فلسفة ميل النسوية وتكافؤ فرص العمل بين الجنسين

اقرأ في هذا المقال


ربما باعتباره الداعم التاريخي الرائد لاثنين من التقاليد المعيارية الهامة – النفعية والليبرالية – يحتل جون ستيوارت ميل موقعًا مهمًا بشكل غير عادي في تاريخ الفلسفة الأخلاقية والسياسية الغربية، وبالنظر إلى السياق التاريخي فقد مارست النفعية والليبرالية تأثيرًا تقدميًا كبيرًا على نطاق الاهتمام الأخلاقي وتصميم المؤسسات العامة ومسؤوليات الحكومة ومصالح وحقوق المحكومين.

وفعل ميل الكثير لتوضيح تبرير ومحتوى وآثار المبادئ النفعية والليبرالية، وحتمًا هناك أسئلة حول التفسير الصحيح والكفاية والاتساق لمزاعمه المختلفة حول هذه الموضوعات، ولكنه ترك إرثًا دائمًا في كل من التقاليد النفعية والليبرالية، ويحتل كلا التقليدين مكانة مركزية في المناقشات المعاصرة للنظرية الأخلاقية والسياسية التحليلية، ومزيد من التقدم في هذه التقاليد يجب أن تأخذ في الاعتبار مساهماته، ويعد دفاعه عن المرأة من أبرز أعماله وفلسفته من حيث المساواة بين الجنسين، والدفاع عنها بعيدًا عن عبوديةالزواج وتكافؤ الفرص في العمل مع الجنس الآخر ألّا وهم الرجال.

المساواة الجنسية في العمل:

في دحض الدفاعات المحتملة لعدم المساواة الجنسية من خلال الاحتكام إلى أبعاد مختلفة مزعومة للدونية الطبيعية، يصر ميل على أنّه لا يمكننا تحديد ما إذا كانت السمات الشائعة في النساء هي نتاج الطبيعة أو التنشئة دون إجراء تجارب اجتماعية مناسبة بما في ذلك التجربة الاجتماعية للمساواة الجنسية، وعلى وجه الخصوص هناك احتمال حقيقي للغاية أنّ السمات المزعومة لتبرير التمييز الجنسي هي نتاج ممارسات تمييزية سابقة.

لكن ميل لا يلتزم بنقطة الممارسات الجنسية باستمرار، وكذلك في عدة نقاط حيث أعرب عن قناعته بأنّ معظم النساء اللواتي لديهن قائمة كاملة من الفرص سيقبلن التقسيم الجنسي التقليدي للعمل حيث يؤدون وظائف منزلية بينما يتابع أزواجهن مهن في المجتمع المدني، وهو يوافق على هذا التقسيم التقليدي للعمل.

“عندما يعتمد إعالة الأسرة ليس على الملكية ولكن على الكسب، فإنّ الترتيب المشترك الذي يحصل من خلاله الرجل على الدخل وتشرف الزوجة على الإنفاق المنزلي يبدو لي عمومًا أنسب تقسيم للعمل بين الشخصين، ففي حالة أخرى من الأمور العادلة لا أعتقد، وبالتالي من العادات المرغوبة أن تساهم الزوجة بعملها في دخل الأسرة”.

بالطبع ميل محق في أنّ الزوجة لا ينبغي أن تكسب لقمة العيش خارج المنزل إذا كانت تعمل بدوام كامل داخل المنزل، ولكنه لا يعطي أي سبب للاعتقاد بأنّ المرأة يجب أن يكون لها أسرة أو أنّه إذا كان لديها، فيجب أن تكون هي المسؤولة عن شؤون الأسرة وليس زوجها.

وفي الواقع يبدو أنّ وجهة نظر ميل هي أنّه بالنسبة للنساء يجب أن تكون المهن خارج المنزل مخصصة في المقام الأول لأولئك الذين ليس لديهم أطفال أو الذين كبر أطفالهم بالفعل، ويبدو هنا أنّه يفترض أن التقسيم الجنسي التقليدي للعمل أمر طبيعي.

بالطبع من الممكن أن يظهر التقسيم الجنسي التقليدي للعمل في نظام تكافؤ الفرص، ولكن هذا تخمين في الواقع ربما كان المرء يعتقد أنّ ادعاءاته حول كيفية قيام نظام الفرص غير المتكافئة بقمع القدرات الإبداعية والإدارية للمرأة كانت ستشير إلى أنّ التقسيم الجنسي التقليدي للعمل ربما لم يكن قويًا في الدفاع أو على الأقل التكهن حول متانة التقسيم الجنسي التقليدي للعمل، كما أنّه يبدو أنّ ميل يتجاهل قيوده المنهجية.

فلسفة ميل النسوية:

ويعد هذا عيب كبير في أوراق اعتماد ميل النسوية، حيث كان يفترض أحيانًا أنّ التقسيم الجنسي التقليدي للعمل أمر طبيعي بمعنى أنّه من المحتمل أن يظهر في ثقافة تكافؤ الفرص للجميع، وبالنظر إلى اعتراف ميل بأنّ التقسيم الحالي للعمل قد تم إنتاجه واستدامته في ظل ظروف التمييز الجنسي والفرص غير المتكافئة فلا يوجد أساس لافتراض أنّ هذا التقسيم للعمل سيصمد أمام ثقافة المساواة، ومع ذلك فإنّ ميل نفسه هو الذي يوفر الموارد اللازمة لانتقاد افتراضه، كما يجب أن يوفر ذلك تخفيفًا جزئيًا لخطئه.

خلافًا لذلك فإنّ مؤهلات ميل النسوية تستحق التقدير، وهو من أشد المنتقدين للأشكال المنزلية والاجتماعية لعدم المساواة، ومدركًا الضرر الذي تسببه هذه الممارسات للمرأة والطرق التي تشوه بها حياة الفتيان والرجال أيضًا، وقانون الزواج الفيكتوري والحرمان من الامتياز والافتقار إلى الفرص الاجتماعية والاقتصادية ينتهك المصالح العليا للمرأة.

وهذه الانتهاكات للحقوق هي مسألة ظلم اجتماعي خطير، والنتيجة الطبيعية لهذه الانتقادات هي أنّ ميل مدافع قوي عن تكافؤ الفرص للمرأة ومتحدث بليغ للطريقة التي ستغير بها ثقافة المساواة حياة الفتيات والنساء، وتحرر إمكاناتهن الإبداعية وحساسياتهن العاطفية وتجعل من الممكن التعاون الاجتماعي وصداقات أكثر إنتاجية بين الأنداد.

ومناقشة ميل للمساواة الجنسية هي أحد الأماكن التي تلعب فيها أسس الكمال لمبادئه الليبرالية دورًا مهمًا وتضيف إلى عمق انتقاداته للتمييز الجنسي وقضيته من أجل المساواة بين الجنسين، ويسلط دفاعه عن المساواة بين الجنسين الضوء على الجوانب التقدمية الحقيقية لالتزاماته النفعية والليبرالية.


شارك المقالة: