قصة قصيدة مصائب الدهر كفي إن لم تكفي فعفي
أمّا عن مناسبة قصيدة “مصائب الدهر كفي إن لم تكفي فعفي” فيروى بأنه كان هنالك رجل يعمل كصائغ، وكان هذا الرجل غنيًا، ولكنه في يوم افتقر من بعد غناه، وبعد أن بقي على هذه الحال مدة من الزمن، قرر الانتقال إلى بلد آخر لعله يجد فيه رزقًا، فانتقل إلى بلد آخر، وعندما وصل إلى هذا البلد، نزل إلى السوق، وسأل عن محال الصاغة، فوجد أن هنالك دكان واحد، وهو مملوك من قبل رجل من كبار الدولة، ويعمل لديه عدد كبير من الصناع، فتوصل هذا الرجل إلى أن بقي واحد من الصناع في تلك الدكان، على أن يكون أجره في اليوم درهمين من الفضة، على الرغم من أن أجرة عمله عشرة دراهم من الفضة.
وفي يوم من الأيام طلب الملك صاحب الدكان، وأعطاه سوار من ذهب، كان قد عمل في بلد آخر، وكان هذا السوار في يد واحدة من جواريه، فانكسرت، وأمره الملك بأن يلحمها له، فأخذها صاحب الدكان، وعرضها على الصناع الذين يعملون عنده، فلم يستطع أحد منهم أن يصلحها، وكان من بين الصائغ الذي انتقل إلى هذا البلد، ولكنه قال له أيضًا بأنه لا يستطيع أن يصلحها.
وبعد مدة وصاحب الدكان حائر في أمر ذلك السوار، قال الرجل في نفسه بأن وقت المروءة قد حان، وبأن عليه أن يصلحه، على الرغم من بخل صاحب الدكان معه، فتوجه إلى طاولة صاحب الدكان، وأخذ السوار من الدرج، ومن ثم بدأ يصلح به، حتى عاذ أفضل مما كان عليه، ومن ثم عرضها على صاحب الدكان، ففرح بها فرحًا شديدًا، ومضى بها إلى الملك، وادعى بأنه هو من أصلحها، فأكرمه الملك خير إكرام على ما فعل، وعاد إلى الدكان، وفي آخر النهار أعطى الرجل درهمين كما اعتاد، من دون أن يزيده أي شيء.
وبعد مدة طلب الملك صاحب الدكان، وطلب منه أن يعمل له سوار على صورة السوار الأول، فعاد إلى دكانه، وطلب من الرجل أن يصنعه، فصنعه، ولكن صاحب الدكان لم يكافئه على ما فعل، وبقي الرجل على هذه الحال مدة من الزمان، لا يكافئ على صنعته، حتى قرر في يوم من أن ينقش بيتين من الشعر داخل أحد الأساور التي صنعها للملك، فنقش في واحدة من الأساور:
مصائب الدهر كفي إن لم تكفي فعفي
خرجت أطلب رزقي وجدت رزقي تُوفي
فلا برزقي أحظى ولا بصنعة كفي
كم جاهل في الثريا وعالم متخفي
ومن ثم أعطى السوار لصاحب الدكان، ولم ينتبه صاحب الدكان للنقش، وبعث بهما إلى الملك، وعندما رأى الملك ذلك السوار، لاحظ الأبيات المنقوشة، فعلم أن صاحب الدكان يكذب، وغضب منه غضبًا شديدًا، وسأله قائلًا: من الذي صنع هذا السوار، فقال له: أنا يا مولاي، فقال له الملك: وماذا عن الأبيات المنقوشة عليها؟، فقال له: لا يوجد عليها نقش يا مولاي، فقال له: إنك تكذب، وأراه تلك الأبيات، وأمره أن يصدقه القول، فأخبره بخبر الصائغ الذي عنده، فطلبه الملك، وكافأه عن كل ما صنع له، وجعله مقدمًا عنده.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة الحزن على المصائب التي أصابته، وعلى رزقه الذي لا يستطيع الحصول عليه.