اقرأ في هذا المقال
لقد رأى الفيلسوف فرانسيس هربرت برادلي وحدة أحادية في نظرته للعالم ومتجاوزة الفروق بين الفلسفة والميتافيزيقا والأخلاق، ولقد دمجت نظرته الخاصة كثيرًا بين الأحادية والمثالية المطلقة، وعلى الرغم من أنّ برادلي لم يفكر في نفسه على أنّه فيلسوف هيجلي إلّا أنّ أسلوب جورج فيلهلم فريدريش هيجل الديالكتيكي ألهم علامته التجارية الفريدة الخاصة بالفلسفة واحتوت على عناصر من ذلك.
فلسفة برادلي في المبادئ المنطقية:
يفحص الفصل الخامس المبادئ المنطقية، حيث يرفض برادلي قانون الهوية باعتباره حشوًا فارغًا، ويتطلب الحكم هوية الاختلافات وهو الأمر الغير المنصوص عليها في (A هو A) وهذا يعني أنّ الاتهام (من قبل برتراند راسل) بالخلط بين (هو) للتنبؤ و(هو) للهوية لا يمكن أن يكون عادلاً حيث أنّ تحديد برادلي هو جوهر الحكم، بينما من خلال (هو) الهوية الصارمة لا تصدر حكما على الإطلاق.
الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في قسم (مبدأ التناقض) هو مناقشة الديالكتيك (الهيغلي)، والحل البسيط لبرادلي هو أنّه إذا كانت الأفكار المجمعة في التوليف مختلفة فقط فلا توجد مشكلة، وإنّ أفكار الذات والأخرى هي أفكار مختلفة ولكن لا أحد سيقول إنّه من التناقض تأكيد وجود الذات والأشياء الأخرى أيضًا.
يأتي التحدي لمبدأ التناقض فقط إذا تم اعتبار الأفكار المختلفة مجتمعة متناقضة أو متعاكسة لأنّ عكس اقتراح معين يستلزم تناقضه، ويقدم برادلي حلاً وسطًا يتم بموجبه التوفيق بين الأفكار التي تبدو متعارضة عند تنسيقها ضمن واقع أوسع، فعلى سبيل المثال يمكن تخصيص خصائص معاكسة لنفس الشيء في أوقات مختلفة.
يأخذ قانون الوسط المستبعد شكل الحكم المنفصل ويمكن التعبير عنه اليوم كـ (إما p أو لا p)، ومع ذلك لدى برادلي شكل مختلف للانفصال بحيث تكون نسخته من المبدأ: (A إما B أو لا B) لا يكون (A) دائمًا شيئًا معينًا حقيقيًا، ولكنه في بعض الأحيان حقيقة على هذا النحو، وفي الواقع إذا حصل برادلي على ما يريد فسيظل الموضوع النهائي هو الواقع دائمًا، ويستخدم الوسط المستبعد مجموعة متنوعة من الانفصال حيث يكون عدد المفصلات اثنين بالضبط، وعندما يتم إنشاء الفصل الثاني باعتباره نفيًا للأول فلا يمكن أن يكون هناك خيار آخر.
فلسفة برادلي في التمديد والقصد:
يتناول برادلي بعد ذلك التمييز المألوف بين القصد والتمديد في الفصل الخاص بكمية الحكم، وموضحًا أنّه: “في كل رمز نفصل ما يعنيه عن ما يمثله”، ووصفه للمعالجة الموسعة للأحكام العالمية مثل جملة (الكلابثدييات) مخيب للآمال لأنّه فشل في تسجيل أنّ المجموعة هي نوع خاص من الكيان مما يشير إلى أنّ مجموعة الكلاب يجب أن تكون مجموعة من الكلاب، وإلّا فإنّ البديل الوحيد هو الفكرة السخيفة المتمثلة في مجموعة من صور الكلاب في العقل!
ومع وجود فكرة صحيحة عن الوضع يمكن اعتبار (الكلاب ثدييات) لتأكيد العلاقة بين مجموعتين تمامًا كما تؤكد العديد من الأحكام الأخرى وجود علاقة بين شيئين، والأحكام التي تأسست على القصد تشير إلى ربط الصفات والمعاني وتتجاهل دلالة الأشياء، فالأحكام العامة القائمة على المعاني هي تلك التي يعتبرها كانط عالمية تمامًا لأنّها لا تسمح حتى بإمكانية الاستثناءات، وليست كل الأحكام العامة من هذا النوع والأحكام الفردية ليست كذلك أبدًا.
إنّ مفهومنا لما هو حقيقي المشار إليه في حكم فردي هو مفهوم الفرد وهو مفهوم خاص، ويستبعد جميع الأفراد الآخرين ومفهوم عالمي باعتباره يوحد الخصائص المختلفة ويشكل هوية في الاختلاف، فالفرد الحقيقي هو كوني ملموس، بمعنى المسلمات المجردة التي يمكن فصلها عن الفرد في الفكر وتطبيقها في مكان آخر فلا يمكن أن تكون حقيقية.
بطريقة مماثلة ما هو فرد حقًا هو خاص ملموس، حيث التفاصيل المجردة التي لا تزيد عن تمييزها عن التفاصيل الأخرى هي أيضًا غير واقعية بحيث: “يجب أن يكون للواقع في الفضاء تنوع مكاني داخلي لنفسه”، وتختلف النقطة في الفضاء عن جميع النقاط الأخرى ولكنها مجرد تجريد، ولحظة من الزمن هي أيضًا فكرة مجردة، ويجب أن يكون للفرد الملموس الموجود في الوقت المناسب بعض المدة.
فلسفة برادلي في مفهوم الشكل والنمط:
يرفض برادلي وجهة النظر القائلة بأنّ الاختلافات الشكلية لا تؤثر على المحتوى الفعلي للأحكام المعنية باعتبارها خاطئة، بالتأكيد يمكنك اتخاذ أي حكم و التعبير عن أي موقف في ذهن المرء تجاهه، وهذه المواقف الافتتاحية عديدة ومتنوعة، فقد يقول المرء: “أريد أن أفعلها” أو “أخشى أن أفعلها” أو “أنا مجبر على فعلها”، فكل هذه عبارات تأكيدية بسيطة حول حالة المرء الذهنية.
ومع ذلك فإنّ البيانات حول الإمكانية والضرورة لا تعبر عن حالة المرء الذهنية، حيث إنّها تأكيدات تدعي الحقيقة الموضوعية، ومن الواضح أنّه لا يمكن أن يكون هناك سوى نوع واحد من الحكم وهو الحكم التأكيدي، بحيث لا تؤثر الطريقة على التأكيد ولكن ما تم تأكيده، ويتماشى هذا مع منطق مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica)، حيث يتم كل شيء تحت رعاية علامة التأكيد، وفي هذا النظام لا توجد حتى علامة نفي مقابلة بل مجرد إشارة لنفي اقتراح، وهذا أكثر تطرفًا من برادلي الذي يسمح بوظيفة النفي المميزة.
وبالتالي فإنّ أحكام الضرورة والإمكانية لها محتوى خاص لا يمكن العثور عليه في الحكم التأكيدي المقابل، وبالنسبة لبرادلي من الممكن والضروري أنهما هما شكلا خاصا للافتراض، والضرورة تكمن في ارتباط ضروري بين سابق وما يترتب على حكم افتراضي.
إنّ القول بأنّ حقيقة ما ضرورية لا يعني رفعها إلى مرتبة أعلى ولكن مجرد القول بأنّها نتيجة ضرورية لحالة أخرى تؤخذ على أنّها حقيقة، وأنّه يجب أن يعتمد الاتصال الذي يستلزم السابق من خلاله ما يترتب على ذلك على أساس قاطع، ويتضمن هذا الحالات التي نؤكد فيها على وجود اتصال ضروري بسبب تعاقب الأحداث بشكل منتظم، ولا يعني أنّ هذا الأساس يجب أن يكون علاقة سببية ضرورية، فالعلاقة الحقيقية التي تبدو النظير للتسلسل المنطقي ليست ضرورية في حد ذاتها.
يربط برادلي أيضًا الممكن بالافتراض إنّ القول بأنّ شيئًا ما ممكن هو القول بأنّ بعض شروطه مستوفاة باستثناء تلك المحددة في سابقة البيان الافتراضي المصاحب ففي جملة: “من الممكن رؤية كسوف للقمر الليلة” يعني “إذا استيقظت مبكرًا بما فيه الكفاية وتعاون الطقس فسترى خسوفًا للقمر”، ولتأكيد إمكانية أو قوة أو نزعة هو الالتزام بحكم افتراضي ينص على أنّه إذا تم استيفاء شروط أخرى معينة فسوف تتحقق حالة معينة بالضرورة.
يواجه برادلي مشكلة في الأسلوب بسبب رؤيته الميتافيزيقية لواقع بارمينيدين (Parmenidean) المطلق، حيث تظهر الفروق الشكلية في الحياة مع مفهوم المستقبل المفتوح، كما أنّه لا يمكن تجنب بعض الأشياء والبعض الآخر الاحتمالات التي قد نختار من بينها، وما هو حقيقي في الوقت الحاضر لا يمكن أن يقال بشكل صحيح أنّه ممكن أو ضروري (برادلي على حق!)، ورغم أنّ بعض الأشياء التي حدثت كانت ضرورية وبعضها الآخر لم يكن كذلك، وبدون هذا النوع من الخلفية لن يكون المخطط المفاهيمي الذي يناقشه برادلي موجودًا.