يقول الله تعالى: “اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ” (سورة الزمر:23)، لم تشهد هذه الدنيا أي كتاب نال اهتماماً واسعاً مثل كتاب الله سبحانه وتعالى وهو الذي اشتمل على جميع مناحي الحياة، بل هو منهج حياة لدارسيه والعاملين به والمتوقفين عند حدوده والمؤتمرين بأوامره، والمعجز بحد ذاته بعلومه التي تعددت، ومن هذه العلوم هو علم المشتبهات.
المشتبهات في القرآن الكريم
هو علم يختص بألفاظ وكلمات القرآن الكريم التي ذكرت في أكثر من موضع، ولكن منها ما جاء بزيادة أو نقصان ومنها ما جاء متقدماً أو متأخراً.
أنواع المشتبهات في القرآن الكريم
1- ما جاء في موضع على نظم وفي موضع آخر على عكسه، كقوله تعالى: “وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ” (سورة البقرة:58)، وجاء بعكسها في قوله تعالى: “وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا” (سورة الأعراف:161).
2- ما جاء بالزيادة أو النقصان، مثل قوله تعالى: “سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ” (سورة البقرة:6)، وجاء في سورة ياسين بزيادة الواو في بدايتها نحو قوله تعالى: “وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ” (سورة يس:10).
3- ما جاء مقدماً أو متأخراً، كقوله تعالى في سورة البقرة: “يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ” (سورة البقرة:129)، وما ذكر بتقديمه في سورة الجمعة قوله تعالى: “يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ” (سورة الجمعة:2).
4- ما تشابه معرفاً ومنكراً، كما في قوله تعالى: “وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ” (سورة البقرة:61)، فهنا جاءت معرفة وما جاء بالتنكير في قوله تعالى: “وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقِّ” (سورة آل عمران:21).
5- ما تشابه جمعاً وإفراداً، كما في قوله تعالى: “وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً” (سورة البقرة:80)، وجمعاً في قوله تعالى: “قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ” (سورة آل عمران:24).
6- التشابه بلفظ ولكن بتبديل حرف بحرف، كما في قوله تعالى: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا” (سورة البقرة:35)، وإبدال حرف الواو بحرف الفاء كما في قوله تعالى: “وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا” (سورة الأعراف:19).
7- المتشابه بإبدال كلمة بكلمة، كما جاء في قوله تعالى: “قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” (سورة البقرة:170)، وما تم إبداله في سورة لقمان كما في قوله تعالى: “قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” (سورة لقمان:21).
8- المتشابه بالتذكير والتأنيث، كما في قوله تعالى: “إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ” (سورة الأنعام:90)، وجاء مذكراً في قوله تعالى: “إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ” (سورة يوسف:104).
9- ما تشابه في القرآن الكريم مظهراً ومضمراً كما في قوله تعالى: “وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ” (سورة الأنعام:37)، وقوله تعالى: “وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (سورة الأعراف:187).
10- ما تشابه في القرآن الكريم مجملاً ومفصلاً، كما في قوله تعالى: “وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً” (سورة البقرة:51)، وجاءت تفصيلاً في قوله تعالى: “وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً” (سورة الأعراف:142).
المواضع التي جاء فيها المشتبه في القرآن الكريم
أولاً: ما جاء على حرفين: ومعناه ما جاء في نفس اللفظ في موضعين في القرآن الكريم ومن تلك الآيات قوله تعالى: “لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” (سورة البقرة:219/266)، وقوله تعالى: “عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ” (سورة هود:26)، و(سورة الزخرف:65).
ثانياً: ما جاء على ثلاثة أحرف: أي ما جاء في نفس اللفظ في ثلاث مواضع في القرآن الكريم فقط ومنها قوله تعالى: “أَوَلَمْ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرْضِ” جاءت في ثلاث سور هي (الروم:9) و(فاطر:44) و(غافر:21)، وقوله تعالى: “قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ” جاءت في ثلاث سور هي: (الأعراف:3) و(النمل:62) و(الحاقة:42).
ثالثاً: ما جاء على أربعة أحرف: كما في قوله تعالى:”إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” وردت في أربعة مواضع في القرآن الكريم في سورة (النساء:11/24) و(سورة الأحزاب:1)و(سورة الإنسان:30)، وجاء على خمسة مواضع وستة مواضع، بل أكثر من ذلك في القرآن الكريم.
فوائد المشتبهات في القرآن الكريم
1- فيه جزء من تفسير القرآن الكريم، وبهذا اكتسب أهمية كأهمية التفسير في القرآن الكريم.
2- معاندة أهل الباطل من الكفار وذلك بتكرار آياته وعجزهم عن الإتيان بمثله رغم المكرر فيه.
3- فيه إظهار لعظمة القرآن الكريم ببلاغته في المتشابه منه.
4- التكرار فيه تثبيتاً لفؤاد الحبيب وطبيب القلوب محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى:”وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ” (سورة هود:120).
5- المتشابه والتكرار فيه عظة واعتبار لما فيه من تصوير للفن القصصي القرآني قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ” (سورة يوسف:111).
6- يساعد في الإتقان على حفظ كتاب الله عز وجل، ويزيد الحافظ والقارئ لكتاب الله إيماناً بالله -سبحانه وتعالى- لما فيه من بلاغة .
في الختام كتاب الله عز وجل كتاب عظيم وما أرتبط به علم أو كتاب إلا وصار من أشرف الكتب لارتباطه بكتاب الله، ما من أمة من الأمم السابقة إلا وقد أختصهم بشيء، ولكن أمة الإسلام اختصها الله -سبحانه وتعالى- بهذا الكتاب العظيم، فهي بذلك اكتسبت الشرف وأصبحت من أفضل الأمم، وعلوم القرآن الكريم لا تعد ولا تحصى، يطول الحديث عنها ولا يكفيها أن نتحدث عنها بسطور قليلة.