جان بودريار من مواليد 29 تموز عام 1929 في مدينة ريمس في فرنسا، وتوفي في 6 آذار لعام 2007 في مدينة باريس، وهو عالم الاجتماع والمنظر الثقافي الفرنسي الذي أثرت أفكاره النظرية حول (الواقعية الفائقة) و(المحاكاة) على النظرية الأدبية والفلسفة، خاصة في الولايات المتحدة وانتشر في الثقافة الشعبية.
حياة وعمل الفيلسوف بودريلارد:
ولد الفيلسوف جان بودريار في كاتدرائية بلدة ريمس بفرنسا عام 1929، وأخبر المحاورين أنّ أجداده كانوا فلاحين وأنّ والديه أصبحا موظفين حكوميين، ويدّعي بودريار أيضًا أنّه كان أول فرد في عائلته يتابع تعليمًا متقدمًا وأنّ هذا أدى إلى قطيعة مع والديه وبيئة ثقافية، وفي عام 1956 بدأ العمل كأستاذ للتعليم الثانوي في مدرسة ثانوية فرنسية (ليسيه) وفي أوائل الستينيات قام بعمل تحريري للناشر الفرنسي سويل.
كان بودريار في البداية ألمانيًا نشر مقالات عن الأدب في العصر الحديث (Les temps modernes) في الأعوام من 1962 إلى 1963 وترجم أعمال بيتر فايس وبيرتولت بريخت إلى الفرنسية، بالإضافة إلى كتاب عن الحركات الثورية المسيانية بقلم فيلهلم مولمان، وخلال هذه الفترة التقى ودرس أعمال هنري لوفيفر الذي أثرت انتقاداته للحياة اليومية عليه، ورولان بارت الذي كان لتحليلاته السيميائية للمجتمع المعاصر تأثير دائم على عمله.
في عام 1966 التحق بودريار بجامعة باريس نانتير وأصبح مساعدًا لليفيفر أثناء دراسة اللغات والفلسفة وعلم الاجتماع والتخصصات الأخرى، ودافع عن كتابه (هذه الدراسات العليا) (This de Troisième Cycle) في علم الاجتماع في نانتير في عام 1966 بأطروحة حول نظام الأشياء (Le système des Objects)، وبدأ تدريس علم الاجتماع في تشرين الأول من ذلك العام.
في معارضة التدخل الفرنسي والأمريكي في الحروب الجزائرية والفيتنامية ربط بودريلار نفسه باليسار الفرنسي في الستينيات، وكانت نانتير موقعًا رئيسيًا للسياسة الراديكالية وبدأت (حركة 22 مارس) المرتبطة بدانييل كوهن بنديت والمغامرين في قسم علم الاجتماع في نانتير، وقال بودريلار لاحقًا إنّه شارك في أحداث أيار 1968 التي أسفرت عن انتفاضات طلابية ضخمة وإضراب عام كاد أن يطرد ديغول من السلطة.
أعمال بودريلارد الفلسفية:
خلال أواخر الستينيات نشر بودريار سلسلة من الكتب التي جعلت منه في نهاية المطاف مشهورًا عالميًا، وتأثر لوفيفر وبارث وسلسلة من المفكرين الفرنسيين، قام بودريار بعمل جاد في مجال النظرية الاجتماعية وعلم الأحياء والتحليل النفسي في الستينيات، ونشر كتابه الأول نظام الأشياء (The System of Objects) في عام 1968، تلاه كتاب عن المجتمع الاستهلاكي عام 1970 ومن أجل نقد الاقتصاد السياسي للعلامة عام 1972.
هذه المنشورات المبكرة هي محاولات في إطار علم الاجتماع النقدي للجمع بين دراسات الحياة اليومية التي بدأها ليفيفر، وكذلك مع علم الأحياء الاجتماعي الذي يدرس حياة العلامات في الحياة الاجتماعية، وهذا المشروع الذي تأثر به بارت يركز على نظام الأشياء في المجتمع الاستهلاكي (محور أول كتابين له)، والتفاعل بين الاقتصاد السياسي والسيميائية (نواة كتابه الثالث).
كان العمل المبكر لبودريار من أوائل علم الأحياء المناسب لتحليل كيفية ترميز الأشياء بنظام من الإشارات والمعاني التي تشكل وسائل الإعلام المعاصرة والمجتمعات الاستهلاكية، وبدمج الدراسات السيمولوجية والاقتصاد السياسي الماركسي وعلم اجتماع المجتمع الاستهلاكي، بدأ بودريلاد مهمته مدى الحياة لاستكشاف نظام الأشياء والعلامات التي تشكل حياتنا اليومية.
وصف بودريار المبكر المعاني المستثمرة في أشياء الحياة اليومية (على سبيل المثال القوة المتراكمة من خلال التعرف على سيارة المرء عند القيادة)، والنظام الهيكلي الذي من خلاله يتم تنظيم الأشياء في مجتمع حديث جديد (على سبيل المثال المكانة أو قيمة الإشارة سيارة رياضية جديدة).
وفي كتبه الثلاثة الأولى أكد بودريار أن النقد الماركسي الكلاسيكي للاقتصاد السياسي يحتاج إلى استكماله بالنظريات السيميائية للإشارة التي أوضحت المعاني المتنوعة التي تدل عليها الدلالات في اللغات المنظمة في أنظمة المعنى، وجادل بودريار متبعًا لبارت وآخرين بأنّ الموضة والرياضة ووسائل الإعلام وأنماط أخرى من الدلالة، أنتجت أنظمة من المعنى مفصَّلة بقواعد ورموز ومنطقات محددة (المصطلحات المستخدمة إلى حد ما بالتبادل من قبل بودريار).
بودريلار والماركسية:
من خلال وضع تحليله للعلامات واللغة والحياة اليومية في إطار تاريخي جادل بودريار بأنّ الانتقال من المرحلة المبكرة من رأسمالية السوق التنافسية إلى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية، يتطلب مزيدًا من الاهتمام بإدارة الطلب وزيادة الاستهلاك وتوجيهه، وفي هذه المرحلة التاريخية من حوالي عام 1920 إلى ستينيات القرن الماضي أدت الحاجة إلى تكثيف الطلب إلى زيادة القلق بخفض تكاليف الإنتاج وتوسيع الإنتاج.
في هذا العصر من التطور الرأسمالي والتركيز الاقتصادي وتقنيات الإنتاج الجديدة وتطوير التقنيات الجديدة والقدرة المتسارعة للإنتاج الضخم، والشركات الرأسمالية التي تركز اهتمامًا متزايدًا على إدارة الاستهلاك وخلق احتياجات لسلع مرموقة جديدة، وبالتالي إنتاج نظام ما أسماه بودريار قيمة الإشارة.
في تحليل بودريار أدى الإعلان والتعبئة والتغليف والعرض والأزياء والجنس المتحرر ووسائل الإعلام والثقافة وانتشار السلع إلى مضاعفة كمية الإشارات والنظارات وأنتجت انتشارًا لقيمة الإشارة، ومن الآن فصاعدًا يدّعي بودريار أنّ السلع لا يجب أن تتميز فقط بقيمة الاستخدام والقيمة التبادلية كما هو الحال في نظرية ماركس للسلعة، ولكن بقيمة الإشارة -التعبير عن الأسلوب والهيبة والرفاهية والسلطة وما إلى ذلك- وأصبح جزءًا مهمًا بشكل متزايد من السلعة والاستهلاك.
من هذا المنظور يدّعي بودريار أنّ السلع يتم شراؤها وعرضها بنفس القدر لقيمة الإشارة الخاصة بها مثل قيمتها الاستخدامية، وأنّ ظاهرة قيمة الإشارة أصبحت مكونًا أساسيًا للسلعة والاستهلاك في المجتمع الاستهلاكي، وقد تأثر هذا الموقف بمفهوم فيبلين عن (الاستهلاك الواضح) وعرض السلع التي تم تحليلها في نظريته عن فئة الترفيه، والتي جادل بها بودريار بأنّها أصبحت ممتدة لتشمل كل فرد في المجتمع الاستهلاكي.
بالنسبة إلى بودريار يتم تنظيم المجتمع بأكمله حول استهلاك وعرض السلع التي من خلالها يكتسب الأفراد المكانة والهوية والمكانة، وفي هذا النظام كلما كانت السلع المرموقة (المنازل والسيارات والملابس وما إلى ذلك) ارتفعت مكانة الفرد في عالم قيمة الإشارة، وهكذا مثلما تكتسب الكلمات معنى وفقًا لموقعها في نظام تفاضلي للغة، كذلك تأخذ قيم الإشارة معنى وفقًا لمكانها في نظام تفاضل للمكانة.
في كتابه جمعية المستهلك (The Consumer Society) يختتم بودريلار بتمجيد أشكال متعددة من الرفض للعادات الاجتماعية، والاستهلاك الواضح والفكر والسلوك المطابقين وكلها يمكن دمجها في ممارسة التغيير الجذري، حيث يلمح هنا إلى توقع ثوران عنيف وتفكك مفاجئ سيأتي بشكل غير متوقع وبالتأكيد في 68 أيار لتحطيم هذه الكتلة البيضاء (الاستهلاك).
من ناحية أخرى يصف بودريار أيضًا حالة يكون فيها الاغتراب شاملاً بحيث لا يمكن تجاوزه لأنّه بنية مجتمع السوق، وحجته هي أنّه في مجتمع يكون فيه كل شيء سلعة يمكن شراؤها وبيعها ويكون الاغتراب كليًا، وفي الواقع كان مصطلح (الاغتراب) يعني في الأصل (البيع)، وفي مجتمع سلعة بالكامل يكون الاغتراب في كل مكان، وعلاوة على ذلك يفترض بودريار نهاية التعالي وهي عبارة مستعارة من (Marcuse)، حيث لا يستطيع الأفراد إدراك احتياجاتهم الحقيقية أو طريقة أخرى للحياة.