أعمال الفيلسوف جيامباتيستا فيكو

اقرأ في هذا المقال


سادت فكرة التكرار الدوري في العصور القديمة وحتى المسيحيون في القرن الثامن عشر اعتقدوا أنّ العالم قد خُلق في عام 4004 قبل الميلاد وسينتهي في المجيء الثاني للمسيح، وكان فيلسوف التاريخ العربي ابن خلدون في القرن الرابع عشر رائداً في وجهة نظر اجتماعية واسعة النطاق للعملية التاريخية ولكن في أوروبا الغربية كان الفيلسوف النابولي المُهمَل جيامباتيستا فيكو أول من فسر الماضي من حيث الوعي المتغير للبشرية.

أعمال الفيلسوف فيكو في الشعر:

“المبدأ العام لأصل الكلمة في جميع اللغات تنقل الكلمات من الجسد ومن خصائص الجسد للتعبير عن أشياء العقل والروح حيث يجب أن يتبع ترتيب الأفكار ترتيب الأشياء.”

الفيلسوف جيامباتيستا فيكو

كانت منشورات فيكو الأولى في الشعر بدلاً من الفلسفة حيث كتب ما يلي:

  • قصيدة (Lucretian “Affetti di un disperato) – مشاعر المرء في اليأس: والتي تم تأليفها عام 1692 ونشرت في عام 1693.
  • قصيدة (Canzone in morte di Antonio Carafa) – قصيدة موت أنطونيو كارافا: والتي تم نشرها عام 1693.

أعمال الفيلسوف فيكو في الفلسفة:

  • صلاة الافتتاح – (Orazioni Inaugurali): بعد تعيينه أستاذًا للبلاغة في عام 1699 بدأ فيكو في معالجة الموضوعات الفلسفية في أول خطاب من أصل ستة (صلاة الافتتاح – Orazioni Inaugurali) وهي خطب الافتتاح في جامعة نابولي.
  • (De nostri temporis studiorum ratione) – حول طرق الدراسة في عصرنا: وفي عام 1707 ألقى فيكو خطبة سابعة تهدف إلى تعزيز فلسفة بيكون والتي قام بمراجعتها ونشرها في عام 1709 تحت عنوان (De nostri temporis studiorum ratione – حول طرق الدراسة في عصرنا).
  • (De antiquissima Italorum sapientia ex linguae latinae originibus eruenda libri tres) – اكتُشفت عن أقدم حكمة للإيطاليين من أصول اللغة اللاتينية: وبعد عامين من خطاباته السبعة السابقة ظهر بيانه المتوقع ولكن غير المكتمل عن الميتافيزيقيا حول أقدم حكمة الإيطاليين المكتشفة من أصول اللغة اللاتينية.

ثم شهدت السنوات التي تلت ذلك نشر أعمال مختلفة بما في ذلك رداً على المراجعات النقدية وهما:

  • الأكبر – (De antiquissima): لعامي 1711-1712 وهو عمل من أعمال التاريخ الملكي بخصوص أعمال الكتب الأربعة لأنتوني كارافاي De rebus gestis Antonii Caraphaei libri quattuor (حياة أنطونيو كارافا).
  • حق عالمي (Il diritto universale).

وفي عامي 1725 و 1731 هناك جزءان من سيرته الذاتية اللذان يؤلفان معًا (Vita di Giambattista Vico scritta da se medesimo – حياة جيامباتيستا فيكو كتبها بنفسه).

وخلال مسيرته المهنية قام فيكو أيضًا بتأليف وإلقاء محاضرات حول البلاغة للطلاب الذين يستعدون للدخول في دراسة الفقه، حيث تبقى هذه نسخًا للطلاب أو نسخًا من المحاضرات الأصلية وتم جمعها تحت عنوان (Institutiones Oratoriae- تُرجمت باسم فن البلاغة) حيث يطور فيكو وجهات نظره حول البلاغة أو فن البلاغة، أي كلية التحدث المناسبة بهدف الإقناع الذي يهدف الخطيب من خلاله إلى ثني الروح بخطابه.

على الرغم من أنّ هذه الكتابات المبكرة تُدرس بشكل متزايد على أنّها أعمال مهمة في حد ذاتها إلّا أنّها اعتُبرت عمومًا مهمة لتتبع تطور الموضوعات والأفكار المختلفة التي جاء فيكو لتنقيحها والتعبير عنها بالكامل في عمله الرئيسي والمؤثر العلم الجديد.

فلسفة فيكو في طرق الدراسة بين الماضي والحاضر:

في (عن طرق الدراسة في عصرنا – De nostri temporis studiorum ratione) على سبيل المثال يتبنى فيكو موضوع الحداثة ويطرح سؤالاً حول “أي طريقة دراسة أفضل أم مناسبة، أسلوبنا أم أسلوب القدماء؟” ويوضح “بالأمثلة مزايا وعيوب الطرق ذات الصلة”، حيث يلاحظ فيكو أنّ الحديثين مجهزين بأدوات النقد الفلسفي و الهندسة التحليلية (خاصة في شكل المنطق الديكارتي)، وأنّ هذه المجالات المفتوحة للبحث العلمي الطبيعي (الكيمياء والصيدلة وعلم الفلك والاستكشاف الجغرافي والميكانيكا) والإنتاج الفني (الواقعية في الشعر والخطابة والنحت) كانت غير معروفة وغير متاحة القدماء.

على الرغم من أنّ هذه تجلب فوائد كبيرة كما يجادل فيكو فإنّ التعليم الحديث يعاني دون داعٍ من تجاهل (ars topica – فن الموضوعات) الذي يشجع على استخدام الخيال والذاكرة في تنظيم الكلام في إقناع بليغ، وفي النتيجة كما يجادل فيكو هي الانتباه المفرط إلى الأسلوب الهندسي على غرار تخصص الفيزياء والتركيز على النقد الفلسفي المجرد على الشعر.

وهذا يقوض أهمية العرض والإقناع والمتعة في التعلم حيث إنّه يخدر الخيال ويخيف الذاكرة وكلاهما أساسي للتعلم والتفكير المعقد واكتشاف الحقيقة، ومن خلال الجمع بين أساليب القدماء والحديثين يجادل فيكو بأنّ التعليم يجب أن يهدف بشكل مثالي إلى تنمية “الحياة الكلية للجسد السياسي”، حيث يجب أن يتم تعليم الطلاب مجمل العلوم والفنون ويجب كذلك تطوير سلطاتهم الفكرية إلى أقصى حد حتى يصبحوا دقيقين في العلم وذكيين في الأمور العملية ومتقنين في البلاغة ومبدعين في فهم الشعر أو الرسم وقويين في حفظ ما تعلموه في دراساتهم القانونية.

تم توسيع هذا الدفاع عن التعليم الإنساني في الخطب الموجهة إلى “زهرة ومخزون الرجولة الشابة المولودة جيدًا” حيث تقدم فيكو قضية للتعليم الإنساني الحديث وتركز على نوع معين من الحكمة العملية، أي الحكمة التي يستطيع العقل البشري تحقيقها بالانضباط والاجتهاد المناسبين.

استمر هذا الموضوع في (عتيق – De Antiquissima) حيث يتتبع فيكو عواقب رؤيته بأنّ اللغة يمكن التعامل معها كمصدر للمعرفة التاريخية، كما ويلاحظ فيكو أنّ العديد من كلمات اللغة اللاتينية تبدو “مشتقة من بعض التعلم الداخلي وليس من الاستخدام العامي للناس”، وقد تم التعامل مع اللغة اللاتينية باعتبارها مستودعًا للماضي ويمكن التحقق منها على أنّها طريقة مل يمكن تسميته بـ “البحث عن الحكمة القديمة للإيطاليين من حكمة كلماتهم “.

فلسفة فيكو والديكارتية:

“يجب أن يكون للأفكار الموحدة التي تنشأ بين شعوب بأكملها غير معروفة لبعضها البعض، أرضية مشتركة للحقيقة.”

الفيلسوف جيامباتيستا فيكو

في سياق متابعة هذه المهمة طور فيكو أيضًا موضوعين رئيسيين لفلسفته الناضجة بأنّ الخطوط العريضة للنظام الفلسفي على النقيض من فلسفة ديكارت السائدة التي انتقدها بالفعل في عمله الفلسفي (عن طرق الدراسة في عصرنا – De nostri temporis studiorum ratione) وبيانه القائل بأنّ المبدأ حقيقي وقابل للتحويل (وهو حقيقي قابل للتحويل – verum et factum convertuntur)، أو أنّ (الحقيقة هي تحديدًا ما تم صنعه – verum esse ipsum factum).

يشدد فيكو على أنّ العلم يجب أن يُنظر إليه على أنّه (الجنس أو النمط الذي يصنع به الشيء) بحيث يكون علم الإنسان بشكل عام مسألة تشريح (تشريح أعمال الطبيعة)، وإن كان ذلك من خلال (عيب أو نقص) من البشر حيث أنّهم يقتصرون على (التجريد) في مقابل قوة (“البناء) الموجودة في الله وحده، وبالنظر إلى أنّ (معيار الحقيقة هو جعلها).

وأسباب فيكو لماذا يجب رفض مبدأ ديكارت الأول المشهور القائل بأنّ الأفكار الواضحة والمتميزة هي مصدر الحقيقة هو لأنّ العقل لا يصنع نفسه، وكذلك يلاحظ فيكو أنّه عندما يتعرف العقل على نفسه وبما أنّه لا يصنع نفسه فإنّه لا يعرف الجنس أو الوضع الذي يصنع نفسه به، وهكذا فإنّ حقائق الأخلاق والعلوم الطبيعية والرياضيات لا تتطلب “تبريرًا ميتافيزيقيًا” كما قال الديكارتيون ولكنها تتطلب تحليلًا للأسباب بمعنى “النشاط” الذي يتم من خلاله صنع الأشياء.

يحظى عمل فيكو لسيرته الذاتية (حياة جيامباتيستا فيكو – Vita di Giambattista Vico) من قبله بأهمية خاصة ليس فقط كمصدر لإلقاء نظرة ثاقبة على التأثيرات على تطوره الفكري ولكن كواحد من أقدم الأمثلة وأكثرها تعقيدًا للسيرة الذاتية الفلسفية، حيث قام فيكو بتأليف العمل استجابة (وفي الواقع الرد الوحيد) على اقتراح نشره الكونت جيان أرتيكو دي بورسيا للعلماء الإيطاليين لكتابة سيرهم الذاتية لتنوير الطلاب.

وبالإشارة إلى نفسه بصيغة الغائب يسجل فيكو مجرى حياته وتأثير مختلف المفكرين مما دفعه إلى تطوير المفاهيم الأساسية لعمله الناضج، ويذكر فيكو أهمية قراءة أفلاطون وأرسطو واليونانيين وسكوتس وسواريز والشعراء الكلاسيكيين ويتتبع اهتمامه المتزايد بالفقه واللغة اللاتينية، كما يصف فيكو كيف توصل إلى “التأمل في مبدأ من مبادئ القانون الطبيعي والذي يجب أن يكون مناسبًا لتفسير أصول القانون الروماني وكل قانون مدني غير عشري فيما يتعلق بالتاريخ” وكيف اكتشف أنّ قانون أبدي مثالي والذي يجب مراعاته في مدينة عالمية بعد فكرة أو تصميم العناية الإلهية.

التمييز بين الأفكار واللغات لدى فلسفة فيكو:

ووفقًا لرواية فيكو الخاصة توجت دراساته بالتمييز بين الأفكار واللغات حيث ميّز بينهم من خلال فكرتين كالتالي:

  1. الأول كما يقول يكتشف مبادئ تاريخية جديدة للجغرافيا والتسلسل الزمني وفكرتي التاريخ ومن ثم مبادئ التاريخ العالمي التي لم تكن موجودة حتى الآن.
  2. يكتشف الثاني مبادئ جديدة للشعر وكلاهما الغناء والشعر ويظهر أنّ كلاهما نشأ بنفس الضرورة الطبيعية في جميع الأمم الأولى، والتي تكون مجتمعة فتشكل هذه العقيدة المركزية للعلم الجديد أي أنّ هناك فكر وفلسفة للجنس البشري وتنتج تاريخًا أبديًا مثاليًا قائمًا على فكرة العناية الإلهية والتي اجتازها الزمن عبر كل التواريخ الخاصة للأمم ولكل منها صعودها وتطورها وذروتها وانحطاطها وسقوطها.

شارك المقالة: