ملوك الأسرة الثانية للفراعنة

اقرأ في هذا المقال


أول ملوك الأسرة الثانية للفراعنة:

نحن لا نعرف تماماً الأسباب التي جعلت من تغيير هذه العائلة أو الحوادث التي جرت في أيام (قاع)،‏ وانتهت باعتلاء أسرة أخرى على العرش، كما نجهل أيضاً الصلة بين العائلتين إذا كان هناك حقيقة انتقال للملك من عائلة إلى إخرى، نحن نتبع مانيتون (مؤرخ مصري) في تقسيمه للأسر،‏ ولا ريب أنه كانت لديه الوثائق الكافية التي تبرر ذلك التقسيم.

وفي الأساس لا نشاهد أي تغيير، ولا نشعر بأي أثر لانتقال فُجائي. إنَّ كل شيء استمر في سيره الطبيعي سواء من ناحية التطور الفني أو في تنظيم الحكومة بوجه عام. وهناك اختلاف كبير بين المصادر القديمة في ترتيب ملوك هذه الأسرة، كما أنَّ الأسماء التي وردت نقلاً عن مانيتون (مؤرخ مصري) في صيغها المكتوبة باليونانية يصعب إرجاع بعضها إلى أصله المصري.

وعلى أي حال فلم يجد أحد في أبيدوس على مقابر بعض ملوك تلك الأسرة مما يعود أنهم كانوا يفضلون العاصمة الشمالية الجديدة، وهي القلعة البيضاء، لتكون مقاماً لهم أثناء حياتهم، وفضلوا أيضاً تشييد مقابرهم على مقربة منها وربما عثر عليها في سقارة في المستقبل.

ونشاهد فيما خلّفه أولئك الملوك إشارات لقصور بناها الملوك بعد العام الرابع من حكمهم،‏ ومعابد يقيمونها للمعبودات المختلفة وبخاصة (سوكر)، وهو من أعظم معبودات العاصمة الجديدة شأناً، كما نرى أيضاً من أختام موظفيهم إطراد تقدم التنظيم الحكومي ووجود الإدارات المختلفة. ونرى من دراسة جداول أسماء الملوك أننا نعرف منهم ثمانية على الأقل، ولا شك في ترتيب الثلاثة الأول منهم وهم. (حتب سخموي)، و (رع نب)، و (ني نتر)، كما أننا مُتأكدون من ترتيب آخر ثلاثة منهم وهم  (يري إب سن)،‏ و‏ (خع سخم)، و‏ (خع سخموي).

ولنا علم أيضاً أنَّ الأوضاع في تلك الأسرة لم تسر في يسر وهدوء وإنما كانت مُقترنة بالكثير من المتاعب ولكنا لا نستطيع تحديد تلك المتاعب أو أنّ نذكر أشياء مُعينة اللهم إلا عندما وصلت الأمور إلى درجة محاولة التغيير في نظام الدولة العام، والثورة على عبادة حورس.

فقد سبق أنّ أشرنا إلى أنه كان للمعبود‏ (ست)،‏ مركز رئيسي في الصعيد ولكن انتشار عبادة حورس كادت تطيح به وبنفوذ كهنته، وبخاصة عندما أصبح الملوك قبل بداية الأسرة الأولى يُمثلون حورس ويعيشون في ظله، وأصبح كل منهم ينسب نفسه إليه. وزاد الطين بلة (بالنسبة للصعيد)، أنَّ الملوك فضلوا العاصمة الجديدة عند ملتقى الدلتا بالصعيد، ومن المحتمل أيضاً أنهم أخذوا يتأثرون بثقافة أهل الشمال ويظهرون الاهتمام بمعبوداتهم.

وفي كل وقت توجد أصناف من المُحافظين الذين يتطلعون إلى القديم ويرون فيه المثل الأعلى،‏ وفي كل زمان أيضاً يوجد الرجعيون الذين يعز عليهم إدخال أي تغيير طالما يؤثر ذلك على مصالحهم الشخصية، ويوجد كذلك في كل زمان ومكان بعض رجال الدين الذين يأبون أنّ يروا انصراف الناس عنهم ويحاولون استثارة كامن العواطف بين مختلف طوائف الشعب ليبقى لهم نفوذهم وثراؤهم وسيطرتهم.

آخر ملوك الأسرة الثانية للفراعنة:

مهما قلت معلوماتنا عن النصف الثاني من الأسرة الثانية فإننا نجزم بحدوث رد فعل شديد ضد المعبود حورس وضد نفوذ العاصمة الجديدة. ونرى الملك (يري – إب – سن)،‏ يعلنها حرباً صريحة على حورس فيحذف اسمه من ألقابه ويضع بدلاً منه منافسه القديم المعبود (ست)، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويفعل ما لم يفعله أحد من قبله أومن بعده وهو وضع رمزه ست فوق اسمه المكتوب داخل رسم يمثل واجهة القصر ويُعلن أنه هو رمزه وأنه تمثل فيه ويذكر في بعض آثاره أن ست معبود نويت (مدينة أومبوس في محافظة قنا)، هو الذي سلم إليه البلاد.

ولم يقف (يري -إب – سن)،‏ عند ذلك الحد بل عاد مرة أخرى إلى الصعيد، وأبى إلا أنّ يعود إلى التقليد القديم وهو تشييد قبره في أبيدوس، وليس في سقارة. ومن الأسف أننا لا نعرف رد الفعل الذي حدث في الشمال فإنَّ ذلك العمل كان خروجاً قويآً على ما سارت عليه مصر من تقاليد منذ بداية الأسرة الأولى على الأقل، فإنَّ تمثيل الملك بحورس أصبح متأصلاً منذ أجيال، خصوصاً وأنَّ حجر الزاوية في استمرار الحضارة المصرية كان قائماً على ألوهية الملك الذي أصبح منذ توليه أمر البلد هو حورس.

وكان يعبد من شعبه على هذا الأساس، وأصبح واحداً من الآلهة لا يختلف عن غيره من إخوانه، بل ويمتاز عليهم بأنه كان يحكم الناس على الأرض ويقوم بحفظ النظام وإقامة العدل ويساعد الناس في مصر على قيامهم بواجبهم لعبادته وعبادة إخوانه من المعبودات.

ثار (يري – إب – سن)، على حورس وعلى القلعة البيضاء، وما من شك في أنَّ الكثيرين من أهل الصعيد، وكهنة ست خاصة، رحبوا بهذا التغيير ولكنا لا ندري شيئاً عن حرب أو ثورة ضد ذلك الملك ‏ بل إنَّ ما وصل من آثاره إلى أيدينا لا يكاد يوضح لنا شيئاً اللهم إلا حذف اسمه من بعض أثبات أسماء الملوك باعتباره خارجاً على عببادة حورس، كما فعل الكهنة بعد ذلك بمُدة تزيد على ألف وثلاثمائة عام باخناتون ومن حكم بعده من أهله لمحاولته تغيير عبادة أمون في البلاد، وتمجيد أتون بدلاً منه ومن المعبودات الأخرى.

وليس لدينا علم أيضاً على وجه اليقين كم بقى من سنين على العرش، وكيف العرش وهو (خع سخم)،‏ عاد إلى عبادة حورس وتمجيده، وعاد أيضاً إلى النشاط المعتاد وذلك بالقيام بحملات لإخماد ما عساه أن يكون قد قام من فتن في الشمال لأننا نقرأ على قاعدة كل من تمثاليه في متحفي القاهرة وأوكسفورد نقشاً، ينبأ فيه عن انتصاره على أعدائه وقتله (47209) من الأعداء الشماليين الذين ربما كانوا قد هجموا على الصعيد، كما نعرف من النقوش التي على بعض أوانيه.

ويحق لنا أن نتساءل بعد ذلك كله عن صلة‏ (خع سخم)‏ بالملك (يري – إب – سن)،‏ وهل كان ابنه أو أنه كان أميراً من الأمراء أو كان زعيماً من الزعماء، اضطر لمواجهة ثورة عاتية في الشمال ضد ما قام به‏ (يرى – إب – سن)‏؟ والجواب على هذه الأسئلة لا يعدو حد التخمين، لأن ما لدينا من وثائق من ذلك العصر لا يساعدنا مطلقاً على الإجابة، وإذا رجعنا إلى مانيتون لا نجد فيه إلا قبساً ضئيلاً، فإذا صح أنّ (خع سخم)، هو الذي سماه مانيتون (سيسو خريس)، فإنه كان فارع الطول إلى حد كبير، وربما كان طول قامته مصحوباً بقوة بدنية، ساعدته في زعامته وفي حروبه التي شنّها لإعادة النظام إلى البلاد، وحربه ضد سكان ليبيا إلى الغرب من مصر.‏

ومن الجائز أنّ ما قام به من أعمال أحدث رد فعل جديد، وشاءت الظروف أن يلي عرش مصر بعد (خع – سخم)، ملك قوي حازم أراد أنّ يُرضي كلا من الشمال والجنوب ويضع حداً لتلك الفتنة فاتخذ لنفسه شعاراً، المعبودين حورس وست تقدمت مصر في عهده تقديم كبيراً زاد فيه استعمال الحجر في المباني ‏مصر على أوضاعها الفنية الخاصة بها، واستكملت أكثر مقوماتها.

امتاز عهده بالهدوء والتقدم في جميع مرافق الحياة وكانت زوجته تُسمى ‎‏(ني – ماعت – حب)، وهي أم الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، ولكن قبل أنّ ننتقل إلى زوسر وإلى الأسرة الثالثة يحسن بنا أن نقف قليلاً لنعرف مدى ما أحرزته مصر في ذلك العهد من تقدم، وإلى أي حد وصلت.


شارك المقالة: