الصحة النفسية في علم النفس التنموي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر علم النفس أحد العلوم التي تدرس سلوك الكائن وتتعمق بداخل العمليات العقلية، كما يدرس عملية يمكن على أساسها فهم وضبط السلوك وتوقعه والتخطيط له، أمّا السلوك فهو أي نشاط جسمي أو عقلي أو اجتماعي أو انفعالي يصدر من الكائن الحي بسبب علاقة دينامية وتفاعل بينه وبين البيئة المحيطة به، بالنسبة لعلم نفس النمو أو سيكولوجية النمو فهو أحد فروع علم النفس الذي يدرس النمو النفسي عند الكائن الحي ويتضمن ذلك الإنسان والحيوان في البيئة التي يسكنها كلاهما.

علم نفس النمو بين مجالات علم النفس الأخرى:

يقوم علم نفس النمو بالاشتراك مع جميع مجالات علم النفس وميادينه؛ فهو مختص بدراسة سلوك الكان الحي والتحكّم به والتنبؤ به، تم إيجاد العديد من الحقائق والقوانين ونظريات التعلم والدوافع التي تطبّق في علم النفس كما تطبق في جميع فروع علم النفس الأخرى، لا تعتبر ظاهرة النمو حكر على علم النفس، بل تم إيجاد عدد من العلوم التي تتكامل ويتم اتخاذ منها مجالات، كما يستفيد علم النفس من العلوم الأخرى مثل علم الأحياء والأجنة وفسيولوجيا النمو وعلوم الاجتماع وعلم الإنسان وعلم الأجناس.

الصحة النفسية في علم النفس التنموي:

عرّف علم نفس النمو الصحة النفسية بأنّها أحد حالات الرفاهية التي تساعد الشخص في إدراك الإمكانات الموجودة لديه، أيضاً كيفية تعامله مع ضغوط الحياة وكيف يعمل بطريقة منتجة، كما يقدم مساهمة في المجتمع؛ هذا يعني أكثر من مجرد عدم تشخيص اضطراب الصحة العقلية، فهو مشابه بشكل مدهش لمفهوم التنمية البشرية؛ أي توسيع الحريات والقدرات حتى يتمكن الجميع من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
تمّ الأخذ بعين الاعتبار الفتاة جينيفر التي تعيش الولايات المتحدة؛ فالولايات المتحدة دولة ذات مستوى عالي جداً من التنمية البشرية، حيث كانت الظروف جيدة للتعلم الناجح، مع ذلك نتيجة لصدمة الطفولة تجد جينيفر صعوبة في التركيز في المدرسة، على الرغم من حصولها على التعليم، إلّا أنّ حالتها النفسية لا تسمح لها بتطوير إمكاناتها الكاملة، في الولايات المتحدة تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف جميع المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عام يعانون من اضطراب في الصحة النفسية في حياتهم.
مثال آخر لفيكتور الذي يعيش في ألمانيا؛ فألمانيا كذلك دولة ذات تنمية بشرية عالية بشكل كبير، يعاني فيكتور من الاكتئاب ، بالرغم من أن متوسط ​​العمر المتوقع في بلده من بين أعلى المعدلات في العالم، إلّا أن فيكتور لا يتمتع بحياته الطويلة؛ فبسبب حالته النفسية لم يتمكن من الذهاب إلى العمل كل يوم، أظهرت دراسة حديثة أن الإجازة الطبية لمشاكل الصحة النفسية قد ازدادت بنحو 80% في ألمانيا خلال السنوات العشر الماضية، فالغياب بسبب سوء الصحة النفسية أطول بمتوسط ​​25.7 يومياً لكل حالة مقارنة بـ 11.7 يومياً بسبب أمراض أخرى.
يوضح هذان المثالان كيف أن قضايا الصحة النفسية تحد من حرية الإنسان داخلياً على الرغم من وجود الظروف الخارجية، مثل ارتفاع متوسط ​​العمر المتوقع أو الوصول إلى التعليم والوظائف، كما أنه يحد من جودة التنمية البشرية؛ لذلك فإنّ الصحة النفسية تعتبر عنصر أساسي في التنمية البشرية.
في البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة غالباً ما تكون هناك أولويات تنموية أخرى، فلا تحظى الصحة النفسية بالاهتمام اللازم، هذا معقد بشكل خاص في البلدان التي تعاني من نزاع عنيف، تشير التقديرات على سبيل المثال إلى أنّ ما لا يقل عن 20% من سكان رواندا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.
على المستوى العالمي؛ فإنّ التحدي في تقييم قضايا الصحة النفسية هو البيانات، نظرًا لأنّ تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية يشكل مفهوم أوسع بكثير من مجرد حرية المرض النفسي، فإنّ عدد الاضطرابات النفسية ليس سوى وكيل ضعيف، علاوة على ذلك في العديد من البلدان يؤدي استمرار وصمة العار حول قضايا الصحة النفسية إلى إحجام الأفراد عن إفشاء المعلومات أو طلب المساعدة المهنية، حتى لو كانت متوفرة.
في فرنسا على سبيل المثال يوجد في المتوسط ​​120 طبيبً نفسي فقط لمليون شخص، مقارنة بـ 680 طبيب أسنان، أمّا في بلدان أخرى مثل جنوب السودان فيوجد 0.3 عالم نفسي أو طبيب نفسي فقط لكل مليون شخص، في العديد من البلدان لا يغطي التأمين جميع خدمات الصحة النفسية بالكامل، ممّا يؤدي إلى تفاقم الوصول إليها.


شارك المقالة: