الفلسفة الأفريقية

اقرأ في هذا المقال


كموضوع دراسي منهجي تعد الفلسفة الأفريقية ذات تاريخ وولادة قريبة ولكنه غني للغاية، فقدّم الممثلون أفضل ما يمكن القيام به في فترة لا تتجاوز بضعة عقود قليلة وتنافس على مستوى عالي من الفلسفة التي ولدت في قرون قديمة جدًا، فكان هناك تداخل واضح بين العصور المبكرة والوسطى.

بعد فترة وجيزة من الاستعمار أدرك الممثلون أنّ إفريقيا قد انجرفت إلى المصفوفة العالمية غير مستعدة، حيث خلال الحقبة الاستعمارية كانت هوية الأفريقي أوروبية، وكان نظام تفكيره ومعاييره وحتى إدراكه للواقع مبنيًا على الظل الاستعماري الذي يقف وراءه، وكان من السهل على الأفريقي أن يضع نفسه ضمن هذه الثوابت الثقافية الغربية على الرغم من أنّه لم يكن لديهم أي صلة في الوقت الحقيقي بكيانه.

ثم أصبح من العار على الأفريقي أن يواصل تعريف نفسه داخل البيئة الاستعمارية الأوروبية، ومن ناحية كان قد رفض للتو الاستعمار، ومن ناحية أخرى أوضح المستعمر الأوروبي المخلوع أنّ هوية الأفريقي لم تعد مغطاة ومؤمنة من قبل الوسيط الأوروبي، لذلك أدرك الممثلون فجأة أنّهم أصيبوا بخيبة أمل وأنّهم عانوا من خداع الذات الشديد في ظل المزاج الاستعماري.

كان السؤال الذي خلفه كل أفريقي هو: (من أنت؟) وبالطبع كانت الإجابات تدور في المنظور الأوروبي بصورة وحشية وبدائية وأقل من البشر، وكانت الحاجة الملحة والمفاجئة لتناقض هذه المواقف الأوروبية هي التي دفعت بعض الأفارقة ما بعد الاستعمار إلى البحث عن الهوية الأفريقية.

ومن أجل البدء والعمل بتاريخ أفريقي بدون استعمار داخل النظام العالمي، ورسم طريق التقدّم والتطور من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بطريقة قابلة للتطبيق بنهج أفريقي، والذي يمثل إفريقيا بالكامل حيث أصبح أحد محاور الفلسفة الأفريقية.

فلاسفة أوروبيين بحثوا في الفلسفة الأفريقية:

انتخب بلاسيد تمبلز (Placid Tempels) المبشر الأوروبي للمساعدة، وفي كتابه المثير للجدل فلسفة بانتو (Bantu Philosophy) سعى إلى خلق فلسفة إفريقيا الخاصة كدليل على أنّ إفريقيا لها هويتها الخاصة ونظام فكريها.

ومع ذلك كان جورج جيمس (George James) وهو أوروبي آخر مهتم والذي عمل مشروعًا أكثر طموحًا حمل عنوان إرث مسروق (Stolen Legacy)، ففي هذا العمل كانت هناك اقتراحات قوية ليس فقط بأنّ أفريقيا لديها فلسفة، ولكن أيضًا أنّ ما يسمى بالفلسفة الغربية معقل الهوية الأوروبية قد سُرق من إفريقيا.

الغرض من هذا القول والادعاء هو جعل المستعمر الأوروبي الفخور أن يشعر بأنّه يدين بالفضل للأفارقة المتضررين ولكن هذا لم يكن ناجحًا، لأنّ جذور وأصول الفلسفة اليونانية في البلاد المصرية لم تكن كما ادعى بعض الأوروبيين بأنّ جميع المصريين من ذوي البشرة الداكنة، وليس أنّ الأفارقة من ذوي البشرة السمراء لديهم فلسفة، وأنّ مصطلح (الأفارقة) الذي يستخدم عادةً يستبعد ذوي البشرة الفاتحة من شمال إفريقيا في ترسيم جورج جيمس، بينما الأشخاص ذوي البشرة السمراء الداكنة في جنوب الصحراء الكبرى في جنوب إفريقيا تتم الإشارة إليهم.

فلاسفة من أفريقيا:

بعد تمبلز وجيمس بدأ الأفارقة في بلوغ مرحلة النضج ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

1- أيمي سيزير.

2- جون مبيتي.

3- أوديرا أوروكا.

4- جوليوس نيريري.

5- ليوبولد سنغور.

6- نامدي أزيكيوي.

7- كوامي نكروما.

8- أوبافيمي أوولوو.

9- أليكسيس كيجامي.

10- أوزودينما نوالا.

11- إيمانويل إيده.

12- إنوسنت أونيويني.

13- هنري أوليلا.

تحاول أعمال قليلة إثبات وتأسيس الأساس الفلسفي للهوية الفريدة لأفريقيا في تاريخ الحياة البشرية، بينما تحاول أعمال أخرى وصف عملية الهوية الحقيقية لأفريقيا من خلال أيديولوجيات ذات طابع سياسي واقتصادي فريد، ويمكن القول أن العديد من هذه الجهود تنتمي إلى الأيام الأولى من نمو الفلسفة الأفريقية.

بالنسبة لاهتماماتها تتميز الفترة الوسطى للفلسفة الأفريقية بالنقاش الكبير، فأولئك الذين يسعون إلى توضيح وتبرير الموقف الذي كان قائماً في العهد المبكر، وأولئك الذين يسعون إلى انتقاد وإنكار جدوى مثل هذا الموقف دخلوا في نقاش كبير، وبعض الممثلين على سبيل المثال لا الحصر في هذه الجبهة هم:

1- كامبل شيتو موموه.

2- روبن هورتون.

3- هنري موريير.

4- لاسيناي كيتا.

5- بيتر بودونرين.

6- كواسي وايردو.

7- كوامي جيكي.

8- ريتشارد رايت.

9- باري هالين.

10- جوزيف أوموريغبي.

11- ثيوفيلوس أوكيري.

12- بولين هاونتوندجي.

13- جوردون هانينجس.

14- أوديرا أوروكا.

15- صوفي أولوول.

أفسحت الحقبة السابقة الطريق في النهاية إلى الفترة اللاحقة التي تركزت على بناء نظرية أفريقية، وتنافس معسكرين بعضهما البعض، وكذلك الناقدون لإعادة البناء وهم:

1- العالميون المتطورون.

2- علماء التفكيك والإنتقائيون وهم التقليديون.

3- المنقبون المتطورون.

يسعى الأول إلى بناء نظام مبدئي للفهم والمعرفة العلمية (Episteme) الأفريقي وغير الملوث بالفلسفة العرقية، في حين أنّ الأخير يسعى لفعل الشيء نفسه من خلال الاندماج الدقيق للمثل العليا ذات الصلة للمعسكرين، وفي النهاية اصطدمت إعادة الإعمار النقدي بجدار من الطوب عندما أصبح من الواضح أنّ كل ما أنتجته لا يمكن أن يُطلق عليه حقًا فلسفة أفريقية إذا كانت كلها غربية بدون علامات أفريقية.

إنّ مجرد الادعاء بأنّها ستكون فلسفة أفريقية لمجرد أنّها أنتجها الأفارقة سينهار مثل بيت من ورق تحت أي حجة، ولهذا الفشل الكبير تضاءل تأثير إعادة البناء النقدي في الفترة اللاحقة وتم امتصاصه من قبل منافسه الانتقائية، وبشرت أعمال الانتقائية بظهور العصر الجديد في الفلسفة الأفريقية ويصبح التركيز على فلسفة المحادثة، حيث احتل إنتاج (Episteme) أفريقي دقيق ومبتكر فلسفيًا أفضل مما أنتجه الانتقائي مركز الصدارة.

تاريخ الفلسفة الأفريقية:

يمكن تلخيص العمل الذي قام به المؤرخون الفلسفيون الأفارقة في الفئتين أو فترتين التاليتين:

1- عصر ما قبل النظامية (أي ما قبل المنهجي).

2- العصر المنهجي.

تشير الفترة الأولى إلى الثقافة والمعرفة الفلسفية لأفريقيا وعدد من الأفكار لمجهولين من ذوي الفكر الأفارقي، وقد تشمل مشاكل وموضوع التراث المصري، بينما تشير الفترة الثانية إلى الوقت الذي عاد فيه أول 11 فيلسوف في إفريقيا من اللذين تعلموا ودرسوا في الدول الغربية في عشرينيات القرن العشرين.

كما يمكن أيضًا تحديد هذه الفئة الأخيرة في أربع فترات وهي:

1- الفترة المبكرة 1920 – 1960.

2- الفترة الوسطى من الستينيات – الثمانينيات.

3- فترة لاحقة الثمانينيات – التسعينيات.

4- عصر جديد (معاصر) منذ التسعينيات.

من الصعب القول إنّه ما قبل الفترة الأولى (الفترة المبكرة) لم يجروا الناس بحوثًا فلسفية أبدًا في إفريقيا  وعلى العكس من ذلك فإنّهم قد فعلوا، لكن يبدو أنّ الحقيقة الواضحة والجلية هي أنّ الأفارقة لم يقوموا بتوثيق وتسجيل فلسفتهم وأفكارهم، لذلك لم يتمكن العلماء من إثبات منهجهم أو مصدر معلوماتهم، بمعنى آخر تُظهر هذه الفترة الزمنية أنّ الفلسفة والفكر الأفريقي كنظام بدأ في أواخر عشرينيات القرن الماضي.

لدى الفلاسفة الأفارقة اعتراضات ذات مصداقية على إدراجه في الخلاصة التاريخية للفلسفة الأفريقية، والاعتراض الأساسي هو أنّه حتى لو استطاع فلاسفة التراث المسروق من إثبات الصلة بين الفكر اليوناني والمصري، فلن يستطيعوا إثبات بأنّ المصريين كانوا من ذوي بشرة السمراء، أو أنّ الأفارقة من ذوي البشرة السمراء كانوا مصريين، على الرغم من أنه إذا رغب المرء في الاحتفاظ بها كجزء من الفلسفة الأفريقية فسوف تتكيف بعناية مع عصر ما قبل القراءة والكتابة أو ما قبل العصر المنهجي.


شارك المقالة: