العقلانية مقابل التجريبية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يعتبر الخلاف بين العقلانية والتجريبية يتعلق بمدى اعتمادنا على الخبرة في جهودنا لاكتساب المعرفة في علم النفس، فمن الشائع أن نفكر في التجربة نفسها على أنها من نوعين التجربة الحسية التي تشمل حواسنا الخمس ذات التوجه العالمي، والتجربة الانعكاسية بما في ذلك الإدراك الواعي لعملياتنا العقلية، وفي الخلاف بين العقلانية والتجريبية غالبًا ما يتم إهمال هذا التمييز.

العقلانية مقابل التجريبية في علم النفس

تعتبر التجربة في جوهرها تعتمد على وعينا التأملي والحدسي لوجود الفكر الحالي، ومنها يطور العقلانيين بشكل عام وجهة نظرهم في خطوتين أولاً يجادلون بأن هناك حالات يتجاوز فيها محتوى مفاهيمنا أو معرفتنا المعلومات التي يمكن أن توفرها التجربة، ثانيًا يقومون بتكوين حسابات حول كيفية قيام العقل بشكل أو بآخر بتوفير تلك المعلومات الإضافية حول العالم.

يقدم معظم التجريبيين خطوط فكرية متكاملة فهم يطورون حسابات حول كيف أن التجربة وحدها مثل تجربة الإحساس، أو التجربة العاكسة، أو مزيج من الاثنين، التي توفر المعلومات التي يستشهد بها العقلانيين، بينما يهاجم التجريبيين حسابات العقلانيين حول كيف أن العقل هو المصدر الأساسي للمفاهيم أو المعرفة، فإنهم يظهرون أن الفهم التأملي يمكن وعادة ما يوفر بعض الروابط المفقودة تتضمن عناصر مشتقة من كل من الإحساس والانعكاس.

يحدث الخلاف بين العقلانية والتجريبية في المقام الأول داخل نظرية المعرفة في علم النفس، وهي فرع العلوم النفسية المبني لتوضيح طبيعة وأساسيات وحدود المعرفة، حيث يمكن أن تكون المعرفة نفسها من أشياء مختلفة وعادة ما يتم تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية تتمثل في معرفة العالم الخارجي، ومعرفة العالم الداخلي أو معرفة الذات، ومعرفة القيم الأخلاقية أو الجمالية.

عند النظر في الخلاف الواقع بين كل من العقلانية والتجريبية يتوجب النظر في كل منهما بشكل منفصل، من خلال التوضيح التالي:

العقلانية

تعتبر فرضية الحدس أو الاستنتاج وفرضية المعرفة الغريزية وفرضية المفهوم الغريزي ضرورية للعقلانية؛ لكي يكون الفرد عقلانيًا يجب أن يتبنى واحدة منها على الأقل، إما فرضية المعرفة الغريزية، فيما يتعلق بمعرفتنا الغريزية المفترضة، أو فرضية المفهوم الغريزي فيما يتعلق بمعرفتنا الفطرية المفترضة بالمفاهيم.

يغير العقلانيين قوة وجهة نظرهم من خلال تعديل فهمهم للأمر حيث يرى البعض أن المعتقدات المبررة لا تدع أدنى شك ويدعي أن الحدس يوفر معتقدات لهذه الحالة المعرفية العالية، ويفسر البعض الآخر بشكل أكثر سلامة على سبيل المثال على أنه تأكيد يتجاوز الاحتمال المعقول، ويزعمون أن الحدس يوفر معتقدات من هذا المستوى، فلا يزال هناك بُعد آخر للعقلانية يعتمد على كيفية فهم مؤيديها للعلاقة بين الحدس من ناحية والحقيقة من ناحية أخرى.

يتم تبني فرضيتين أخريين وثيقتي الصلة بشكل عام من قبل العقلانيين على الرغم من أنه يمكن بالتأكيد أن يكون المرء عقلانيًا دون تبني أي منهما، الأول هو أن التجربة الحسية لا يمكن أن توفر ما نكسبه من العقل، حيث لا يمكن الاستغناء عن أفكار وحالات المعرفة في المواقف الغريزية بالنسبة لنا ولا يمكن أن نكتسبها من خلال تجربة الحس.

والثاني هو فرضية أن العقل متفوق على الخبرة الحسية كأساس للمعرفة، فلكي يكون العقل متفوقًا يحتاج إلى تفسير وقد قدم العقلانيين تفسيرات مختلفة مثل أن ما نعرفه بالحدس مؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بينما ما نعتقد أو حتى نعرفه على أساس الخبرة الحسية غير مؤكد إلى حد ما على الأقل.

هناك وجهة نظر أخرى مرتبطة بشكل عام بأفلاطون تحدد تفوق المعرفة المسبقة في الأشياء المعروفة، ما نعرفه بالعقل وحده هو الشكل الأفلاطوني على سبيل المثال يتفوق بطريقة معرفية مهمة على سبيل المثال غير متغيرة أبدية ومثالية ودرجة أعلى من الوجود على ما ندركه من خلال التجربة الحسية.

التجريبية

يؤيد التجريبيين أيضًا فرضية الحدس أو الاستنتاج ولكن بمعنى أكثر تقييدًا من العقلانيين تنطبق هذه الفرضية فقط على علاقات محتويات عقولنا، وليس أيضًا على الحقائق التجريبية، المستفادة من العالم الخارجي، على النقيض من ذلك يرفض التجريبيين فرضيات المعرفة الغريزية والمفهوم الغريزي بقدر ما لدينا معرفة في موضوع ما، يتم اكتساب معرفتنا ليس فقط من خلال تجاربنا، سواء كانت حسية أو عاكسة.

وبالتالي فإن التجربة هي مصدر أفكارنا الوحيد علاوة على ذلك فالتجريبيين يرفضون النسخة المقابلة من فرضية تفوق العقل، بما أن العقل وحده لا يمنحنا أي معرفة، فمن المؤكد أنه لا يمنحنا معرفة أفضل، ومنها لا يحتاج التجريبيين إلى رفض حتمية فرضية العقل لكن معظمهم يفعلون ذلك، ومع ذلك فإن السمة الرئيسية للتجربة هي أنها تؤيد نسخة من الادعاء لبعض المجالات التجريبية.

تاريخيًا امتد الخلاف العقلاني والتجريبي في نظرية المعرفة إلى مجال الميتافيزيقا المعرفية، حيث يهتم علماء النفس بالطبيعة الأساسية للواقع، بما في ذلك وجود طبيعتنا مثل الإرادة الحرة والعلاقة بين العقل والجسد، ومنها قدم العديد من العقلانيين نظريات معرفية زعموا أنهم يعرفونها عن طريق الحدس أو الاستنتاج وحده، ورفض التجريبيين النظريات على أنها إما تكهنات، تتجاوز ما يمكننا تعلمه من التجربة، أو محاولات غير منطقية لوصف جوانب من العالم تتجاوز المفاهيم التي يمكن أن توفرها التجربة.

أهم الأسئلة حول الجدل بين العقلانية والتجريبية في علم النفس

كيف نكتسب المعرفة؟ يعتبر من الأسئلة المهمة للتعرف على الخلاف بين العقلانية والتجريبية في علم النفس، حيث يمكننا تكوين معتقدات حقيقية فقط من خلال التخمينات المحظوظة، وكيفية الحصول على المعتقدات المبررة أقل وضوحا، علاوة على ذلك لمعرفة العالم الخارجي أو أي شيء عن الجمال، على سبيل المثال يجب أن نكون قادرين على التفكير في العالم الخارجي أو حول الجمال، وليس من الواضح كيف نكتسب المفاهيم التي نستخدمها في الفكر أو أي ضمان إن وجد لدينا أن الطرق التي نقسم بها العالم باستخدام مفاهيمنا تتوافق مع التقسيمات الموجودة بالفعل.

يتمثل السؤال الثاني للتميز بين العقلانية والتجريبية في علم النفس من خلال ما هي حدود معرفتنا؟ فقد تكون بعض جوانب العالم الخارجي أو أنفسنا أو القيم الأخلاقية والجمالية ضمن حدود فكرنا ولكن خارج حدود معرفتنا، في مواجهة الأوصاف المتنافسة لها، ولا يمكننا معرفة الوصف الصحيح، فقد تكون بعض جوانب العالم الخارجي أو أنفسنا أو القيم الأخلاقية والجمالية خارج حدود تفكيرنا، لذلك لا يمكننا تكوين أوصاف واضحة لها، ناهينا عن معرفة أن وصفًا معينًا صحيح.

يتعلق الخلاف بين العقلانية والتجريبية في المقام الأول بالسؤال الثاني، فيما يتعلق بمصادر مفاهيمنا ومعرفتنا، ففي بعض الحالات يؤدي الخلاف حول هذا الموضوع إلى ردود متضاربة على الأسئلة الأخرى أيضًا، وقد يمتد الخلاف ليشمل طبيعة الذاكرة أو حيث تكون حدود فكرنا ومعرفتنا.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف، 2015.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم، 1995.علم النفس العام، هاني يحيى نصري، 2005. علم النفس، محمد حسن غانم، 2004.


شارك المقالة: