الفلسفة السياسية في العصور الوسطى

اقرأ في هذا المقال


الفلسفة السياسية:

الفلسفة السياسية هي فكرة كيف تدخل السياسة وكل شيء، وإنّها الأفكار الكامنة وراء كيفية إدارته وخدمة الناس فنحن ننتخب الناس بناءً على فلسفاتهم السياسية ونتوافق مع تلك الفلسفات من أجل إفادة أنفسنا وما نراه مناسبًا، وسيكون هناك دائمًا خلاف بين الفلسفات السياسية ولكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها، ويعتقد أنّ الفلسفة السياسية هي كيف نعبر عما نؤمن به ونستخدمه كوسيلة للمساعدة في حل المشكلات المجتمعية، فهناك حاجة إلى الفلسفات السياسية من أجل جعل الحكومة تعمل.

الفكر السياسي في العصور الوسطى:


كان انحدار الحضارة القديمة في الغرب شديدًا على الرغم من استمرار التطور التكنولوجي حيث جاء طوق الحصان والركاب والمحراث الثقيلة، إلّا أنّ المساعي الفكرية بما في ذلك الفلسفة السياسية أصبحت أساسية في الإمبراطورية البيزنطية.

من ناحية أخرى أنتجت لجان الحقوقيين العاملة للإمبراطور جستنيان (حكم 527-565) قانون القضايا الهاضم أو الباندكتاروم، حيث المؤسسة التي حددت القانون واختصرت (Nooellae- نوفيلا) والدساتير المدونة، كما تُعرف الكتب الأربعة مجتمعة باسم Codex Justinianeus أو Code of Justinian.

كان الباسيليوس البيزنطي أو المستبد يتحمل مسؤولية أخلاقية عن حراسة ومواءمة دولة متقنة، وهي “مستعمرة” من الجنة يجب أن يحكمها العقل وليس ببساطة، وهذه الستالينية والشكل الأرثوذكسي للمسيحية ورثها الحكام المسيحيون في البلقان وروسيا الكييفية ومسكوفي.

أما في الغرب تم نقل مبدأين أساسيين من الفلسفة السياسية اليونانية والمسيحية ولو في التعريفات الأولية في الموسوعات البدائية، فسانت على سبيل المثال يؤكد إيزيدور إشبيلية Isidore of Sevilla في كتابه (Etymologiae (Etymology في القرن السابع أنّ الملوك يحكمون فقط بشرط فعل الصواب وأنّ حكمهم يعكس قانون الطبيعة Ciceronic المشترك بين جميع الناس والبشرية في كل مكان بواسطة الغريزة الطبيعية.

علاوة على ذلك احترمت القبائل الجرمانية الحضارة التي استولوا عليها واستغلوها عندما تحولوا كانوا يحترمون البابوية، وفي عام 800 م أسس شارلمان إمبراطورية أوروبية غربية سميت في النهاية مقدسة ورومانية، وهكذا نجت فكرة الإمبراطورية المسيحية المتوافقة مع الحضارة في العالم الغربي وكذلك في العالم المسيحي الشرقي.

جون سالزبوري وفلسفته السياسية:

بعد أوغسطين لم يظهر أي عمل تأملي كامل للفلسفة السياسية في الغرب حتى بوليكراتيكوس – Policraticus في عام 1159 لجون سالزبوري، واستنادًا إلى قراءة يوحنا الكلاسيكية الواسعة تركز على الحاكم المثالي الذي يمثل “سلطة عامة”.

وكان جون قد أعجب بالأباطرة الرومان أوغسطس وتراجان وفي عالم لا يزال يغلب عليه الإقطاعي، وحمل كتابه التقليد الروماني للسلطة المركزية على الرغم من عدم استبدادها البيزنطي، ويصر على أنّ الأمير هو الذي يحكم وفق القانون بينما الطاغية هو الذي يضطهد الشعب بقوة غير مسؤولة، وهذا التمييز المستمد من الإغريق شيشرون والقديس أوغسطين أساسي للمفاهيم الغربية عن الحرية والوصاية على السلطة.

لم يكن جون يعرف سياسة أرسطو لكن تعلمه مع ذلك رائع حتى لو كانت تشبيهاته السياسية بسيطة، واستعارته المفضلة للجسد السياسي هي الجسد البشري حيث مكان الرأس يملأه الأمير الذي لا يخضع إلا لله، ومكان القلب يملأه مجلس الشيوخ، بينما العيون والآذان واللسان هي القضاة والولاة والجنود، والمسؤولون هم الأيادي، وجباة الضرائب هم أمعاء ويجب ألا يحتفظوا بتراكمهم لفترة طويلة، والمزارعون والفلاحون هم الأقدام، يقارن جون أيضًا البرلمان أو الأمة بالخلية وحتى بمركب.

هذه الرؤية لحكومة مركزية أكثر ملاءمة لذكرى الإمبراطورية الرومانية منها لملكية القرون الوسطى وهي علامة بارزة لإحياء الفكر التأملي في القرن الثاني عشر.

الأكويني وفلسفته السياسية:

كتب توماس أكويناس عملاً في نوع “مرآة الأمراء” أي عن الملكية إلى ملك قبرص ولكن بخلاف ذلك كانت كتابته السياسية عرضية لعمله الأكاديمي وليس كما كان الحال مع معظم الكتاب السياسيين في العصور الوسطى محاولة للتأثير على الأحداث المعاصرة.

يتضمن الخلاصة اللاهوتية مناقشات حول السيادة في حالة البراءة والقانون الطبيعي وأنواع أخرى من القانون والملكية وأفضل شكل من أشكال الحكومة وواجب الطاعة والحرب وإكراه الزنادقة والكفار ومسائل سياسية أخرى، ولم يتم تنظيم هذه المناقشات في أطروحة منفصلة عن السياسة ولكن يتم توزيعها من خلال العمل وفقًا لخطتها كملخص للاهوت.

بينما كان أوغسطين قد رأى أنّه في حالة البراءة لن يكون هناك سيادة للإنسان على الإنسان، فيقول توماس أنّه كان من الممكن أن تكون هناك سيادة في حالة البراءة، وقد اعتبر هذا أحيانًا رفضًا لأوغسطين لصالح عقيدة أرسطو القائلة بأنّ السياسة طبيعية، ومع ذلك يقول توماس إنّه في حالة البراءة لم يكن هناك أي إكراه ولكن كان من الممكن أن تكون هناك حكومة بمعنى القيادة الحكيمة المقبولة طواعية من قبل الأقل حكمة.

هذه وجهة نظر ليست موجودة في أرسطو ولكن في الكتاب اللاتينيين الأوائل على سبيل المثال سينيكا والتناقض مع أوغسطين هو مجرد لفظي، وبالنسبة لأوغسطين دومينيوم يعني الإكراه أما بالنسبة لتوماس معناها أوسع.

فلسفة القديس توما الأكويني السياسية ليست سوى جزء من البناء الميتافيزيقي للنطاق الأرسطي، فقد تم استيعاب أرسطو الآن من المصادر العربية وإعطائه محتوى مسيحيًا جديدًا مع الشمولية الإضافية لنظرة العالم الرواقية والأغسطينية، حيث تهدف الخلاصة اللاهوتية لتكويني (1265 / 66-1273) إلى الإجابة على جميع أسئلة الوجود الرئيسية بما في ذلك أسئلة الفلسفة السياسية.

ومثل أرسطو يفكر الأكويني من منظور غرض أخلاقي، والذي تمت مناقشة القانون الطبيعي في الجزء الأول من الكتاب الثاني كجزء من مناقشة الخطيئة الأصلية وما يمكن تسميته الآن بعلم النفس، بينما تأتي الحرب في الجزء الثاني من الكتاب الثاني باعتبارها جانبًا من جوانب الفضيلة والرذيلة.

ويُعرَّف القديس توما الأكويني القانون بأنّه “ما هو تنظيم وتدبير”، وإنّه مصمم لتعزيز “السعادة والتطويب” التي هي نهايات حياة الإنسان، ويتفق الأكويني مع أرسطو على أنّ “المدينة هي كمال المجتمع” وأنّ الغرض من السلطة العامة يجب أن يكون تعزيز الصالح العام، وأنّ القوة الشرعية الوحيدة هي من المجتمع الذي هو الوسيلة الوحيدة لرفاهية الناس.

في كتابه المسؤولون الحكوميون De regimine Principum ؛ (1266 On the Government of Princes)، يقارن المجتمع بسفينة في حاجة إلى قائد دفة ويكرر تعريف أرسطو للإنسان على أنّه حيوان اجتماعي وسياسي، ومرة أخرى بعد أرسطو اعتبر الأوليغارشية ظالمة والديمقراطية شر، وأنّه يجب أن يهدف الحكام إلى جعل “حياة الجموع صالحة وفقًا لهدف الحياة وهو السعادة السماوية”، وأنّه يجب عليهم أيضًا خلق السلام والحفاظ على الحياة والحفاظ على الدولة وهي تعد مسؤولية ثلاثية.

هنا برنامج كامل لمجتمع هرمي ضمن نظام كوني، فهو يجمع بين الإحساس الهيليني بالهدف والأهداف المسيحية ويؤكد أنّ القوة في ظل الله تكمن في المجتمع وتجسد في الحاكم ولكن فقط طالما أنّ الحاكم يفعل الصواب، ومن هنا القول المأثور “القديس توماس الأكويني كان أول يميني ” ويعد رائد نظرية الحكومة الدستورية.

ومع ذلك فإنّ المجتمع الذي يتصوره هو مجتمع من القرون الوسطى، وهو ثابت وهرمي ومحافظ وقائم على الزراعة المحدودة وحتى التكنولوجيا المحدودة، ومع ذلك لا تزال Thomism العقيدة السياسية الأكثر اكتمالا واستمرارية للكاثوليكية الرومانية منذ تعديلها وتكييفها ولكن لم يتم استبدالها من حيث المبدأ.

دانتي وفلسفته السياسية:

بحلول أوائل القرن الرابع عشر كانت المؤسسات الأوروبية العظيمة الإمبراطورية والبابوية تنهار من خلال الصراع المتبادل وظهور العوالم القومية، ولكن هذا الصراع أدى إلى ظهور النظرية السياسية الأكثر اكتمالاً للإمبراطورية العالمية والعلمانية التي صاغها الشاعر والفيلسوف الإيطالي دانتي أليغييري في الغرب في العصور الوسطى.

في (دي الملكية – De monarchia) (سي 1313)، الذي لا يزال من حيث المبدأ وثيق الصلة بالموضوع، ويصر دانتي على أنّه فقط من خلال السلام العالمي يمكن للملكات البشرية أن تصل إلى بوصلتها الكاملة، ولكن “الملكية الزمنية” فقط هي التي يمكنها تحقيق ذلك أي “سيطرة فريدة تمتد لتشمل جميع الأشخاص في الوقت المناسب” والهدف من الحضارة هو تحقيق الإمكانات البشرية وتحقيق “امتلاء الحياة الذي يأتي من إشباع كياننا”.

يجادل دانتي بأنّ الملكية ضرورية كوسيلة لتحقيق هذه الغاية، وعلاوة على ذلك فإنّ السلطة الإمبراطورية للإمبراطور الروماني المقدس تأتي مباشرة من الله وليس من خلال البابا، والإمبراطورية هي الوريث المباشر للإمبراطورية الرومانية وهي سلطة شرعية أو لم يكن المسيح ليختار أن يولد في ظلها، ومن خلال إخضاع العالم لنفسها فكرت الإمبراطورية الرومانية في الصالح العام.

هذه الحجة العالية وهي جزء من الحرب السياسية بين أنصار الإمبراطور والبابا التي كانت تؤثر على إيطاليا في ذلك الوقت، وتدفع إلى الأساسيات حيث أنّ السلام العالمي لا يمكن أن يكون آمنًا إلا تحت سلطة عالمية، كما إنّ حجة دانتي كانت غير عملية لا تتعلق بهذه العبقرية في العصور الوسطى والتي كانت تكتب ضريحًا أكثر من نشرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكان دانتي مهتمًا مثل الأكويني بخلق فلسفة سياسية ذات هدف واضح ونظرة عالمية.

ومن بين الرؤى الكبرى ولكن غير العملية للعصور الوسطى العليا في ذروة الحضارة المسيحية في القرن الثالث عشر ظهرت في العصور الحديثة المبكرة فكرة وجود عالم محكوم جيدًا وسلطته مستمدة من المجتمع نفسه ومع برنامج مصمم لضمان الملاءة والكفاءة الإدارية لدولة علمانية، وعلى الرغم من انحطاط حضارة العصور القديمة في الغرب إلّا أنّ الشعور اليوناني الروماني بالهدف وسيادة القانون ومسؤولية السلطة استمر في الشكل المسيحي.


شارك المقالة: