الإسقاط الدفاعي في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


تعريف الإسقاط الدفاعي في علم النفس الاجتماعي:

تؤثر العديد من التحيزات على الانطباعات التي يشكلها الناس عن بعضهم البعض، حيث يمكن أن يستكشف قدر كبير من العمل الذي يقوم به علماء النفس الاجتماعي تلك التحيزات، على سبيل المثال غالبًا لا يأخذ الناس في الحسبان كيف يتم تقييد سلوكيات الآخرين بسبب المواقف التي يمرون بها من خلال مفهوم خطأ الإسناد الأساسي، ويمكن أيضًا أن تكون الانطباعات متحيزة ومشوهة بسبب تأثير الأفكار النمطية.

مع ذلك هناك تحيز آخر وأكثر دقة وهو ميل الناس لأن يروا في الآخرين خصائص لديهم الدافع لإنكارها في أنفسهم، على سبيل المثال قد تتهم امرأة تميل إلى الغش في أحد الاختبارات الآخرين بعدم الأمانة، وقد يصبح الرجل الذي لديه تخيلات ورغبات في السلوك المعادي غير المرغوب فيه مهووسًا بفساد جيرانه، وقد يعتقد آخر ممن لديهم الرغبة في ارتكاب العنف ضد شخص ما أن الشخص الآخر هو المعتدي المحتمل، كل هذه الحالات الافتراضية هي أمثلة على الإسقاط على وجه التحديد الإسقاط الدفاعي الذي يشار إليه أحيانًا بالإسقاط المباشر أو الكلاسيكي التحليلي.

قدم سيغموند فرويد بعض الأوصاف المبكرة للإسقاط الدفاعي، ووضعت ابنته آنا فرويد مزيدًا من التفاصيل حول أفكاره، حيث أنه كان نتيجة لذلك ما يرتبط الإسقاط الدفاعي بقوة كبيرة بنظرية التحليل النفسي، وبالنسبة للمحللين النفسيين في علم النفس كان الإسقاط أحد آليات الدفاع العديدة جنبًا إلى جنب مع القمع والإنكار وتشكيل حلقة ردود الفعل وغيرها، وهي عمليات نفسية تُستخدم لمساعدة الأشخاص على تجنب إدراك الأفكار أو المشاعر المثيرة للقلق.

خارج دوائر التحليل النفسي على الرغم من ذلك كان يُنظر إلى ظاهرة الإسقاط الدفاعي منذ فترة طويلة بقدر كبير من الشك، حيث قام علماء النفس الاجتماعيين التجريبيين بالتشكيك على وجه الخصوص في وجود الإسقاط الدفاعي، مما كانت صعوبة معرفة كيفية دراسة الإسقاط بطريقة حذرة ومنهجية مجرد جزء من المشكلة، ومما زاد الأمور تعقيدًا الالتباس حول كيفية تعريف ظاهرة الإسقاط الدفاعي.

على سبيل المثال جادل البعض بأن ظاهرة الإسقاط الدفاعي هي عبارة عن سمة مما يتطلب العديد من المهارات والوسائل من أجل امتلاك هذه السمة بالفعل، ولسوء الحظ ليس من الواضح كيفية إثبات أن الشخص يمكن وصفه بشكل لا لبس فيه بسمات مثل عدم الأمانة أو السلوك السلبي أو العدوانية.

لا يزال باحثين آخرين في علم النفس الاجتماعي يصرون على أن نقص الوعي كان سمة ضرورية للإسقاط الدفاعي، ومع ذلك لم يكن واضحًا أبدًا ما يشير إليه معيار الوعي حيث لا يدرك أن المرء له خاصية؟ ألا يدرك أن المرء يحتقر الخاصية؟ ألا يدرك أن أحدًا ينسب السمة إلى شخص آخر؟ ألا يدرك أن إسناد السمة إلى شخص آخر هو نتيجة لدوافع الفرد لإنكار هذه السمة؟

البحث النفسي المعاصر في الإسقاط الدفاعي في علم النفس الاجتماعي:

في التسعينيات تم إحياء ظاهرة الإسقاط الدفاعي كموضوع للدراسة النفسية، بحيث تدعم العديد من الدراسات سردًا عامًا لكيفية حدوثه، وعلى الرغم من أن العديد من السمات غير المواتية مكروهة عالميًا تقريبًا، فقد يكون لدى الأفراد الدافع الجوهري من أجل تجنب وإنكار بعض منها أكثر من الآخرين، حيث قد يرغب شخص ما بشدة في ألا يُنظر إليه على أنه غير كفء، وشخص آخر قد يكون الدافع الأكبر للابتعاد عن الكذب ولا يزال آخر قد يحتقر الجبن.

لسوء الحظ نظرًا لكون السلوك الإنساني البشري معقدًا وغامضًا ومتعدد التحديدات كما هو فمن الصعب تجنب فعل أي شيء أو قول أو تفكير أو الشعور أو الإحساس بأي شيء قد يُنظر إليه على أنه دليل على أن المرء لديه سمة مكروهة محددة بعينها، حيث تتمثل إحدى طرق التعامل مع الضيق الذي ينتج عن ذلك في محاولة عدم التفكير في هذا الدليل أي لقمع الأفكار حول السمة الشخصية وحول احتمالية أنها قد تميز سلوك الفرد الظاهر إلى حد ما على الأقل.

على سبيل المثال قد يحاول المرء أن ينسى تعليقًا سيئًا أدلى به للتو ويحاول تجنب التفكير في الكيفية التي يوحي بها إبداء مثل هذا التعليق بقدر معين من السذاجة على الأقل، ولسوء الحظ يشير قدر كبير من الأبحاث إلى أن قمع الفكر يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، بمعنى آخر تعتبر محاولة عدم التفكير مباشرة في شيء ما يمكن أن يؤدي إلى صعوبة تجنب تلك الأفكار مما لو لم يحاول المرء قمعها مطلقًا.

ونتيجة لذلك فإن الأفكار حول السمة الشخصية والخصائص الذاتية تميل إلى الظهور في الذهن عند التفاعل مع أشخاص آخرين، وبالتالي فإنها ستهيمن على الانطباعات بأشكال أخرى، مما تجدر الإشارة إلى أن هذا الحساب لا يتطلب من الشخص امتلاك سمة موضوعية قبل أن يتمكن من عرضها.

تدعم الأبحاث النفسية في المنهج التجريبي في علم النفس الاجتماعي الادعاء بأن الجهود المبذولة لإنكار سمة تزيد من احتمالية اعتقاد الناس أنه يمكن تصنيف الآخرين بهذه السمة بالذات، بالإضافة إلى ذلك فإن الأشخاص الذين لديهم ميل عام وطويل الأمد لقمع الأفكار أي الأشخاص المعروفين باسم القامعين يبدون أكثر من غيرهم، بالتالي بدأت الأبحاث الحديثة في معالجة الاحتمال الذي اقترحه طلاب العلاقات بين المجموعات منذ فترة طويلة، أن الصور والأفكار النمطية والأحكام المسبقة يمكن أن تتطور نتيجة الإسقاط الدفاعي.

يُنظر إلى الإسقاط الدفاعي في علم النفس الاجتماعي على أنه آلية دفاع، حيث يمكن أن يعني شيئين مختلفين على الأقل، ومنها يرتبط الإسقاط بالدفاع من حيث أنه ناتج عن جهود الناس للدفاع عن أنفسهم ضد إمكانية إدراك أنفسهم بطرق معينة، وبعبارة أخرى تحدث نتيجة قمع الأفكار المهددة، ولكن هل يعمل الإسقاط نفسه كدفاع أي هل يشعر الناس بتحسن تجاه أنفسهم ويختبرون قلقًا أقل نتيجة لإسقاط سمات غير مرغوب فيها على الآخرين؟ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الإسقاط يمكن اعتباره دفاعًا بهذا المعنى أيضًا تم العثور على الناس للإبلاغ عن مفاهيم ذاتية أكثر إيجابية وأقل ضيقًا بعد توجيههم إلى المشروع.

يبدو أن الكثير من الناس يزعجهم الحيوانات الأليفة بشأن أوجه القصور التي يعاني منها أقرانهم من البشر، وبعض الناس يتذمرون من غباء وكسل الآخرين، والبعض يصيبهم بالصدمة من قسوة الآخرين، والبعض الآخر مندهش من الأنانية التي يرونها من حولهم، حيث تشير الأبحاث النفسية المعاصرة حول الإسقاط الدفاعي إلى أن هذه الميول غالبًا ما تكشف عن مخاوف المراقبين ومخاوفهم بشأن أنفسهم أكثر مما تكشف عن طبيعة الأشخاص الذين يثيرون اشمئزازهم.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: