عقوبات المنفعة لدى الفيلسوف ميل

اقرأ في هذا المقال


في الفصل الثالث من النفعية يعالج ميل مسألة العقوبة النهائية لمبدأ المنفعة، وهو يفهم هذا بالتناوب على أنّه سؤال حول دوافع طاعته ومصدر التزامه أو القوة الملزمة، ويدرك ميل وجود قلق محتمل بشأن عقوبات النفعية التي يبدو أنّ مصدرها هو الحكمة أو المصلحة الذاتية.

فلسفة ميل في المطالب النفعية:

“هو عميل يقول لنفسه أشعر أنني ملزم بعدم السرقة أو القتل أو الخيانة أو الخداع، ولكن لماذا أنا ملزم بتعزيز السعادة العامة؟ وإذا كانت سعادتي تكمن في شيء آخر فلماذا لا أعطي الأفضلية لذلك؟”

ولكن يبدو أنّ هذا القلق بشأن التضارب المحتمل بين مصالح الوكيل الخاصة والمطالب الأخلاقية النفعية ينشأ لأي مفهوم للأخلاق يعترف بالآخر فيما يتعلق بالمطالب الأخلاقية، ولهذا السبب يبدو أنّ ميل يعتقد أنّه لا يطرح مشكلة خاصة للنفعية.

هل ميل محق في عدم وجود خطر خاص على النفعية هنا؟ وقد يتساءل المرء عما إذا كانت النفعية تفرض على العملاء مطالب أكبر من النظريات الأخلاقية الأخرى، وقد جادل الكتاب المعاصرون بأنّ النفعية تبدو متطلبة للغاية وأكثر بكثير من الأخلاق المنطقية، فعلى سبيل المثال جادل النفعيون الإصلاحيون مثل بيتر سينجر (Peter Singer)، بأنّ النفعية تستلزم واجبات واسعة من المساعدة المتبادلة التي من شأنها أن تتطلب تغييرات كبيرة في أنماط حياة جميع أولئك الذين هم حتى ميسور الحال.

نقد مطالب النفعية:

لقد تعامل نقاد النفعية مع مطالبة النفعية باعتبارها واحدة من عيوبها الرئيسية، وجادل راولز (Rawls) بأنّ نوع التضحية الشخصية التي تتطلبها النفعية ينتهك توترات الالتزام في مجتمع منظم جيدًا، وقد جادل برنارد ويليامز (1973) بأنّ مطالبة النفعية تهدد نوع المشاريع الشخصية والعلاقات الجزئية التي تساعد في إعطاء معنى لحياتنا، والشكوى الشائعة هنا هي أنّ مطالب النفعية تهدد بالإساءة إلى متطلبات الواقعية النفسية، والتي بموجبها يجب أن تكون متطلبات النظرية الأخلاقية المقبولة تلك التي يمكن دمجها في خطة حياة معقولة ومرضية.

هذا القلق بشأن متطلبات النفعية ليس من السهل تقييمه، وقد يتساءل المرء كيف يفسر وما إذا كان سيقبل القيد النفسي الواقعي، وإذا كان القيد متعلقًا بعلم النفس الفعلي للناس فإنّه يمثل قيدًا محتملاً على التنظير الأخلاقي قد يرفضه المرء، وإذا كان القيد نسبيًا لعلم النفس الممكن أو المثالي فليس من الواضح أنّه حتى النظرية الأخلاقية شديدة المراجعة تحتاج إلى الاستهزاء بالقيد.

ثم هناك سؤال حول مدى المطالبة أو المراجعة في النفعية في الواقع، واعتقد ميل وسيدجويك أنّ معرفتنا بالآخرين وقوتنا السببية لفعل الخير تقتصر على أولئك القريبين والأحباء وغيرهم من المرتبطين الذين لدينا اتصال منتظم معهم، ونتيجة لذلك فإننا كأفراد نقوم بعمل أفضل بشكل عام من خلال تركيز طاقاتنا وأفعالنا على شركاء من نوع أو آخر، وليس العالم بأسره.

ووفقًا لوجهة النظر هذه يمكن أن تستوعب النفعية نوع الالتزامات الخاصة والاهتمامات الشخصية التي يلجأ إليها نقاد النفعية، ولكن يمكن القول إنّه حتى لو كان هذا النوع من التكيف النفعي قابلاً للاستمرار في بريطانيا القرن التاسع عشر، فإنّ التطور التكنولوجي والعولمة جعلت المطالب النفعية أكثر تنقيحًا، ومعلوماتنا عن الآخرين ومدى وصولنا السببي ليست محدودة كما كانت من قبل.

ونظرًا لارتفاع نسبة الفائدة إلى التكلفة للعديد من وكالات الإغاثة الحديثة فمن الصعب مقاومة شيء مثل استنتاجات سينجر حول المطالب الإصلاحية للنفعية، ولذا حتى لو كان ميل محقًا في الاعتقاد بأنّ المطالب التحفيزية للنفعية لم تكن مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالنظريات الأخلاقية الأخرى في الوقت الذي كتب فيه فقد يحتاج هذا الادعاء إلى إعادة تقييم اليوم.


شارك المقالة: