فلاسفة السياسة ما قبل الميلاد

اقرأ في هذا المقال


فلسفة السياسة:

الفلسفة السياسية: هي فرع الفلسفة الذي يهتم على المستوى التجريدي بالمفاهيم والحجج المتضمنة في الرأي السياسي، وإنّ معنى مصطلح “سياسي” هو بحد ذاته أحد المشاكل الرئيسية للفلسفة السياسية، بشكل عام ومع ذلك يمكن للمرء أن يصف كل تلك الممارسات والمؤسسات المعنية بالحكومة بأنّها سياسية.

فلسفة السياسة ما قبل الميلاد:

على الرغم من ظهور الحضارات العظيمة في العصور القديمة في مصر وبلاد ما بين النهرين ووادي السند والصين إلّا أنّه كان هناك القليل من التكهنات حول مشاكل الفلسفة السياسية كما تمت صياغتها في الغرب، وتتكون شريعة حمورابي (حوالي 1750 قبل الميلاد) من قواعد طرحها الحاكم البابلي حمورابي كممثل لله على الأرض وتهتم بشكل أساسي بالنظام والتجارة والري.

وتحتوي أمثال بتاح حتب Ptahhotep (حوالي 2300 قبل الميلاد) على نصائح ذكية من الوزير المصري حول كيفية الازدهار في البيروقراطية وArtha-sastra من كوتيليا الوزير الأعظم إلى شاندراغوبتا موريا في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وهي مجموعة من المبادئ الميكيافيلية حول كيفية البقاء تحت سلطة تعسفية.

من المؤكد أنّ المفهوم البوذي للدارما (العادات والواجبات الاجتماعية) الذي ألهم الإمبراطور الهندي أشوكا في القرن الثالث قبل الميلاد ينطوي على تخليق السلطة العامة وتعاليم كونفوشيوس في القرن السادس قبل الميلاد وهي مدونة لقواعد السلوك تهدف إلى استقرار المجتمع، ولكن لا يوجد خارج أوروبا الكثير من التكهنات حول أساس الالتزام السياسي وهدف الدولة اللذين تهتم الفلسفة السياسية الغربية بهما بشكل أساسي، ويُعتبر المجتمع الاستبدادي أمرًا مفروغًا منه تدعمه عقوبات دينية والسلطة المحافظة والتعسفية مقبولة بشكل عام.

وعلى النقيض من هذه النزعة المحافظة الساحقة بالتوازي مع حكم العرف وشيوخ القبائل في معظم المجتمعات البدائية يشكك الفلاسفة السياسيون في اليونان القديمة في أساس الحكومة وهدفها، على الرغم من أنّهم لا يفصلون بين التكهنات السياسية والملاحظات الداهية التي يمكن اعتبارها اليوم علمًا سياسيًا تجريبيًا فقد أوجدوا مفردات الفكر السياسي الغربي.

الفيلسوف أفلاطون:

جمهورية أفلاطون:

إنّ أول عمل مفصل للفلسفة السياسية الأوروبية هو جمهورية أفلاطون وهي تحفة فنية من البصيرة والشعور وتم التعبير عنها بشكل رائع في شكل حوار، ويتم إجراء مزيد من التطوير لأفكار أفلاطون في كتابه رجل الدولة والقوانين حيث يصف الأساليب القاسية التي قد تُفرض بموجبها، ونشأ أفلاطون خلال الحرب البيلوبونيسية العظيمة بين أثينا وسبارتا ومثل العديد من الفلاسفة السياسيين حاول إيجاد علاجات للظلم والانحطاط السياسي السائد.

في الواقع الجمهورية هي الأولى من اليوتوبيا وإن لم تكن واحدة من أكثرها جاذبية، وهي المحاولة الكلاسيكية الأولى لفيلسوف أوروبي لإضفاء الصفة الأخلاقية على الحياة السياسية.

الكتب الخامس والسابع والثامن والتاسع للجمهورية هي مناقشة حية بين سقراط الذي يسرد أفلاطون حكمته، والعديد من الأثينيين المستمتعين يذكرون الموضوعات الرئيسية للفلسفة السياسية بقوة شعرية، وتم انتقاد عمل أفلاطون باعتباره ثابتًا ومرتبطًا بالطبقة مما يعكس الافتراضات الأخلاقية والجمالية للنخبة في حضارة مالك العبيد والمقيدة بالحدود الضيقة لدولة المدينة (بوليس)، والعمل هو في الواقع مثال كلاسيكي على تشريح الفيلسوف للمجتمع حيث يفرض بوسائل إنسانية نسبيًا حكم أقلية سامية.

إنّ الجمهورية هي انتقاد للسياسة اليونانية الحالية وغالباً ما تكون لائحة اتهام، وإنّه مبني على فعل إيماني ميتافيزيقي لأنّ أفلاطون يؤمن بأنّ عالماً من الأشكال الدائمة موجود خارج حدود التجربة الإنسانية وأنّ الأخلاق والحياة الجيدة التي يجب على الدولة تعزيزها هي انعكاسات لهذه الكيانات المثالية.

وأفضل طريقة لإبراز هذه النقطة هي التشبيه الشهير للكهف حيث يتم ربط البشر بوجوههم بالحائط وظهرهم بالضوء بحيث يرون فقط ظلال الواقع، ومقيدين للغاية فهم يتجنبون ما هو حقيقي ودائم ويحتاجون إلى إجبارهم على مواجهته، وهذه العقيدة المثالية المعروفة بشكل مضلل بالواقعية، وتتخلل فلسفة أفلاطون مذهبها المعاكس الاسمية ويعلن أنّ البيانات “المسماة” الخاصة والملحوظة فقط هي التي يمكن الوصول إليها من قبل العقل.

في افتراضه الواقعي يعتبر أفلاطون معظم الحياة العادية وهمًا وشرور السياسة الحالية نتيجة للسعي البشري إلى الغريزة الغاشمة، وما لم يتحمل الفلاسفة حكمًا ملكيًا في المدن أو إذا أصبح أولئك الذين يطلق عليهم الآن ملوكًا وأمراء فلاسفة حقيقيين ومناسبين وتم الجمع بين السلطة السياسية والفلسفة….فلن يكون هناك راحة من الشر للمدن.

يمكن فقط لرجال الدولة الفيلسوف أن يدركوا الأشكال الدائمة والمتسامية ويلجأوا إلى “مواجهة ألمع نيران الوجود” خارج الكهف وفقط الأشخاص ذوو التفكير الفلسفي يمكن أن يكونوا المنقذين ومساعدي المواطنين.

الفكر السياسي لأفلاطون:

وبالتالي فإنّ أفلاطون هو بشكل غير مباشر رائد المعتقدات الحديثة القائلة بأنّ التنظيم الحزبي فقط المستوحى من المذاهب الصحيحة و “العلمية” التي تصاغها الكلمة المكتوبة وتفسرها السلطة ويمكن أن يوجه الدولة بحق، وسيشكل حكامه نخبة غير مسؤولة أمام جماهير الشعب، وهكذا وعلى الرغم من هدفه الأخلاقي العالي فقد وُصف بعدو للمجتمع المفتوح وأب الشمولية، لكنه أيضًا عالم تشريح لشرور الشهية الجامحة والفساد السياسي ويصر على الحاجة إلى استخدام السلطة العامة لتحقيق غايات أخلاقية.

بعد أن وصف يوتوبيا يلجأ أفلاطون إلى تحليل الأنواع الحالية للحكومة من منظور إنساني ببصيرة عظيمة، والملكية هي الأفضل ولكنها غير عملية، ففي الأوليغارشية (حكم القلة) والسعي وراء الثروة يقسم المجتمعات فالأثرياء يصبحون محبطين والفقراء يحسدون ولا يوجد انسجام في الدولة.

في كونفوشيوس حيث يكون للفقراء اليد العليا، يوزع الديماغوجيون “نوعًا خاصًا من المساواة بين المتساوين وغير المتكافئين بشكل غير متحيز” وكبار السن يتملقون الصغار ويتدبرون صغارهم لتجنب الظهور بمظهر الاستبدادي، وينهب القادة الطبقات المالكة ويقسمون الغنائم بينهم وبين الناس حتى يؤدي الفوضى والفساد إلى الاستبداد، وهو شكل أسوأ من أشكال الحكم لأنّ الطاغية يصبح ذئبًا بدلاً من رجل و”يقطع” المنافسين المحتملين ويبدأ الحروب لإلهاء الناس عن سخطهم، ويختتم أفلاطون قائلاً: “بعد ذلك بقلم زيوس يعرف الجمهور ما هو الوحش الذي ولدوه”.

في كتاب الدولة يعترف أفلاطون أنّه على الرغم من وجود علم صحيح للحكومة مثل الهندسة إلّا أنّه لا يمكن تحقيقه ويشدد على الحاجة إلى سيادة القانون حيث لا يمكن الوثوق بأي حاكم يتمتع بسلطة مطلقة، ثم يفحص أي من أشكال الحكومة الحالية هي الأقل صعوبة في التعايش معها، لأنّ الحاكم بعد كل شيء هو فنان يجب أن يعمل ضمن حدود وسيطته، وفي “القوانين” يُزعم أنّه مناقشة حول أفضل السبل لتأسيس بوليس في جزيرة كريت، ويقدم برنامجًا مفصلاً يحكم فيه دولة تضم حوالي 5000 مواطن من قبل 37 أمينًا للقانون ومجلسًا من 360.

لكن حجر الزاوية في القوس هو مجلس ليلي مشؤوم وسري ليكون “مرساة الدولة”، الذي أنشئ في “حصنها المركزي كحارس”، وسيتم إحباط الشعراء والموسيقيين وسيخضع الشباب لتعليم صارم ومتشدد ودقيق، وتظهر النتيجة الصارخة لفلسفة أفلاطون السياسية هنا، ومع ذلك فقد صرح في فجر الفكر السياسي الأوروبي بالمبدأ المعياري القائل بأنّ الدولة يجب أن تهدف إلى تعزيز الحياة الجيدة والوئام الاجتماعي وأنّ سيادة القانون في غياب حكم الملوك الفلاسفة هي ضروري لهذا الغرض.


شارك المقالة: