العلاقة بين الأخلاق الاجتماعية والرياضية في علم الاجتماع الرياضي:
إن الرياضة تأسست عبر تاريخها على أسس من القيم الاجتماعية، ولا شك أن الأساس الأخلاقي في الرياضة من أهم الأسس والدعائم الأخلاقية التي استندت إليها الرياضة في دعم مسيرتها الإنسانية الرياضية، حيث أوجد الإنسان الرياضة وقام بالتطبيق عليها معاييرها وصبغها بصبغته الإنسانية الاجتماعية، حيث هو الذي قام بوضع قواعدها ونظمها، وبالطبع اقتبس ذلك من معاييره ونظمه وقيمه الاجتماعية.
ففي الألعاب الأولمبية وهي أرفع مستويات وأطر المنافسة الرياضية على مستوى العالم، حيث كانت الأخلاق واللعب النظيف والروح الرياضية والإخاء والسمو، هي الأطر القيمية التي شكلت الملمح السائد للفكر الأولمبي، حيث أنها في جوهرها عبارة عن قيم تعبر عن الأخلاق الاجتماعية المقبولة، كما تعتبر من ضمن إطار الاحتياجات الاجتماعية التي يمكن للرياضة ومختلف أنشطتها أن تقوم بالإسهام في تحقيقها إسهاماً كبيراً.
كما يعتمد تحقيق الأدوار الاجتماعية على مدى تنظيم الأخلاق الاجتماعية في أي جماعة رياضية أو مجتمع رياضي، حيث يقصد بالتنظيم الأخلاقي الاجتماعي تنسيق الأدوار بين القادة الرياضيين والأتباع الرياضيين، ونظراً لتعدد الأدوار والمناشط في أي مجتمع رياضي أو جماعة رياضية، فيجب على الفرد الرياضي أن يكون قائداً في أي موقف اجتماعي رياضي، وتابعاً في موقف آخر، كما على الفرد الرياضي (لاعب أو مدرب) أن يستوعب هذا التنظيم الاجتماعي للأخلاق الرياضية ويتقبله.
كما أن القادة الرياضيين ما بين قادة مفروضين على الجماعة الرياضية وقادة طبيعين، حيث أنه في غضون الممارسات الاجتماعية والتنظيمية للنشاط الاجتماعي الرياضي تتاح فرص طيبة لظهور القيادات الطبيعية بخصائصها المتميزة، حيث أن الطلبة الرياضية يكونوا على أغلب المراكز القيادية في المدارس والجامعات والكليات والمعاهد، حيث كثيراً ما يطلب من مدرس التربية البدنية والرياضية القيام بقيادة مناشط تربوية أو إدارية لا تتصل بطبيعة عمله الرياضي، ولكن يتم ذلك لاعتبارات تتصل بمهاراته في القيادة والتنظيم الرياضي.
ففي الملعب وخلال درس التربية البدنية والتربية الرياضية يمر أغلب التلاميذ بخبرات القيادة والتبعية الرياضية من خلال لعب الأدوار المختلفة المتباينة في النشاط الرياضي، حيث يعد النشاط الرياضي مجال خصب حقاً في كيفية تطبيع الأفراد على لعب أدوار متنوعة في خبراتها ما بين أداء حركي، وقيادة الفريق الرياضي وتنظيم وإدارة النشاط الرياضي في المدرسة والتحكيم أو المعاونة فيه، بالإضافة إلى خبرات تجهيز الأدوات والتسهيلات الرياضية للألعاب والأنشطة البدنية والرياضية المختلفة.
كما يمكن إيجاز إسهامات الرياضة في مقابلة حاجة الفرد الرياضي للتنظيم من خلال لعب الأدوار المختلفة، المشاركة الفاعلة، الاستعداد المسبق، الإخلاص في وقت الشدة، العمل من أجل صالح الفريق، إطاعة الأوامر واتباع قواعد اللعب واللوائح الرياضية، المشاركة الفكرية والوجدانية، العطاء والبذل، العمل التطوعي، المواظبة على التدريب الرياضي، حيث أنّ هذه الأمور كلها تدعو إلى تنظيم وتطوير حياة الفرد الرياضي تنظيماً اجتماعياً وحياتياً جيداً.
كما ظهرت الرياضة كحركة اجتماعية بدنية بسبب ضرورة قيام الأفراد بممارسة الأنشطة الرياضية، بسبب الفائدة والنفع الذي يعود على ممارسها، كما كانت الرياضة مقتصرة على أصحاب القدرات البدنية والمهارية رفيعة المستوى، بعد أن بات في حكم المُسلّمات الأهمية الحيوية لحصائل الممارسة الرياضة على جميع المستويات السلوكية، خاصةً في ظل ظروف التحديث التقني والمخترعات والأجهزة التي يسرت على الإنسان الرياضي كل جهد كان يبذله، كما أصبح الجهد العضلي للإنسان الرياضي في حده الأدنى، حيث أن هذا الأمر انعكس في شكل سلبيات صحية نالت من حيوية ونشاطه وكفاية أعضائه وأجهزته الرياضية.
كما أن هناك فئات محرومة من حق الممارسة الرياضية ومنهم أصحاب القدرات المهارية المتوضعة، حيث كانت الرياضة مقصورة على الشباب، فسكان المناطق البعيدة عن المدن والمراكز مثل أهل الريف والبدو والمناطق الرعوية، والأفراد المعاقين بغض النظر عن نوع ودرجة إعاقتهم، فَهُم في حاجة إلى ممارسة الرياضة التي تناسبهم، والمتسربون من التعليم الرسمي، وأصحاب الحرف والعمال ممّن لم يتلقوا برنامجاً في التربية البدنية المدرسية.
كما كانت تدار أغلب ألوان النشاط الرياضي بقدر كبير من الحرية والتبسيط، وخارج الملاعب الرسمية بقواعدها المتشددة، وبعيداً عن الجماهير الرياضية المتعصبة، حتى إن اتخذت الشكل الرياضي التنافسي فيكون ذلك من خلال مباريات مبسطة في قواعدها، فذلك أشبه بالألعاب الرياضية التمهيدية أو الألعاب الصغيرة، حيث أن القواعد مخففة ومعدلة لتناسب الأعمال المتابينة والأجناس المختلفة للأفراد الممارسين، حيث أن مناخ الأنشطة الرياضية يعمل على تغليب فكرة التعاون على فكرة التنافس، مع وجود ازدياد الرغبة في معاونة الأضعف أو الأقل مهارة، ممّا يتيح لكل فرد رياضي أن يمارس الرياضة، دون أن يكون موضع سخرية أو نقد.