مفهوم الملكية في الفلسفة السياسية لدى جون لوك

اقرأ في هذا المقال



حقوق الملكية في الفلسفة السياسية تستحق اهتمامًا أكبر مما تم إعطاؤه لها مؤخرًا لأنّ شرعية الدولة تعتمد على تعريفها وتطبيقها وبهذه الطريقة تختلف حقوق الملكية عن الحق في الحرية أو المساواة، وقد يكون لدولة ما الحرية أو المساواة وقد لا تتمتع بها ولكن ليس لها معنى على الإطلاق إذا لم تفرض حقوق الملكية.

مفهوم فلسفة السياسة:

بالنسبة للعلماء فإن طبيعة موضوع الفلسفة السياسية هي نظرية وفلسفية وليست عملية، في هذا الموضوع ندرس بشكل أساسي الحقائق الأساسية المتعلقة بالمؤسسات السياسية وليس أنشطتها، كما ندرس أصول الدول من حيث تطورها وطبيعتها وهدفها وحقوق الإنسان والواجب والمعتقدات السياسية بحيث يكون الأساس الرئيسي للدراسات المتعلقة بالدولة هو هذه المبادئ.

مفهوم الملكية في الفلسفة السياسية:

الملكية مصطلح عام للقواعد التي تحكم الوصول إلى الأراضي والموارد المادية الأخرى والتحكم فيها، وهناك قضايا فلسفية مثيرة للاهتمام حول تبرير الملكية، وتركز المناقشات الفلسفية الحديثة في الغالب على قضية تبرير حقوق الملكية الخاصة (على عكس الملكية العامة أو الجماعية).

يشير مصطلح “الملكية الخاصة ” إلى نوع من النظام الذي يخصص أشياء معينة مثل قطع الأرض لأفراد معينين لاستخدامها وإدارتها كما يحلو لهم مع استبعاد الآخرين (حتى الآخرين الذين لديهم حاجة أكبر للموارد)، وأيضًا إلى الاستبعاد لأي رقابة مفصلة من قبل المجتمع، على الرغم من أنّ هذه الاستثناءات تجعل فكرة الملكية الخاصة تبدو إشكالية، فقد جادل الفلاسفة في كثير من الأحيان بأنّها ضرورية للتطور الأخلاقي للفرد أو لخلق بيئة اجتماعية يمكن للناس فيها الازدهار كوكلاء أحرار ومسؤولين.

فلسفة لوك في مفهوم الملكية:

وُلِد جون لوك في الوقت الذي كانت فيه إنجلترا تنتفض ضد الملكية وكانت حقوق الناس العاديين تُراجع لتصور إمكانيات تقاسم السلطة مع الحاكم، وقد انعكس هذا بشكل كبير في نظريته السياسية التي لا يمكن قطع كل العلاقات مع هذا الاقتصاد وخاصة آرائه فيما يتعلق بملكية العقارات، من خلال تفكيره الليبرالي نظر جون لوك إلى وجهات النظر العادية لحقوق الملكية لا سيما فيما يتعلق بالأرض باعتبارها الاستحقاق الأساسي خارج النظام السائد.

ويُعتقد عمومًا أنّ معاملة لوك للممتلكات من بين أهم مساهماته في الفكر السياسي ولكنها أيضًا أحد جوانب فكره التي تعرضت لانتقادات شديدة، وهناك مناقشات مهمة حول ما كان لوك بالضبط يحاول تحقيقه بنظريته.

رأي المفكر ماكفيرسون لمفهوم الملكية لدى لوك:

هو أحد التفسيرات الذي قدمه سي بي ماكفيرسون (1962) يرى أنّ لوك مدافع عن التراكم الرأسمالي غير المقيد.

القيود لتراكم الممتلكات في حالة الطبيعة:

وفقًا لتفسير ماكفيرسون يُعتقد أنّ لوك قد وضع ثلاثة قيود على تراكم الممتلكات في حالة الطبيعة كما يلي:

  1. يجوز للمرء أن يناسب فقط بقدر ما يمكن للمرء استخدامه قبل أن يفسد.
  2. يجب ترك المطلب “الكافي والجيد” للآخرين (قيد الاكتفاء).
  3. لا يجوز أن يلائم المرء إلا الملكية من خلال عمل الفرد.

يدعي ماكفيرسون أنّه مع تقدم الحجة يتم تجاوز كل من هذه القيود ويتوقف تقييد التلف من أن يكون قيدًا ذا مغزى مع اختراع النقود لأنّه يمكن تخزين القيمة في وسط لا يتحلل، وتم تجاوز قيود الاكتفاء لأنّ إنشاء الملكية الخاصة يزيد الإنتاجية لدرجة أنّه حتى أولئك الذين لم تعد لديهم الفرصة لامتلاك الأرض سيكون لديهم فرصة أكبر للحصول على ما هو ضروري للحياة.

ووفقًا لوجهة نظر ماكفرسون فإنّ المطلب “الكافي والجيد” هو في حد ذاته مجرد مشتق من مبدأ سابق يضمن الفرصة لاكتساب ضرورات الحياة من خلال العمل، ويجادل ماكفيرسون بأنّ القيد الثالث لم يكن حصرًا من قبل لوك على الإطلاق، على الرغم من أنّ لوك يبدو أنّه يقترح أنّه لا يمكن للمرء أن يمتلك ممتلكات إلّا في ما عمل عليه شخصيًا عندما يجعل العمل مصدر حقوق الملكية وفقد أدرك لوك بوضوح أنّه حتى في حالة الطبيعة “العشب الذي قطعه خادمي” يمكن أن تصبح ملكي، وهكذا أدرك لوك بوضوح بحسب ماكفيرسون أنّ العمل يمكن أن ينفر كما قد يتخيل المرء.

معارضة ماكفيرسون لفلسفة جون لوك:

وينتقد ماكفيرسون “الفردانية الملكية” التي تمثلها نظرية لوك للملكية، ويجادل بأنّ تماسكها يعتمد على افتراض العقلانية التفاضلية بين الرأسماليين والعمال المأجورين وعلى تقسيم المجتمع إلى طبقات متميزة، ونظرًا لأنّ لوك كان ملزمًا بهذه القيود يجب أن نفهمه على أنّه يشمل فقط أصحاب العقارات كأعضاء مصوتين في المجتمع.

تم انتقاد فهم ماكفيرسون للوك من عدة اتجاهات مختلفة وجادل آلان رايان (1965) أنّه بما أنّ الملكية بالنسبة للوك تشمل الحياة والحرية بالإضافة إلى التركة حتى أولئك الذين ليس لديهم أرض يمكن أن يظلوا أعضاء في المجتمع السياسي، وسيتحول الخلاف بين الاثنين بعد ذلك إلى ما إذا كان لوك يستخدم “الملكية” بالمعنى الأكثر شمولية في بعض المقاطع الحاسمة.

رأي المفكر جيمس تولي لمفهوم الملكية لدى لوك:

هاجم جيمس تولي (1980) تفسير ماكفيرسون بالإشارة إلى أنّ الرسالة الأولى تتضمن على وجه التحديد واجب الإحسان تجاه أولئك الذين ليس لديهم وسائل أخرى للعيش، في حين أنّ هذا الواجب يتوافق مع مطالبة الفقراء بالعمل بأجور منخفضة فإنّه يقوض الادعاء بأنّ أولئك الذين لديهم ثروة ليس لديهم واجبات اجتماعية تجاه الآخرين.

جادل تولي أيضًا بإعادة تفسير جوهرية لنظرية لوك وركزت الحسابات السابقة على الادعاء بأنّه بما أنّ الأشخاص يمتلكون عملهم الخاص فعندما يخلطون عملهم بما هو غير مملوك يصبح ملكهم، وانتقد روبرت نوزيك (1974) هذه الحجة بمثاله الشهيرعن خلط عصير الطماطم الذي يمتلكه المرء بحق مع البحر، فعندما نخلط بين ما نملكه وما لا نملكه فلماذا نعتقد أنّنا نكتسب الملكية بدلاً من أن نخسرها؟ على حساب تولي التركيز على استعارة الاختلاط يخطئ تركيز لوك على ما يسميه “نموذج الصنعة”.

رأي المفكر والدرون لمفهوم الملكية لدى لوك:

يعتقد لوك أنّ الصانعين لديهم حقوق ملكية فيما يتعلق بما يصنعونه، تمامًا كما أنّ لله حقوق ملكية فيما يتعلق بالبشر لأنّه خالقهم، ولقد خُلق البشر على صورة الله ويشتركون مع الله وإن كان بدرجة أقل بكثير في القدرة على تشكيل وصياغة البيئة المادية وفقًا لنمط أو خطة عقلانية، وانتقد والدرون (1988) هذا التفسير على أساس أنّه سيجعل حقوق صانعي البشر مطلقة بنفس الطريقة التي يكون فيها حق الله على خليقته مطلقًا.

دافع سرينيفاسان (1995) عن حجة تولي ضد رد والدرون من خلال الادعاء بالتمييز بين الإبداع والتكوين، والخلق هو وحده الذي يولد حق الملكية المطلق والله وحده هو من يستطيع أن يخلق، لكن الصنع يماثل الخلق ويخلق حقًا مشابهًا إن كان أضعف.

جانب آخر مثير للجدل في تفسير تولي للوك هو تفسيره لشرط الكفاية وآثاره، وفي تحليله تعتبر حجة الاكتفاء أمرًا حاسمًا، وحتى تكون حجة لوك معقولة منذ أن بدأ لوك بافتراض أنّ العالم مملوك للجميع فإنّ الملكية الفردية تكون مبررة فقط إذا أمكن إثبات أنّ لا أحد قد أصبح أسوأ حالًا بسبب الاستيلاء.

في الظروف التي لا تكون فيها السلعة التي يتم الحصول عليها نادرة حيث يتوفر الكثير من المياه أو الأرض فإنّ أخذ الفرد لجزء منها لا يضر بالآخرين، وفي حالة عدم استيفاء هذا الشرط فإنّ أولئك الذين حُرموا من الوصول إلى السلعة لديهم اعتراض مشروع على التملك، ووفقًا لتولي أدرك لوك أنّه بمجرد أن أصبحت الأرض شحيحة فإنّ الحقوق السابقة التي حصل عليها العمال لم تعد مملوكة لأنّ “بما يكفي وجيد” لم يعد متاحًا للآخرين، وبمجرد أن تصبح الأرض شحيحة لا يمكن إضفاء الشرعية على الملكية إلّا من خلال إنشاء مجتمع سياسي.

يدعي والدرون (1988) أنّه على عكس ماكفيرسون (1962) وتولي (1980) وآخرين فإنّ لوك لم يتعرف على حالة الاكتفاء على الإطلاق، ويشير إلى أنّ لوك بالمعنى الدقيق للكلمة يجعل الاكتفاء شرطًا كافيًا وليس شرطًا ضروريًا عندما يقول أنّ العمل يولد سند ملكية “على الأقل عندما يكون هناك ما يكفي وبقوة مشتركة للآخرين”.

ويعتبر والدرون أنّ لوك يقدم بيانًا وصفيًا وليس بيانًا معياريًا حول الظروف التي كانت موجودة في البداية، ويجادل والدرون أيضًا أنّه في النص لم يتم تقديم “كافٍ وجيد” على أنّه قيد ولا يتم تجميعه مع قيود أخرى، ويعتقد والدرون أنّ هذه الحالة ستقود لوك إلى استنتاج سخيف أنّه في ظروف الندرة يجب أن يموت كل شخص جوعا لأنّه لن يتمكن أي شخص من الحصول على موافقة عالمية وأي استيلاء سيجعل الآخرين أسوأ حالًا.

رأي المفكر سرينيفاسان لمفهوم الملكية لدى لوك:

أحد أقوى الدفاعات لموقف تولي قدمه سرينيفاسان (1995)، ويجادل بأنّ استخدام لوك المتكرر لـ “بما فيه الكفاية وجيد” يشير إلى أنّ العبارة تقوم ببعض العمل الحقيقي في الحجة على وجه الخصوص هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يُعتقد أنّ لوك قدم بها بعض الحلول لحقيقة أنّ موافقة الجميع ضرورية لتبرير الاستيلاء في حالة الطبيعة، إذا لم يتعرض الآخرون للأذى فليس لديهم أسباب للاعتراض ويمكن التفكير في موافقتهم بينما إذا تعرضوا للأذى فمن غير المعقول اعتبارهم موافقة.

سرينيفاسان لا يبتعد عن تولي في بعض النواحي المهمة وإنّه يأخذ عبارة “بما فيه الكفاية وجيدة” لتعني “فرصة كافية وجيدة لتأمين الحفاظ على المرء” وليس “كافٍ وجيد من نفس السلعة (مثل الأرض)”، هذا له ميزة جعل حساب لوك للملكية أقل جذرية لأنّه لا يدعي أنّ لوك يعتقد أنّ الهدف من نظريته هو إظهار أنّ جميع حقوق الملكية الأصلية كانت غير صالحة في النقطة التي تم فيها إنشاء المجتمعات السياسية.

عيب هذا التفسير كما يعترف سرينيفاسان هو أنّه يثقل كاهل لوك بحجة معيبة أولئك الذين لديهم فقط فرصة للعمل من أجل الآخرين بأجور الكفاف لم يعد لديهم الحرية التي كانت للأفراد قبل الندرة للاستفادة من فائض القيمة الكامل الذي يخلقونه، وعلاوة على ذلك لم يعد العمال الفقراء يتمتعون بالمساواة في الوصول إلى المواد التي يمكن صنع المنتجات منها، ويعتقد سرينيفاسان أنّ نظرية لوك غير قادرة على حل مشكلة فكيف يمكن للأفراد الحصول على حقوق الملكية الفردية فيما يمتلكه جميع الأشخاص في البداية دون موافقة.

رأي المفكر سيمونز لمفهوم الملكية لدى لوك:

يقدم سيمونز (1992) توليفة مختلفة وانضم إلى والدرون (1988) وضد تولي (1980) وسرينيفاسان (1995) في رفض نموذج الصنعة، وهو يدعي أنّ الإشارات إلى “صنع” في الفصل الخامس من الأطروحتين ليست بالمعنى الصحيح للكلمة لنموذج الصنعة ليكون صحيحًا.

ويعتقد لوك أنّ لدينا ممتلكات في أشخاصنا على الرغم من أننا لا نصنع أنفسنا أو نخلقها، ويدعي سيمونز أنّه بينما كان لوك يؤمن بأنّ الله له حقوق كمبدع فإنّ للبشر حقًا محدودًا مختلفًا كأوصياء وليس كصناع، ويبني سيمونز هذا جزئيًا على قراءته لاثنين من الحجج المتميزة التي اتخذها لوك ليقدمهما:

  1. الأولى تبرر الملكية بناءً على إرادة الله والاحتياجات الإنسانية الأساسية.
  2. الثانية تقوم على “خلط” العمل.

وفقًا للحجة السابقة يمكن تبرير بعض حقوق الملكية على الأقل من خلال إظهار أنّ المخطط الذي يسمح بالاستيلاء على الممتلكات دون موافقة له عواقب مفيدة للحفاظ على البشرية، هذه الحجة مفرطة التحديد فوفقًا لسيمونز من حيث أنّه يمكن تفسيرها إما من الناحية اللاهوتية أو كحجة بسيطة للعواقبية، وفيما يتعلق بالحجة الأخيرة يعتبر سيمونز العمل ليس مادة “مختلطة” حرفيًا ولكن بالأحرى كنشاط هادف يهدف إلى تلبية احتياجات الحياة ووسائل الراحة، مثل سرينيفاسان يرى سيمونز أنّ هذا ينبع من حق سابق للناس في تأمين معيشتهم لكن سيمونز يضيف أيضًا حقًا سابقًا في الحكم الذاتي.

يمكن للعمالة أن تولد مطالبات بالملكية الخاصة لأنّ الملكية الخاصة تجعل الأفراد أكثر استقلالية وقدرة على توجيه أفعالهم، ويعتقد سيمونز أنّ حجة لوك معيبة في نهاية المطاف لأنّه قلل من تقدير المدى الذي يمكن أن يؤدي فيه العمل المأجور إلى جعل الفقراء يعتمدون على الأغنياء مما يقوض الحكم الذاتي، وينضم أيضًا إلى جوقة أولئك الذين يجدون أنّ نداء لوك للموافقة على إدخال الأموال غير كافٍ لتبرير حيازات الملكية غير المتكافئة للغاية الموجودة الآن.

اقترح بعض المؤلفين أنّ لوك ربما كان لديه اهتمام إضافي في ذهنه في كتابة الفصل الخاص بالملكية، وأشارتولي (1993) و باربرا أرنيل (1996) إلى أنّ لوك كان مهتمًا ومشاركًا في شؤون المستعمرات الأمريكية وأنّ نظرية لوك للعمل أدت إلى استنتاج مناسب مفاده أنّ عمل الأمريكيين الأصليين أوجد حقوق الملكية على الحيوانات فقط.

رأي المفكر روبرت نوزيك لمفهوم الملكية لدى لوك:

يتعلق السؤال الأخير بوضع حقوق الملكية المكتسبة في حالة الطبيعة بعد ظهور المجتمع المدني، يبدو من الواضح أنّ لوك يسمح على الأقل بفرض الضرائب بموافقة الأغلبية بدلاً من طلب موافقة بالإجماع، ونوزيك (1974) اعتبر لوك ليبراليًا حيث ليس للحكومة الحق في أخذ الممتلكات لاستخدامها من أجل الصالح العام دون موافقة مالك العقار.

وبناءً على تفسيره لا يجوز للأغلبية فرض ضرائب إلّا بالسعر المطلوب للسماح للحكومة بحماية حقوق الملكية بنجاح، ومن ناحية أخرى يعتقد تولي أنّه بحلول الوقت الذي يتم فيه تشكيل الحكومة تكون الأرض شحيحة بالفعل وبالتالي فإنّ الحيازات الأولية لحالة الطبيعة لم تعد صالحة وبالتالي لم تعد قيدًا على الإجراءات الحكومية.

تقع وجهة نظر والدرون (1988) بينهما مع الاعتراف بأنّ حقوق الملكية هي من بين الحقوق من حالة الطبيعة التي تستمر في تقييد الحكومة لكن رؤية الهيئة التشريعية على أنّها تتمتع بالقدرة على تفسير ما يتطلبه القانون الطبيعي في هذه المسألة بطريقة عادلة وطريقة جوهرية.


شارك المقالة: