على الوعد يا كمون

اقرأ في هذا المقال


ما الأمثال إلا تعبير يأتي بشكل غير متصغ عن مواقف وأحداث تمر مع الأشخاص في حياتهم، وتصبح على مر العصور جزءًا لا يتجزأ من موروث الشعوب والمجتمعات، كما أنها تشكل إرثًا ثقافيًّا يعكس خبرات أصحاب العقول النيرة وفطنتهم، والأمثال والحكم تبقى متناقلة متوارثة عبر الأجيال، ومنها تُستقى العبر والعظات والدروس، وقد يستخدمها الناس كي يعبروا عن مواقف معينة مشابهة للمواقف الأصلية التي قيلت فيها، إلا أنها قد تختلف وتتغيّر بألفاظها، غير أن مضمونها واحد، وتراثنا الأدبي العربي زاخر ومليء بالحكم والأمثال.

قصة مثل على الوعد يا كمون:

” على الوعد يا كمون “، هو واحد من الأمثال العربية الشعبية الشائعة، والتي تُقال لأولئك الذين يخلفون وعودهم بشكل دائم، ولا يصدقون مع الآخرين أبدًا في أقوالهم، والكمون كما هو معروف عنه من النباتات التي لا تحتاج إلى الريّ كثيرًا، إذ كان المزارعون يتجاوزونه عند سقي المزروعات، ولا يهتمون به كثيرًا لقوة تحمله العطش، وهناك قصة خرافية تزعم أن الكمون احتج على عدم سقي الفلاحين له ذات مرة، وطلب إليهم مساواته مع باقي المزروعات، فكان الفلاحون في كل مرة يعدونه بالسقي، غير أنهم كانوا ينكثون وعدهم دائمًا، فذهب فعلهم مع الكمون وعدم وفائهم بالوعد مثلًا شاع على ألسنة العامة، وعنه يقول الشاعر: ” تجعلوني ككمون بمزرعة إن فاته السقي أغنته المواعيد”.

قصة أخرى لمثل: على الوعد يا كمون:

كما ورد فيما سبق أن مثل “على الوعد يا كمون “، يُطلق على من يخلف وعده باستمرار، ويقدم الوعود الكاذبة، وقد صار هذا المثل “على الوعد يا كمون” شائعًا في كثير من الدول العربية، كما أن له الكثير من المرادفات، مثل: “أواعدك بالوعد، وأسقيك يا كمون”، وللمثل قصة أخرى، أحداث القصة تدور حول رجل حكيم و أحد طلابه الذي يُدعى كمون، والقصة بدأت بأن تحدى أحدهم الآخر بأن يصنع سمًّا زعافًا؛ كي يعرفا من منهما الأكثر براعة، ولهذا اقترحا أن يجرب أحدهما السمّ على الآخر.
أسرع الطالب المثابر وصنع السم أولًا، وقام بإعطائه لمعلمه الرجل الحكيم وانتظر نتيجة شرب معلمه للسم، غير أن المعلم تمكن من أن يعالج نفسه بالحجامة، “أي أنه قام بتجريح جسده ليخرج الدم مع السم”، كما أنه قام بطلاء جسمه بالعسل لتتجمع عليه الحشرات، وتقوم بامتصاص الدم و تنقيته من السم، تفاجأ كمون حين رأى المعلم الحكيم حيًّا لم يمت، وبدأ يفكر بأن عليه أن ينفذ جزاه من الاتفاق، أي يقوم بشرب السم الذي سيصنعه الرجل الحكيم.
قام كمون بالذهاب إلى المعلم الحكيم، و سأله متى ستسقيني السم، حينها أجابه المعلم الحكيم بكل برود، وقال: “سأسقيك أسقيك يا كمون”، وتنقضي الأيام والأسابيع، والحكيم معتكف في بيته ملازم له، بينما كمون جالس على جمر الانتظار ويزداد قلقًا، وبقي يتساءل ما الذي يصنعه الحكيم؟ وأي سمّ هذا الذي استهلك كل تلك المدة، ويسرع إلى الحكيم متى الوعد يا حكيم؛ فيجيبه هذا بكل هدوء:”سأسقيك أسقيك يا كمون”، جُن جنون كمون يريد أن يعرف ماذا يُعد له، تمر الأيام ويتضاعف هلع كمون؛ فيموت من القلق و الخوف، وحتى قبل أن يشرب أي سم، فكان القلق والخوف السم الذي قتله.
إن الأوقات الكثيرة التي مرت بكمّون وهو يترقب، حتى بلغت روحه وخرجت من الخوف والرعب وعدم تصوّر الخلطة السامة، بل وأين ستكون الضربة، جعلته يموت ويقضي من الهم والنكد، ومنذ ذلك الوقت صار قول الحكيم وطالبه كمون مثلًا على الوعد الكاذب الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الجزع‏ والخوف والهلاك.

مغزى آخر غير شائع لمثل: على الوعد يا كمون:

يرى البعض أنه من المحتمل أن كلمة “الوعد” في المثل تعني التهديد والوعيد، إلا أن هذا ليس مؤكدًا تمامًا؛ ذلك أن الجذر “وعد” يعطي المعنيين، الوعد بالشر والوعد بالخير: “كلام العرب وعدتُ الرجل خيرًا ووعدته شرًّا، وأوعدته خيرً وأوعدته شرًّا، فإذا لم يذكروا الشر قالوا: وعدته ولم يدخلوا الألف، وإذا لم يذكروا الشر قالوا: أَوعدته ولم يسقطوا الأَلف؛ وأَنشد العامر بن الطفيل: وإنّي، إن أَوعدته، أَو وعدته لأخلف إيعادي وأنجز موعدي، وإذا أدخلوا الباء لم يكن إلا في الشر، كالقول: أوعدته بالضرب، انطلاقًا من هذا الاحتمال.
ربما يكون وعد الكمون في المثل وعيدًا له وتهديدًا بالضرب بالعصا إن لم يقدم ما هو مطلوب منه، كما ورد في بعض الكتب، وكذلك في صيغة المثل المغربية، بهذا فالوعد في المثل “على الوعد يا كمون” وعيد وليس وعدًا، أي أنه تهديد للكمون بالضرب إذا لم يعط ما عنده.


شارك المقالة: