التقاويم الثلاثة وأولاد الملوك وخمس سيدات من بغداد

اقرأ في هذا المقال


قصة التقاويم الثلاثة وأولاد الملوك وخمس سيدات من بغداد أو ( The Story of the Three Calenders, Sons of Kings, and of Five Ladies of Bagdad) هي حكاية خرافيه من سلسلة الحكايات الشعبية من كتاب ترفيه الليالي العربية، تمّ اختيار هذه الحكايات الشعبية وتحريرها بواسطة أندرو لانج، نشرت عام 1918، للناشر (Longmans، Green and Co) .

الشخصيّات:

  • زبيدة.
  • امينة.
  • سعديّة.
  • التقاويم الثلاثة.
  • هارون الرشيد.
  • الوزير.

قصة التقاويم الثلاثة وأولاد الملوك وخمس سيدات من بغداد:

في عهد الخليفة هارون الرشيد، عاش في بغداد حمّال كان على الرغم من عمله المتواضع رجلاً ذكيًا وحكيمًا، وذات صباح كان جالسًا في مكانه المعتاد مع سلّته أمامه في انتظار أن يتم اختياره للعمل، عندما اقتربت منه سيدة شابة طويلة، مغطاة بحجاب طويل، وقالت: التقط سلتك واتبعني، فقفز الحمّال الذي كان مسروراً للغاية بمظهرها وصوتها في الحال، ووضع سلّته على رأسه، ورافق السيدة قائلاً لنفسه وهو يذهب: آه، يوم سعيد!

سرعان ما توقفت السيدة أمام باب مغلق طرقت عليه، فتحه رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، ودفعت له السيدة المال دون أن تتحدث، الرجل العجوز الذي بدا أنّه يفهم ما تريد، اختفى في المنزل وعاد حاملاً إناءً كبيرًا من النبيذ، حيث وضعه الحمّال في سلته، ثمّ اخبرته السيدة ليتبعه وذهبا في طريقهما، المكان التالي الذي توقفت عنده كان محل فواكه وزهور، وهنا اشترت كمية كبيرة من التفاح والمشمش والخوخ وأشياء أخرى مع الزنابق والياسمين وجميع أنواع النباتات ذات الرائحة الحلوة.

ثمّ ذهبت إلى جزّار، وبقّال، وبائع حتّى أخيرًا صاح الحمّال في يأس: سيدتي الطيبة، إذا كنت قد أخبرتني فقط أنّك ستشتري ما يكفي من المؤن لتخزين المدينة، كنت سأحضر حصانًا أو بالأحرى جملًا، ضحكت السيدة وقالت له أنّها لم تنته بعد، ولكن بعد أن اختارت أنواعًا مختلفة من البهارات توقفت أمام قصر رائع طرقت بابه برفق، وفتحت لها سيدة جميلة جداً، لدرجة أنّ عيون الرجل كانت تحدّق بها بشدة.

ودخل الثلاثة جميعًا ساحة كبيرة محاطة برواق مفتوح، في أحد طرفي الفناء كان هناك منصة كان عليها هناك عرش كهرماني مدعوم بأربعة أعمدة من خشب الأبنوس، مزين باللؤلؤ والماس، وفي منتصف الفناء كان يوجد حوض من الرخام مملوء بالماء من فم أسد ذهبي، نظر الحمّال بدهشة لكل شيء، لكنّ انتباهه كان خاصًا لسيدة ثالثة جالسة على العرش، كانت أجمل من الآخريين.

ومن خلال الاحترام الذي أبدته لها الآخريين، رأى أنّها يجب أن تكون الأكبر، كان اسم هذه السيدة زبيدة، والمرأة التي احضرته من السوق سعدية، ومدبرة المنزل التي فتحت الباب أمينة، وفي كلمة من زبيدة، أخذت سعديّة وأمينة السلة من الحمّال، ثمّ دفعت له الكثير من المال مقابل استخدامه، لكن بدلًا من أن يأخذ سلته ويذهب بعيدًا، ظلّ الرجل متراخيًا، حتى سأل زبيدة وقال: سيدتي، لقد أعطيتني الكثير من المال، ولكن أنا مندهشاً من رؤية مثل هؤلاء السيدات الجميلات بأنفسهنّ بدون رجال.

وبعد أن روى بعض القصص لإثبات وجهة نظره، طلب منهنّ السماح له بالبقاء والحصول على عشاء معهن، كانت السيدات مستمتعات إلى حد ما بوجهة نظر الرجل وبعد بعض المناقشة تمّ الاتفاق على السماح له بالبقاء معهن، وقالت زبيدة: لكن إذا وافقنا على طلبك، فذلك فقط بشرط أن تتصرف بأدب شديد، وأن تحافظ على سر أسلوب حياتنا الذي كشفته لك الصدفة، ثمّ تناولوا العشاء، وبعد أن رأت سعدية أنّ الشمس كانت على وشك الغروب، قالت للحمّال: قم وانطلق، حان الوقت الآن للانفصال.

أجاب: آه يا ​​سيدتي، كيف تريدين أن أتركك في الحالة التي أنا فيها؟ بين النبيذ الذي شربته، لن أجد الطريق إلى منزلي، اسمحن لي أن أبقى هنا حتى الصباح، وعندما أستعيد وعيي سأذهب متى شئتن، أجابت زبيدة: إذا بقيت، يجب أن تتعهد بعدم طرح أي أسئلة حول أي شيء قد تراه، إذا فعلت فقد تسمع ما لا تحب، وبعد تسوية هذا، أحضرت أمينة العشاء، ثمّ جلسوا مرة أخرى على المائدة، وفجأة سمعوا طرقًا على الباب الخارجي ونهضت سعدية لتفتحه.

سرعان ما عادت قائلة إنّ رجال التقويم الثلاثة هناك، كلهم قد أصيبوا بالعمى في العين اليمنى، وكلهم حلقوا رؤوسهم ووجوههم نظيفة، وتوسّلوا للدخول حيث وصلوا حديثًا إلى بغداد، واجهت زبيدة وأمينة بعض الصعوبات في قبول القادمين الجدد، لكنّ امينة حثت على إدخالهم بشدة لدرجة أنّ زبيدة أجبرت أخيرًا على الموافقة، قالت: أحضريهم إذاً، لكن اجعلنهم يفهمون أنّهم لا يدلون بملاحظات حول ما لا يعنيهم.

وتأكدن من جعلهم يقرؤون النقش فوق الباب، لأنّه كتب على الباب بأحرف من ذهب، من يتدخل في أمور لا تخصه يسمع حقائق لا ترضيه، انحنى الثلاثة عند الدخول، وشكروا السيدات على لطفهنّ وكرم ضيافتهن، وردت السيدات بكلمات ترحيب، وكانوا جميعًا على وشك الجلوس، عندما سقطت عيون الرجال على الحمّال، وقال أحدهم: هذا على ما يبدو أحد إخواننا العرب الذي تمرد على حاكمنا.

أمّا الحمال على الرغم من أنّه كان نصف نائم، ولكنّه سمع الكلمات، فصرخ غاضبًا إلى التقويم: اجلس واهتم بشؤونك الخاصة، ألم تقرأ النقش فوق الباب؟ أجاب التقويم: لا تغضب، يجب أن نشعر بالأسف لإزعاجك، وتمّ تهدئة الشجار وبدأ العشاء بجدية، وبعد العشاء أقاموا احتفالاً وانغمسوا في الضحك، وفي وسط كل ضجيجهم، سمعوا طرقة على الباب.

في وقت مبكر من ذلك المساء، غادر الخليفة القصر سراً برفقة وزيره الأكبر جعفر ومشهور رئيس الحرس، وكان الثلاثة يرتدون ثياب التجار، وأثناء مرورهم في الشارع، انجذب الخليفة لموسيقى الآلات وأصوات الضحك، وأمر وزيره بالذهاب والطرق على باب المنزل، أجاب الوزير أنّ السيدات اللواتي يعشن هناك يبدو  وكأنهنّ يقمن بتسلية أصدقائهن، وقال: يحسن بنا ألّا نتطفل عليهن، لكنّ الخليفة أصر على الدخول، ردت سعديّة على الطرق، وانحنى أمامها الوزير الذي تفاجأ بجمالها.

قال باحترام: سيدتي، نحن ثلاثة تجار وصلنا مؤخرًا من الموصل، بسبب حادث سيء حل بنا هذه الليلة، ولم نستطع أن نصل إلى نزلنا ووجدنا أنّ الأبواب مغلقة أمامنا حتى صباح الغد، وقد تجوّلنا في الشوارع حتى صادفنا أن نمر بمنزلك، وعندما رأينا الأضواء وسمعنا الأصوات، قررنا أن نطلب منك توفير المأوى لنا حتى الفجر، أجابت سعديّة التاجر بأنّ عليها استشارة أخواتها أولاً، وبعد أن تحدثت معهم في الأمر عادت لتخبره أنّه سيكون هو وصديقيه موضع ترحيب.

ثمّ دخلوا وانحنوا بأدب للسيدات وضيوفهم، ثمّ تقدمت زبيدة، وقالت بجدية: على الرحب والسعة هنا، ولكن أتمنى أن تكون لديكم العيون، ولكن بدون ألسنة، ولا تسألوا أي أسئلة عن أي شيء تروه، مهما بدا لكم غريباً، قال الوزير: سيدتي، لدينا ما يكفي ليشغل اهتمامنا دون أن نقلق أنفسنا بشأن ما لا نهتم به، ثمّ جلسوا جميعًا وشربوا بصحة القادمين الجدد، بينما كان الوزير جعفر يتحدث مع السيدات، كان الخليفة منشغلاً بالتساؤل لماذا فقد كل من الرجال عينه اليمنى.

وكان يحترق للاستفسار عن سبب كل ذلك، ولكن تمّ إسكاته بناءً على طلب زبيدة، ثمّ نهض رجال الثلاثة وأقاموا بعض الرقصات الغريبة والتي أسعدت بقية الموجودين، وعندما انتهوا، نهضت زبيدة من مقعدها وأخذت أمينة من يدها، وقالت لها: لابدّ أن نؤدي مهمتنا الليلية، فهمت أمينة معنى أختها، فجمعت الأطباق والآلات الموسيقية وحملتها بعيدًا، فيما كانت سعديّة تجتاح القاعة وترتب كل شيء.

بعد أن فعلت هذا، توسلت إلى رجال التقاويم أن يجلسوا على أريكة على جانب واحد من الغرفة، وأن يقف الخليفة وأصدقاؤه في المقابل، أمّا الحمّال فطلبت منه أن يأتي ويساعدها وأختها، وبعد فترة وجيزة من دخول أمينة حاملة مقعدًا، وضعته في وسط المساحة الفارغة، توجهت بعد ذلك إلى باب الخزانة، وسرعان ما ظهرت مرّة أخرى تقود كلبين أسودين بسلسلة، أحضرتها إلى وسط القاعة.

ثمّ نهضت زبيدة من مقعدها بين الخليفة والوزير وسارت ببطء إلى حيث يقف الحمّال مع الكلاب، وقالت بحسرة عميقة وهي ترفع أكمامها للخلف، وتأخذ سوطًا من سعديّة، وقالت للرجل: يجب أن نؤدي واجبنا، خذ أحد تلك الكلاب إلى أختي أمينة وأعطني الآخر، فعل الحمّال ذلك، ولكن بينما كان يقود الكلب إلى زبيدة، نطق بصوت خارق، وحدّق فيه بنظرات توسل، لكنّ زبيدة لم تنتبه، وجلدت الكلب حتى أزفقت أنفاسها.

ثمّ أخذت السلسلة من الحمّال، ورفعت الكلب على رجليه الخلفيتين، نظر كل منهما في عيون الآخر بحزن حتى بدأت الدموع تسقط من كليهما، ثمّ أخذت زبيدة منديلها ومسحت عيني الكلب بحنان وقبّلته، ثمّ وضعت السلسلة في يد الحمّال، وقالت: خذه إلى الخزانة وأعد لي الآخر، وفعلت نفس الشئ مع الكلب الثاني، وطوال الوقت كان الجميع ينظر بذهول، لم يستطع الخليفة على وجه الخصوص احتواء نفسه، وأصدر إشارات للوزير ليسأل عما يعنيه كل ذلك.

لكنّ الوزير تظاهر بأنّه لا يرى وأدار رأسه، بقيت زبيدة في منتصف الغرفة لبعض الوقت، حتى صعدت سعديّة  إليها أخيرًا وتوسلت إليها أن تجلس، وجلبت أمينة عودًا وأعطته لسعديّة التي غنّت عدة أغنيات، وقامت أمينة بضرب الأوتار وغنّت بحماسة شديدة لدرجة أنّها غرقت وهي تلهث على كومة من الوسائد، وكانت تمزق فستانها وهي تفعل ذلك لإعطاء نفسها بعض الهواء.

لدهشة جميع الحاضرين، كانت رقبتها كتلة من الندوب، فسأل الخليفة: ماذا يعني كل ذلك؟ قال رجال التقويم: لا نعرف أكثر منك، ثمّ التفتوا بعد ذلك إلى الحمّال ليروا ما إذا كان بإمكانه شرح اللغز، لكنّ الحمّال لم يكن يعرف أكثر، ومطولاً لم يعد بإمكان الخليفة احتواء فضوله، وطلب من الوزير أن يسأل السيدات معنى سلوكهنّ الغريب، وفجأة استدارت زبيدة ورأت حماستهم فقالت: ما الأمر الذي تناقشوه جميعًا بجدّية؟

أجاب الحمال: إنّ هؤلاء السادة يناشدونك أن تشرحي لهم لماذا يجب عليك أن تجلدي الكلاب أولاً ثم تبكي عليها، فقالت زبيدة وهي غاضبة: هل هذا هو العائد الذي جنيته من كرم الضيافة الذي أظهرته لكم؟ ثمّ صفّقت بيديها ثلاث مرات، فاقتحم سبعة من العبيد السود كل منهم مسلح بسيف، ووقفوا فوق الرجال السبعة، وألقوا بهم على الأرض، وانتظروا أمرها لقتلهم.

وعندما سألت زبيدة الرجال عن اسمائهم، كان الخليفة الذي قد نفد صبره، عانى أكثر بكثير من أي من الآخرين عندما شعر أنّ حياته كانت تحت رحمة سيدة مستاءة، ولكن عندما سمع سؤالها بدأ يتنفس بحرية أكبر، لأنّه كان يعلم أنّه عليها فقط معرفة اسمه ورتبته حتى تنتهي كل المخاطر، فهمس على عجل للوزير الذي كان بجانبه ليكشف سرهم، لكنّ الوزير كان أكثر حكمة وأراد أن يخفي عن الجميع الإهانة التي تلقوها.

في هذه الأثناء، كانت زبيدة قد التفتت إلى التقويمات الثلاثة واستفسرت عمّا إذا كانوا أخوة لأنّهم جميعًا مكفوفون، أجاب أحدهم: لا يا سيدتي، نحن لسنا قريبين على الإطلاق،  فقط إخوة بأسلوب حياتنا، وأضاف: قد يثير اهتمامك سيدتي أن تعرفي أننّا جميعًا أبناء الملوك الثلاثة الذين يحترمهم العالم كثيرًا.

عند هذه الكلمات هدأ غضب زبيدة، والتفتت إلى عبيدها وقالت: يمكنكم منحهم المزيد من الحرية، لكن لا تغادروا القاعة، لأنّكم ستخبروننا عن تاريخكم وأسباب مجيئكم إلى هنا، قال الحمّال: سيدتي، أنت تعرفين بالفعل كيف أتيت إلى هنا، فأومأت برأسها وقالت: يمكنك أن تذهب، فصاح الحمّال: سيدتي، دعيني أبقى قليلاً، ليس فقط أن الآخرين كان يجب أن يسمعوا قصتي، يجب أن أسمع قصتهم، ثمّ جلس على الأريكة، ثمّ بدأ أحد أفراد عائلة التقاويم، مخاطبًا زبيدة بصفتها السيدة الرئيسية قصته.


شارك المقالة: