فلسفة جرين في التجارة الحرة

يبدأ الفيلسوف توماس هيل جرين مناقشته للتجارة الحرة في محاضرات مبادئ الالتزام السياسي بالقول إنّها تنتج إعادة توزيع للموارد من حيث تكون الأقل استخدامًا إلى حيث تكون الأكثر استخدامًا، وافترض جرين تساوي على نطاق واسع بين الاستخدام والحاجة الشخصية حسب حكم الفرد المعين، وبهذه الطريقة فإنّ أنشطة المصلحة الذاتية لرجال الأعمال تخدم أيضًا الصالح الاجتماعي.

مفهوم المساواة والتجارة الحرة في فلسفة جرين:

لقد قبل جرين فكرة أنّ الملكية يجب أن تكون خاصة وموزعة بشكل غير متساو واعتقد أن تشغيل السوق الحرة هو أفضل طريقة لإفادة المجتمع بأسره، وذلك لأنّه كان يعتقد أنّ التجارة الحرة ستقلل من عدم المساواة في الثروة في الرخاء المشترك لكن جرين كان سيوسع سلطة الدولة على التعليم والصحة والإسكان وتخطيط المدن وتخفيف البطالة، ويعد ذلك انطلاقة جديدة في الفكر الليبرالي، وهذه التوصيات جزء لا يتجزأ من البناء الفكري الأكثر تفصيلاً وتماسكًا الذي قام به أي فيلسوف سياسي بريطاني حديث وقد أرست الأساس لدولة الرفاهية البريطانية.

ومع ذلك هذا تبسيط لا يصدق لما يحدث بالفعل في السوق، ولكي يكون تأكيد جرين صالحًا يجب أن يفترض أنّ كل فرد لديه نفس القوة الشرائية، وبهذه الطريقة فقط سيمثل كل نقدًا يتم إنفاقه نفس مستوى الحاجة، وتكمن المشكلة في أنّه بالنظر إلى عدم المساواة في الثروة في الاقتصاد (الذي يراه جرين أمرًا حتميًا ومفيدًا في كثير من الأحيان في ظل الرأسمالية)، فإنّ قيمة كل نقد مدفوع لا تمثل نفس مستوى الحاجة بغض النظر عمن ينفقها.

على سبيل المثال فإنّ مائة من النقود إضافية تساوي أكثر بكثير للرجل الفقير منها للرجل الغني، وبالتالي فإنّ توزيع البضائع داخل السوق الرأسمالية يهتم أكثر بكثير بالطلب من كتل الثروة بدلاً من الحاجة الحقيقية، وإنّ التفاوتات في الثروة التي تنشأ في الرأسمالية أكبر من أن تؤخذ حجته الحالية على محمل الجد.

دور التجارة الحرة في تكوين الرأسمالية لدى جرين:

كما أنّه يجادل بأنّه لا يوجد عائق رسمي يمنع العمال من إنشاء جمعياتهم التعاونية الخاصة لاستثمار المدخرات، وبالتالي في إنجلترا يصبح النوع الأفضل من العمال رأسماليين، وهذا أمر جيد لأنّه لكي يصبح العامل رأسماليًا ناجحًا يجب أن يتعلم التخطيط لأفعاله وتنفيذها بشكل متماسك، وهذا يتطلب التفكير العقلاني والانضباط الذاتي، ويعترف جرين بأنّه من الناحية العملية قد تكون هناك عوائق أمام هذا التطور لكنه يقول أنّ هذه هي نتيجة ممارسات غير رأسمالية، وعلى سبيل المثال الفقراء فقراء ومتهورون لدرجة أنّهم غالبًا لا يستطيعون تكوين مثل هذه المجتمعات.

آخر تبرير لجرين للرأسمالية هو أقوى تبريراته، حيث يجادل جرين بأنّه يجب أن نتذكر أنّ الثروة المتزايدة لرجل لا تعني بطبيعة الحال تناقص ثروة شخص آخر، كما أنّ الرأسمالية تفيد الجميع على المدى الطويل، حتى الفقراء يصبحون أفضل حالًا لأنّ الثروة التي يمتلكها الأغنياء تُستخدم بطريقة ترفع مستوى معيشة كل فرد في المجتمع، وكان الارتفاع الملحوظ في مستوى معيشة الطبقات العاملة البريطانية منذ الثورة الصناعية نتيجة للتجارة الحرة والتشريعات الحكومية لحماية العمال من الاستغلال، وهذا هو أقوى تبرير لجرين عن الملكية الخاصة.

علاقة التجارة الحرة بفلسفة جرين بمفهوم الوعي الأبدي:

ولقد ثبت أنّ نظرية جرين للملكية – أو على الأقل تحاول أن تكون قائمة بشكل مباشر على غائيته، وهكذا يجادل بأنّ نظام الملكية الخاصة هو أفضل ترتيب لتعزيز الوعي الأبدي في المجتمع ككل، وحيثما يتعارض مع هذه الغاية تكون الملكية الخاصة غير مشروعة، وهذا يخلق تناقضا مع الملكية الخاصة للأرض ودعوته لفرض الضرائب على التركات أو الميراث.

في حين أنّ حججه من أجل التجارة الحرة مثيرة للاهتمام إلّا أنّها غالبًا ما تكون محدودة بسبب بساطته الاقتصادية، على سبيل المثال فهو يقلل من قدرة الأغنياء على استبعاد الفقراء من النجاح الاقتصادي، ومع وضع هذا في الاعتبار يجب على المرء أن يتساءل عن مدى اتساق ارتباطه بالملكية الخاصة، فعلى الرغم من أنّه يجادل كما كتب نيكولسون بأنّ “الملكية الخاصة ضرورية للأخلاق لأنّها ضرورية للإرادة وهو أمر ضروري للأخلاق” فلا ينبغي لأحد أن ينسى الطبيعة التطورية للإرادة.

وقد تكون الملكية الجماعية غير متوفرة كمورد حالي كما يصفها ميل لمجرد أنّ الإرادة البشرية لم تتطور بما يكفي، وقد تكون حقوق الملكية قد انتقلت من الأسرة إلى الفرد لكن هذا لا يعني أنّه لا يمكنهم الانتقال إلى النوع، بينما في الواقع يبدو أنّ هذا هو الاستنتاج المنطقي لحجة جرين بأنّ الفرد يجب أن يدرك أنّ هدفه المشترك حقًا هو العيش كأعضاء في الجنس البشري، على الرغم من ذلك فإنّ مناقشات جرين للملكية تستند دائمًا إلى تقييمه لما إذا كانت ممارسة معينة أو حق ملكية يخدم تطور الوعي الأبدي بشكل عام، وبهذه الطريقة حجته متسقة.