصية وعلم النفس الاجتماعي في عام 2014، تمّ تحدبد 433 مقياس لقياس التركيبات النفسية.

من بين هؤلاء لم يتضمن نصفهم تقريباً أيّ اقتباس لأي دراسة للتحقق من الصحة، بالنسبة للعديد من المقاييس كان ألفا كرونباخ هو الخاصية السيكومترية الوحيدة وبالنسبة لواحد من كل خمسة مقاييس، لم يتم الإبلاغ عن أيّ معلومات قياس نفسي على الإطلاق، دليل مبسط على الصحة في الممارسة العملية يشكل تسلسل هرمي، استخدم المؤلفون مقاييس متعددة لقياس بناء واحد دون تبرير استخدامهم لمقياس معين، لاحظنا أيضاً أنّ تعديل المقياس كان شائع.

القياس الضعيف وعمليات التكرار:

عند أخذ نتائج هذه الدراسات معاً، من الصعب تجاهل العلاقة بين ممارسات القياس السيئة والمناقشات الحالية حول قابلية التكرار، على سبيل المثال استخدم ( Monin و Sawyer ) مجموعة متنوعة من المقاييس في دراستهم، التي تمّ إدارتها أيضاً في دراسة النسخ المتماثل كجزء من مشروع التكاثر في علم النفس، مع ذلك حددت دراسة التكرار حلول عوامل مختلفة في القياسات الأولية، ممّا يشير إلى أنّ العناصر المختلفة شكلت عوامل مختلفة.

كيف لنا أن نفسر نتيجة هذه الدراسة؟ هل هو فشل نظري أم فشل في التكرار أم فشل في القياس؟ مرّة أخرى هذه الأسئلة تنطبق على نطاق واسع، بالنسبة للاكتئاب على سبيل المثال غالباً ما يختلف هيكل العامل لمقياس معين عبر العينات، ذلك عبر الوقت في نفس العينة وحتى في مجموعات فرعية كبيرة من نفس العينة، إذا كان المقياس يفتقر إلى الصلاحية أو يقيس التركيبات المختلفة عبر العينات، فهناك فائدة قليلة في إجراء دراسات النسخ المتماثل.

يجب أن نتراجع خطوة إلى الوراء ونميّز كيفية تحديد وقياس متغيرات الفائدة في المقام الأول، في مثل هذه الحالات ما نحتاجه هو دراسات الصلاحية وليس دراسات التكرار، سيكون عملنا لتعزيز قابلية التكرار في علم النفس في وضع حرج في غياب تحسين ممارسات القياس لدينا، يجب أن يسير جعل التكرارات السائدة جنباً إلى جنب مع جعل نظرية القياس سائدة.

الاقتراحات غير الفنية في القياس النفسي:

تتغير المعايير في علم النفس وتدفع المقالات الحديثة وسياسات الناشرين علماء النفس نحو ممارسات أكثر صرامة وانفتاح، مع ذلك لا تزال المساهمات التي تركز على العلاقة بين القياس وإمكانية التكرار ضئيلة، لذلك يوجد بعض الاقتراحات غير الفنية التي نأمل أن تكون ذات صلة بالباحثين من جميع التخصصات الفرعية لعلم النفس، يجب أن نقوم بتوصيل البنية التي تهدف إلى قياسها بوضوح وكيف تحدد البناء، كذلك كيف تقيسه ومصدر القياس.

يجب أن نقدم سبب منطقي عند استخدام مقياس معين على الآخرين أو عند تعديل مقياس، إذا كان ذلك ممكن فيجب استخدام مقاييس متعددة لإثبات إمّا دليل قوي لاكتشاف أو حساسية نتيجة لمقاييس معينة، تمّ نسجّل دراستنا مسبقاً، هذا يعارض الإبلاغ الانتقائي عن النتائج الإيجابية والتعديلات الاستكشافية للتدابير للحصول على النتائج المرجوة والإفراط في تفسير النتائج غير الحاسمة عبر التدابير.

يجب أن نضع في اعتبارنا التدابير التي نستخدمها، على سبيل المثال ما فئة دليل الصحة التي نميزها؟ إذا كانت المقاييس التي نستخدمها تندرج في الفئتين الأوليين، فيجب أن نفكر في إجراء دراسة تحقق، إذا لم نتمكن من القيام بذلك فيجب الاعتراق بالقياس باعتباره أحد القيود على البحث الذي نقوم به، يجب أن نتوقّف عن استخدام ألفا كرونباخ كمصدر وحيد لإثبات صحة المقياس، تمّ التعرف على قيود ألفا الكبيرة ووصفها بوضوح عدة مرات، لا يمكن أن يقف ألفا بمفرده في وصف صلاحية المقياس.

يجب أن نضع النقاط المذكورة أعلاه في الاعتبار عند مراجعة مخطوطات المقياس أو عند العمل كمحرر، كما يجب أن نتأكد من قيام المؤلفين بالإبلاغ عن المعلومات الضرورية المتعلقة بالقياس، بحيث يمكن للقرّاء تقييم وتكرار القياس في دراسات المتابعة، أيضاً المساعدة في تغيير معايير القياس التي نعمل بها، نحن ندرك أن أبحاث القياس صعبة، يتطلب القياس خبرة نظرية ومنهجية، لا يمكن للممارسة النفسية الجيدة أن تعوض عن بنية سيئة التحديد ولا يمكن للبنية المحددة جيداً أن تعوض القياسات النفسية الضعيفة.

لهذه الأسباب من الصعب التوصل إلى بعض الإصلاحات السريعة لتحسين القياس، بدلاً من ذلك ندرك أنّ العديد من علماء النفس ربما لم يتلقوا تدريب في نظرية الصلاحية أو القياس النفسي، حيث يجب تقديم قائمة بالموارد للمهتمين بمعرفة المزيد، يجب أن تشمل هذه مجموعة من المواد الأساسية حول القياس والتحقق، بالإضافة إلى بعض الأمثلة التي يمكن الوصول إليها بسهولة.

المصدر: الاختبارات النفسية، سوسن شاكر مجيدالاختبارات النفسية، د.فيصل عباسالاختبارات النفسية العصبية، سعيد بن سعد زهرانأسس بناء الاختبارات والمقاييس النفسية والتربوية، سوسن شاكر مجيد


شارك المقالة: