العلاقة بين علم النفس والسلوك الإجرامي كبيرة، حيث لقرون حاول العلماء شرح سبب ارتكاب شخص ما جريمة ما، من حيث لماذا يرتكب الأفراد جرائم؟ وفي نفس الوقت لماذا الجريمة موجودة في مجتمعنا؟ كما يهتم نظام العدالة الجنائية بهذه الأسئلة ويحاول علماء الجريمة الإجابة عليها، وفي الواقع من الصعب جدًا الإجابة عن السؤال عن سبب ارتكاب الجريمة، ومع ذلك لعدة قرون كان الناس يبحثون عن إجابات، ومن المهم أن ندرك أنّ هناك العديد من التفسيرات المختلفة لسبب ارتكاب الأفراد للجريمة، وأحد التفسيرات الرئيسية يقوم على النظريات النفسية التي تركز على الارتباط بين الذكاء والشخصية والتعلم والسلوك الإجرامي، وبالتالي في أي نقاش بشأن التسبب في الجريمة يجب على المرء أن يفكر في النظريات النفسية.
النظريات النفسية للجريمة
عند فحص النظريات النفسية للجريمة يجب أن يكون المرء مدركًا للنظريات الرئيسية الثلاث، الأولى هي النظرية الديناميكية النفسية والتي تتمحور حول فكرة أن تجربة الطفولة المبكرة للفرد تؤثر على احتمالية ارتكاب جرائمه في المستقبل، والثانية هو النظرية السلوكية حيث وسع المنظرون السلوكيون عمل غابرييل تارد (Gabriel Tarde) من خلال نمذجة السلوك والتعلم الاجتماعي، والثالثة هي النظرية المعرفية التي يقترح فرضيتها الرئيسية أن تصور الفرد وكيف يتجلى، كما يؤثر على قدرته على ارتكاب الجريمة، وبعبارة أخرى تركز النظرية السلوكية على كيفية تأثير تصور الفرد للعالم على سلوكه أو سلوكها.
كما أن الشخصية والذكاء وثيق الصلة بالنظريات النفسية، فهي مجتمعة تقدم هذه النظريات أو الخصائص الخمس مجتمعة -أي الديناميكية النفسية والمعرفية والسلوكية والشخصية والذكاء- رؤى جذابة حول سبب ارتكاب الفرد لجريمة، ومع ذلك لا ينبغي للمرء أن يفترض أنّ هناك سببًا واحدًا فقط لارتكاب الشخص جريمة، والباحثون الذين يبحثون عن تفسير واحد يجب أن يكونوا حذرين لأنّه لا يوجد دواء سحري لمشكلة الجريمة.
الذكاء والجريمة
تم العثور على المعلومات عن الذكاء للتنبؤ بمجموعة واسعة من السلوكيات الإجرامية والمعادية للمجتمع بما في ذلك الجرائم العنيفة والمزمنة، وقد أظهرت نتائج هذه الأدبيات أنّ الأفراد ذوي مستويات الذكاء المنخفضة (التي تُقاس عادةً على أنّها معدل الذكاء) يميلون إلى الانخراط في السلوك الإجرامي، وعلى الرغم من انتشار هذه النتيجة الأساسية إلّا أنّ العديد من جوانب العلاقة المخالفة لـ (IQ) تظل غير واضحة مثل الشكل الوظيفي للرابطة، وتتوقع بعض المنظورات ارتباطًا منفصلاً أو منحنيًا، بينما يفترض البعض الآخر نمطًا أكثر تدريجيًا أو خطيًا.
كما اقترح علماء الجريمة لقرون أن هناك صلة بين الذكاء والجريمة، فبعض المعتقدات الشائعة هي أنّ المجرمين والجانحين لديهم ذكاء منخفض وأنّ هذا الذكاء المنخفض يسبب الإجرام، ولكن مع تقدم البحث الجنائي استمر العلماء في اقتراح أنّ الكأس المقدسة هي السببية، والهدف النهائي هو القدرة على التنبؤ بالمجرمين من غير المجرمين، ولقد تبلورت أيديولوجية أو مفهوم معدل الذكاء والجريمة في نقاش الطبيعة مقابل التنشئة.
إنّ الجدل حول الطبيعة مقابل التنشئة هو حجة نفسية تتعلق بما إذا كانت البيئة أو الوراثة تؤثر على التطور النفسي للأفراد، ويدرك العلم أننا نشارك حمضنا النووي لوالدينا، وللتوضيح بعض الناس لديهم أصابع قصيرة مثل أمهاتهم وعيون بنية مثل والدهم، ومع ذلك يبقى السؤال: من أين يحصل الأفراد على حبهم للرياضة والأدب والفكاهة؟ هنا يتناول النقاش حول الطبيعة مقابل التنشئة هذه القضية، وفيما يتعلق بالجانب الطبيعي أظهرت الأبحاث التي أجريت على نزلاء السجون باستمرار أنّ النزلاء عادة ما يحصلون على درجات منخفضة في اختبارات الذكاء.
في العقود الأولى من القرن العشرين أجرى الباحثون اختبارات الذكاء على الأطفال الجانحين الذكور، وأشارت النتائج إلى أنّ ما يقرب من 40 ٪ لديهم ذكاء أقل من المتوسط، وعلى أساس هذه البيانات وغيرها من الدراسات يرى بعض العلماء أنّ دور الطبيعة هو السائد، ومع ذلك هل يمكن للباحثين أن يفترضوا بداهة أنّ الوراثة تحدد معدل الذكاء والذي بدوره يؤثر على السلوك الإجرامي للفرد؟ وأحد الانتقادات الموجهة لهذا المنظور هو الفشل في تفسير الإرادة الحرة، حيث يؤمن العديد من الأفراد في مجتمعنا بالقدرة على الاختيار، وأخيرًا هناك العديد من الأفراد الذين لديهم معدل ذكاء منخفض ولكنهم يمتنعون عن ارتكاب الجرائم.
فيما يتعلق بنظرية التنشئة يؤسس المدافعون أنفسهم على فرضية أنّ الذكاء ليس موروثًا، وهناك بعض الاعتراف بدور الوراثة، ومع ذلك يتم التركيز على دور المجتمع (أي البيئة)، وللتوضيح للآباء تأثير كبير على سلوك أطفالهم، ففي سن مبكرة يقرأ الآباء الكتب وتشغيل الموسيقى وإشراك أطفالهم في الأحداث الفنية والمتاحف والرياضية، ولا يقضي بعض الآباء وقتًا ممتعًا مع أطفالهم ويُعتقد أنّ أداء هؤلاء الأطفال ضعيف في اختبار الذكاء، والمجموعات الأخرى المهمة في رعاية الطفل هي الأصدقاء والأقارب والمعلمون، وفي نهاية المطاف فإنّ الطفل الذي ليس لديه أصدقاء أو أقارب ويتسرب من المدرسة مصيره الأوقات الصعبة، كما أثبتت الأبحاث أنّه كلما زاد تعليم الشخص ارتفع معدل ذكائه.
سيستمر النقاش حول الطبيعة مقابل التنشئة والجدل ذروته ووديان، ولسنوات هدأ النقاش وتبع ذلك سنوات من التدقيق وقدر كبير من الاهتمام، فقد أجرى ترافيس هيرشي (Travis Hirschi) ومايكل هينديلانج (Michael Hindelang) في عام 1977 إحدى الدراستين الرئيسيتين اللتين سلطتا الضوء على هذا النقاش، حيث اقترح هؤلاء العلماء أنّ انخفاض معدل الذكاء يزيد من احتمالية السلوك الإجرامي من خلال تأثيره على الأداء المدرسي، وهذه الحجة تبدو بدائية إلى حد ما، فحجتهم هي أنّ الطفل ذو معدل الذكاء المنخفض سيكون أداؤه في المدرسة ضعيفًا.
في المقابل يتبع هذا الفشل المدرسي الانقطاع عن الدراسة، ونظرًا لضعف الأداء المدرسي يُترك للطفل خيارات قليلة جدًا، وهذا يؤدي في النهاية إلى الجنوح وجرائم البالغين، ولقد انتشر دعم هذا الموقف على نطاق واسع، وعلاوة على ذلك من المهم ملاحظة أنّ السجون والمعتقلات الأمريكية مكتظة بالسكان الذين لا يحصلون إلّا على متوسط تعليمي في الصف الثامن، وفي الوقت نفسه كان هؤلاء السجناء أنفسهم عاطلين عن العمل وقت ارتكابهم الجريمة.
أجرى ريتشارد هيرنشتاين (Richard Herrnstein) وتشارلز موراي (Charles Murray) في عام 1994 الدراسة الثانية حول الطبيعة مقابل الطبيعة التي تستدعي الانتباه، ففي كتابهم منحنى الجرس (The Bell Curve) اقترح هؤلاء العلماء أنّ الأفراد الذين لديهم معدل ذكاء أقل هم أكثر عرضة لارتكاب الجرائم والقبض عليهم وإرسالهم إلى السجن.
الأهم من ذلك أنّ هؤلاء المؤلفين ينقلون معدل الذكاء والجريمة إلى مستوى آخر، وعلى وجه التحديد أشاروا إلى أنّ السجون والحبس مكتظة بالسكان الذين يعانون من انخفاض معدل الذكاء، ومع ذلك ماذا عن هؤلاء المجرمين الذين لا تُكتشف أفعالهم؟ من خلال البيانات المبلغ عنها ذاتيًا اكتشف الباحثون أنّ معدل ذكاء هؤلاء الأفراد أقل من عامة الناس، وهكذا يخلص البحث إلى هؤلاء المجرمين الذين تم القبض عليهم والذين ليس لديهم معدل ذكاء أقل من عامة السكان.