ألبير كامو (Albert Camus) الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي الفرنسي المعروف برواياته مثل الغريب (L’Étranger) في عام 1942، والطاعون (La Peste) في عام 1947، والسقوط (La Chute) في عام 1956 وعمله في القضايا اليسارية والذي كان قد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957.
حياة الفيلسوف كامو:
ولد ألبير كامو في السابع من تشرين الثاني في عام 1913 في موندوفي، وهي قرية صغيرة بالقرب من ميناء بوني (عنابة حاليًا) في المنطقة الشمالية الشرقية من الجزائر الفرنسية، وقد كان الطفل الثاني لوسيان أوغست كامو وهو عسكري قديم وكاتب شحن نبيذ، ووالدته كاثرين هيلين كامو، وقد كانا عاملة منزل وعامل مصنع بدوام جزئي.
على الرغم من اعتقاد كامو أنّ والده كان الألزاسي (وهي منطقة في فرنسا) ومهاجر من الجيل الأول، إلّا أنّ البحث الذي أجراه كاتب السيرة الذاتية هربرت لوتمان يشير إلى أنّ عائلة كامو كانت في الأصل من بوردو وأنّ أول كامو غادر فرنسا إلى الجزائر كان في الواقع الجد الأكبر للمؤلف، والذي أصبح في أوائل القرن التاسع عشر جزءًا من الموجة الأولى من المستوطنين الاستعماريين الأوروبيين في بوتقة الانصهار الجديدة لشمال إفريقيا.
بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب العالمية الأولى عندما كان عمر كامو أقل من عام تم استدعاء والده للخدمة العسكرية وتوفي في الحادي عشر من تشرين الأول في عام 1914 متأثراً بجروحه التي أصيب بها في معركة مارن الأولى، وعندما كان طفلاً كان الشيء الوحيد الذي عرفه كامو عن والده هو أنّه أصيب بمرض عنيف بعد أن شهد إعدامًا علنيًا، وهذه الحكاية التي ظهرت في شكل خيالي في رواية المؤلف الغريب وتم سردها أيضًا في مقالته الفلسفية (تأملات في المقصلة)، وأثرت بشدة على كامو وأثرت في معارضته لعقوبة الإعدام طوال حياته.
بعد وفاة والده انتقل كامو ووالدته وشقيقه الأكبر إلى الجزائر العاصمة حيث عاشوا مع عمه وجدته في شقتها الضيقة في الطابق الثاني في حي بلكورت للطبقة العاملة، فقد عملت والدة كامو كاثرين الأمية والصم جزئيًا والمصابة بأمراض النطق في مصنع للذخيرة وتنظيف المنازل للمساعدة في إعالة الأسرة، وفي روايته الذاتية التي نُشرت بعد وفاته (الرجل الأول).
يتذكر كامو هذه الفترة من حياته بمزيج من الألم والعاطفة وهو يصف ظروف الفقر المدقع حيث أنّ الشقة المكونة من ثلاث غرف لا تحتوي على حمام ولا كهرباء ولا مياه جارية، والتي تخفف هذه الحياة الصعبة كانت بعض رحلات الصيد والنزهات العائلية وألعاب الطفولة وومضات الشمس الخلابة وشاطئ البحر والجبل والصحراء.
تعليم الفيلسوف كامو:
التحق كامو بمدرسة ابتدائية في مدرسة إيكول كومونال المحلية، وكان هناك أول لقاء في سلسلة من المعلمين والموجهين الذين تعرفوا على ذكاء الصبي الصغير ورعاوه، وقدمته هذه الشخصيات الأبوية إلى عالم جديد من التاريخ والخيال وإلى المناظر الطبيعية الأدبية أبعد من شوارع بلكورت المتربة وفقر الطبقة العاملة.
على الرغم من وصمه باعتباره تلميذًا للأمة (أي طفل محارب قديم يعتمد على الرفاهية العامة) ويعيقه مشاكل صحية متكررة، فقد تميز كامو بأنّه طالب وحصل في النهاية على منحة دراسية للالتحاق بالمدرسة الثانوية في غراند ليسيه، حيث تقع بالقرب من حي القصبة الشهير كما جعلته المدرسة على مقربة من الجالية المسلمة الأصلية ومن ثم منحته اعترافًا مبكرًا بفكرة الدخيل التي ستهيمن على كتاباته اللاحقة.
في المدرسة الثانوية أصبح كامو قارئًا نهمًا -قراءة عميقة جدًا لمارسيل بروست الروائي الفرنسي، وبول فيرلين الشاعر الفرنسي، وهنري برجسون الفيلسوف الفرنسي وغيرهم الكثيرين- كما تعلم اللاتينية والإنجليزية وطور اهتمامًا مدى الحياة بالأدب والفن والمسرح والسينما.
كما أنّه استمتع بالرياضة وخاصة كرة القدم التي كتب عنها ذات مرة متذكراً تجربته المبكرة كحارس مرمى: “لقد تعلمت أنّ الكرة لا تصل أبدًا من الاتجاه الذي توقعته، ولقد ساعدني ذلك في وقت لاحق من حياتي خاصة في فرنسا، حيث لا أحد يلعب بشكل مستقيم”، وخلال هذه الفترة أيضًا عانى كامو من أول نوبة خطيرة من مرض السل وهو المرض الذي أصابه متقطعًا طوال حياته المهنية، وبحلول الوقت الذي أنهى فيه درجة البكالوريا في حزيران من عام 1932 كان كامو يساهم بالفعل بمقالات في (Sud) وهي مجلة أدبية شهرية، كما تطلع إلى مهنة في الصحافة أو الفنون أو التعليم العالي.
وظائف الفيلسوف كامو:
كانت السنوات الأربع التالية من عام 1933 إلى عام 1937 وهي فترة مزدحمة بشكل خاص في حياته حيث التحق بالكلية وعمل في وظائف غريبة وتزوج زوجته الأولى (سيمون هاي) وطلاقًا، وانضم لفترة وجيزة إلى الحزب الشيوعي وبدأ عمليًا حياته المهنية وهي مهنة المسرح والكتابة.
من بين وظائفه المختلفة خلال ذلك الوقت كانت فترات العمل المكتبي الروتيني، حيث كانت إحدى الوظائف عبارة عن تسجيل مثل بارتلبي (Bartleby) وغربلة بيانات الأرصاد الجوية وأخرى تضمنت خلط الورق في مكتب ترخيص السيارات، ويمكن للمرء أن يتخيل أنّه نتيجة لهذه التجربة بدأ مفهومه الشهير عن النضال السيزيفي (Sisyphean) وهو التحدي البطولي في مواجهة العبث يتشكل لأول مرة في خياله.
في عام 1933 التحق كامو بجامعة الجزائر لمتابعة شهادته في الدراسات العليا وتخصص في الفلسفة وحصل على شهادات في علم الاجتماع وعلم النفس على طول الطريق، وفي عام 1936 أصبح مؤسسًا مشاركًا إلى جانب مجموعة من المثقفين الشباب لمسرح العمل (Théâtre du Travail) وهي شركة تمثيل مهنية متخصصة في الدراما ذات الموضوعات السياسية اليسارية.
خدم كامو الشركة كممثل ومخرج وساهم أيضًا في السيناريوهات بما في ذلك أول مسرحية منشورة له ثورة في أستوريا (Revolt in Asturia)، وهي دراما مبنية على ثورة العمال المشؤومة خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وفي نفس العام حصل كامو أيضًا على شهادته وأكمل رسالته وهي دراسة تأثير أفلوطين والأفلاطونية الجديدة على فكر وكتابات القديس أوغسطين.
على مدى السنوات الثلاث التالية رسخ كامو نفسه كمؤلف ناشئ وصحفي ومسرح محترف، وبعد خيبة أمله من الحزب الشيوعي وطرده في نهاية المطاف من الحزب الشيوعي أعاد تنظيم شركته الدرامية وأطلق عليها اسم (Théâtre de l’Equipe) حرفياً مسرح الفريق، حيث يشير تغيير الاسم إلى تركيز جديد على الدراما الكلاسيكية وجماليات الطليعة والتحول بعيدًا عن سياسة العمل وأجتبروب (agitprop) وهي الدعاية السياسية (الشيوعية في الأصل) خاصة في الفن أو الأدب.
وفاة الفيلسوف كامو:
في الرابع من كانون الثاني في عام 1960 توفي كامو بشكل مأساوي في حادث سيارة بينما كان راكبًا في سيارة يقودها صديقه والناشر ميشيل غاليمارد الذي أصيب أيضًا بجروح قاتلة.، ودُفن صاحب البلاغ في مقبرة محلية في قرية لورمارين في بروفنسال حيث عاش هو وزوجته وبناته لما يقرب من عقد من الزمان.
عند سماعه بوفاة كامو كتب سارتر تأبينًا مؤثرًا في صحيفة فرانس اوبزيرفر (France-Observateur)، حيث حيا صديقه السابق وخصمه السياسي ليس فقط لإسهاماته المتميزة في الأدب الفرنسي ولكن بشكل خاص على الشجاعة الأخلاقية البطولية والإنسانية العنيدة التي حملها ضد أحداث اليوم الضخمة والمشوهة.