البنائية الأخلاقية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


البنائية الأخلاقية في علم النفس هي وجهة النظر القائلة بأنه بقدر ما توجد حقائق معيارية، فإنها ليست مثبتة بحقائق معيارية مستقلة عما قد يوافق عليه الفاعلين العقلانيين في ظل بعض شروط الاختيار المحددة، وتكمن جاذبية هذا الرأي في شرح كيف أن الحقائق المعيارية موضوعية ومستقلة عن أحكامنا الفعلية، بينما هي أيضًا ملزمة وموثوقة بالنسبة لنا.

البنائية الأخلاقية في علم النفس

تأتي البنائية الأخلاقية في علم النفس في عدة أشكال، بعضها يدعي مكانه داخل الأخلاق بينما يدعي البعض الآخر أنه لا يوجد مكان داخلها على الإطلاق، ففي الواقع يتم الدفاع عن البنائية الأخلاقية في علم النفس أحيانًا كنظرية معيارية حول تبرير المبادئ الأخلاقية، فالبنائية المعيارية هي وجهة النظر القائلة بأن المبادئ الأخلاقية التي يجب أن نقبلها هي تلك التي سيوافق عليها الوكلاء أو يؤيدونها إذا انخرطوا في عملية افتراضية أو مثالية للتداول العقلاني.

تهدف النظريات البنائية الأخلاقية في علم النفس إلى تفسير طبيعة الحقائق المعيارية والأسباب العملية، حيث إنهم يحملون علاقة إشكالية بالتصنيفات التقليدية لنظريات ما وراء المعرفة والأخلاق، على وجه الخصوص هناك خلافات حول كيفية وضع البنيوية في مناقشة الواقعية أو اللاواقعية، تتجذر هذه الخلافات في مزيد من الاختلافات حول تعريف ما وراء الأخلاق، والعلاقة بين الادعاءات المعيارية وما وراء الأخلاقيات، والأساليب المزعومة ذات الصلة والمحددة بالتحقيق الأخلاقي.

تاريخ وخلفية البنائية الأخلاقية في علم النفس

دخل مصطلح البنائية الأخلاقية في علم النفس في نقاشات في النظرية الأخلاقية مع المحاضرات الأصلية للعالم جون راولز في البنائية الكانطية في النظرية الأخلاقية، حيث قدم راولز إعادة تفسير لأخلاقيات الفيلسوف إيمانويل كانط وأهميتها للمناقشات السياسية، ووفقًا لراولز فشلت هذه النقاشات في معالجة المعلومات والمشكلة السياسية للخلافات الأخلاقية بشكل فعال لأنها تتبنى معايير موضوعية معرفية، والتي تناشد الواقع المستقل وحقيقة القيم.

في رأيه هذه المعايير غير كافية لمعالجة الخلاف في النقاش الثقافي الذي يدعي فيه جميع أطراف النزاع أنهم يدافعون عن الرأي الصحيح الوحيد؛ لأنها تؤدي إلى طريق مسدود في المناقشة، حيث يتهم كل طرف خصمه بأنه أعمى عن الحقيقة الأخلاقية، ومنها يهتم راولز بشكل خاص بمشاكل التنسيق التي تنشأ في السياقات التعددية، حيث يكون للمواطنين آراء أخلاقية مختلفة وغير قابلة للقياس إلى حد ما.

الحاجة إلى الموضوعية في البنائية الأخلاقية في علم النفس حسب راولز هي عملية ينشأ في السياقات التي يختلف فيها الناس حول ما يجب تقييمه وما يحتاجون إليه للتوصل إلى اتفاق حول ما يجب القيام به، ومنها ينسب إلى العالم إيمانويل كانط فكرة أنه يجب علينا التعامل مع الموضوعية كمشكلة عملية وأنه يمكننا معالجة الخلافات الأخلاقية بشكل مثمر من خلال التفكير فيها.

وهكذا يلجأ راولز إلى كانط ليقوم بوضع الحجة بمفهوم الموضوعية غير المعرفية أي مفهوم الموضوعية الذي يتجنب الادعاءات بالحقائق الأخلاقية العالمية والأساسية المستقلة عن أحكامنا العقلانية تمامًا، وفقًا لهذا المفهوم لا أحد لديه امتياز الوصول إلى الحقيقة الأخلاقية في البنائية الأخلاقية في علم النفس، ولكن الجميع لديهم مكانة متساوية في التفكير فيما يجب القيام به.

أصناف البنائية الأخلاقية في علم النفس

يتم الدفاع عن البنائية الأخلاقية في علم النفس بعدة طرق، لكن ميزتها المميزة هي أنها تفهم طبيعة الحقائق الأخلاقية والمعيارية بناءً على اعتبارات حول السمات الأساسية للوكالة العقلانية، وفقًا لوجهة النظر هذه لا تنبع أسباب كون الفرد أخلاقيًا من اهتماماتنا أو رغباتنا، بدلاً من ذلك فهي متجذرة في طبيعتنا كوكلاء عقلانيين، بقدر ما يتم تبرير الالتزامات الأخلاقية من حيث المتطلبات العقلانية، فهي ملزمة عالميًا بالضرورة لجميع الكائنات العقلانية.

اقترح العالم جون راولز لأول مرة تفسيرًا بنائيًا لرواية العالم كانط للالتزام الأخلاقي والعقل العملي، عند قراءة راولز فإن تحليل كانط للالتزام يلزمه بنوع من البنيوية، والتي يمكن فهمها بشكل أفضل على النقيض من الآراء المتنافسة للالتزام الأخلاقي، ومنها يعتقد كانط أن جميع النظريات الأخلاقية السابقة قد فشلت في تفسير الالتزام الأخلاقي لأنها فشلت كنظريات للعقل العملي.

إنهم يفشلون في شرح كيف يلعب العقل دورًا في حياتنا لأنهم يسيئون فهم وظيفته العملية ويخطئون في توصيف علاقته بأهداف الاختيار، تم توجيه تهمة كانط ضد جميع المذاهب الأخلاقية السابقة، لكن حججه تتناول على وجه التحديد العاطفة والعقلانية العقائدية، فالعاطفية التي دافع عنها العالم ديفيد هيوم وآدم سميث ترى أن الأحكام الأخلاقية تنبع من المشاعر وتعتبر العقل غير قادر على دفعنا إلى العمل بمفرده.

وفقًا للعاطفي فإن دور العقل هو دور فعال فقط، أي أن العقل يجد فقط الوسائل اللازمة لإرضاء غايات الفاعل، وهو غير قادر على الإشارة إلى الغايات التي تستحق السعي وراءها، هذا الادعاء يفضح العاطفة باعتبارها عقيدة غير متجانسة، الذي يفشل في إثبات موضوعية الالتزامات الأخلاقية؛ هذا لأن العاطفة تتعامل مع الالتزامات الأخلاقية على أنها مشروطة بمصالحنا وبالتالي باعتبارها ذات سلطة محدودة.

يطرح كانط نفس الاعتراض ضد العقلانية العقائدية الذي دافع عنها الكثير والذي يرى أن هناك حقائق أخلاقية حقيقية نفهمها من خلال البصيرة العقلانية، حيث يبدو أن وجهة النظر هذه هي شكل حدسي للواقعية الأخلاقية حيث يتعرف العقل على القيم الموضوعية أو الغايات الأخلاقية الموجودة قبل تفكيرنا وعن أنواع الفاعلين التي نحن عليها، وبشكل مستقل عن ذلك في اكتشاف هذه الغايات لا يمارس الفاعلين الأخلاقيين الاستدلال بنشاط، هم سلبيين كما هو الحال في الإدراك الحسي.

بالنسبة إلى كانط تفشل العقلانية العقائدية في ضمان الاستنتاج بأن الالتزامات الأخلاقية لها سلطة غير مشروطة علينا؛ هذا لأنه بالنسبة للعقلانية العقائدية ترشدنا الحقائق الأخلاقية فقط بشرط أن تكون لدينا رغبة مقابلة في أن نسترشد بما هو عقلاني، وتشخيص كانط هو أن كل هذه المذاهب تفشل في التقاط الوظيفة العملية للعقل لأنها غير متجانسة، إنهم ينكرون سلطة العقل وفعاليته إما أن العقل لا يمكنه التعرف إلا على الغايات الموضوعية التي توجد بشكل مستقل عن عملياته، أو يزعمون أن العقل لا يمكن أن يربط الوكلاء إلا بمساعدة الميل أو المصلحة.

بالنسبة إلى كانط فإنه يعتبر التغاير شكلاً من أشكال الشك الأخلاقي، ويُفهم على أنه شك في قوة العقل لتأسيس الحقائق الأخلاقية وسلطتها، في هذه تعتبر البنائية الأخلاقية في علم النفس جزءًا من حجة كانط الشاملة لتأسيس الأخلاق في العقل، ضد وجهة النظر المتشككة القائلة بعدم وجود حقائق معيارية، حيث لا يتم تجنب الشك إلا إذا تم اعتبار العقل على أنه مستقل، وسلطته لا تنبع من أي شيء خارجه.


شارك المقالة: